كان بييرانجيلو ماسكيادرى يبيع ربطات العنق فى ورشته الصغيرة على ضفاف بحيرة كومو منذ السبعينيات.. لكن الوباء أجبره على نقل عمليات البيع عبر شبكات الإنترنت.
لقد أغلقت الشركات فى جميع أنحاء أوروبا أبوابها خلال عمليات الإغلاق الوبائى فى العام الماضى، ما أدى إلى لجوء ماسكيادرى، الذى لديه عشرات الآلاف من العملاء حول العالم، بمن فيهم الرئيس الأمريكى السابق بيل كلينتون، لإنشاء متجر على موقع «إيباي».
وعن ذلك، قال «ماسكيادرى»: «لقد كانت ثورة كبيرة بالنسبة لعملى التجارى».
لم يكن «ماسكيادرى»، الوحيد الذى أدخل تغييرات على أعماله. فقد أصبحت صادرات السلع الإيطالية المزدهرة محركاً رئيسياً للتعافى الاقتصادى للبلاد من الركود التاريخى فى العام الماضى، مدعومة بتحول الشركات السريع لاستخدام التكنولوجيا الرقمية.
بحلول أبريل، كانت صادرات السلع أعلى بنسبة 6% عن مستويات يناير 2020، وهو أقوى معدل نمو لأى اقتصاد رئيسى فى منطقة اليورو، مقارنة بمعدلات أقل من 1% فى فرنسا وألمانيا.
ونتيجة ذلك، ارتفع فائض تجارة السلع الإيطالية منذ بداية الوباء. كما ارتفعت أحجام مبيعات التجزئة عبر الإنترنت بأكثر من 50% فى يناير 2020، متجاوزة بكثير متوسط منطقة اليورو البالغ 42%.
ولطالما كانت إيطاليا متخلفة عن العمل الرقمى، حسبما ذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية.
فى عام 2015، قبل عام من إطلاق روما خطة صناعية تستهدف تعزيز الاستثمار التكنولوجى، تم بيع أقل من واحد من كل 10 شركات صغيرة ومتوسطة الحجم عبر الإنترنت، وهذا المعدل يعادل نصف متوسط منطقة اليورو فقط.
وقد تحسن هذا الأمر منذ ذلك الحين بنسبة 6%، لكنه لا يزال يترك الغالبية العظمى دون عملية بيع عبر الإنترنت، ما تسبب فى إعاقة إنتاجية إيطاليا، التى لم تتضرر من الأزمة فحسب، بل نمت بالكاد من حيث القيمة الحقيقية منذ بداية الألفية.
كذلك، تعد الرقمنة والابتكار فى صميم برنامج إيطاليا الطموح لإصلاحات ما بعد الجائحة. فقد تعهد رئيس وزراء إيطاليا ماريو دراجى، الذى تولى منصبه بداية العام الحالى، بإصلاح البيروقراطية والأنظمة القانونية البطيئة فى البلاد.
يريد «دراجى» استخدام حصة روما من صندوق التعافى التابع للاتحاد الأوروبي، البالغة 205 مليار يورو، لرقمنة الاقتصاد، وكذلك فى مشاريع البنية التحتية، والمبادرات المناخية والبيئية، والتعليم والصحة.
فى حديثه فى مؤتمر صحفى الشهر الماضى، قال إنَّ الرقمنة كانت «ذات أهمية قصوى» لتضييق أوجه التفاوت الاجتماعى والاقتصادى ومساعدة الاقتصاد على التعافى من تداعيات كوفيد- 19.
وأوضح «دراجى»: «إنها واحدة من أكثر الأولويات إلحاحاً بالنسبة للحكومة، فلا يمكن تنفيذ العديد من المشاريع فى قطاعات أخرى من الاقتصاد دون اتخاذ خطوة إلى الأمام من خلال رقمنة إدارتنا العامة وقدرتنا على التخطيط».
يقول ماسيمو رودا، كبير الاقتصاديين فى اتحاد الصناعة العام الإيطالى، إنَّ «الرقمنة عامل حاسم فى التنمية الاقتصادية للبلد وفى تحسين قدرته التنافسية».
وأوضح أن الرقمنة تغير أنماط الاستهلاك والإنتاج ونماذج الأعمال والتفضيلات والأسعار النسبية، كما أنها تؤثر على المتغيرات المتعلقة بالسياسات، مثل التوظيف والإنتاجية والتضخم.
هذا الأمر يساعد على تخفيف الأثر الاقتصادى للوباء؛ حيث كانت إيطاليا الاقتصاد الرئيسى الوحيد فى منطقة اليورو الذى سجل نمواً فى الربع الأول من عام 2021. فهى عززت إنتاجها الاقتصادى بنسبة 0.1% مقارنة بالأشهر الثلاثة السابقة، فى حين أن منطقة اليورو ككل سجلت انكماشاً بنسبة 0.3%.
فى النهاية، يشير هذا التحول أثناء الوباء إلى أن المزيد من الشركات الإيطالية تتمتع بفوائد انتقالها السريع بشكل غير متوقع إلى التجارة الرقمية.