لا شك أنَّ هؤلاء الملوك الماليين والنقديين لديهم نوايا منطقية وهى العودة إلى اقتصاد ما قبل فيروس كورونا بنمو حقيقى نسبته 3% وتضخم مستهدف عند 2%.
الضغوط التضخمية تشكل مخاطر أسعار متزايدة على سندات الخزانة والأسهم أيضاً، ولا يمكن لمجلس الاحتياطى الفيدرالى أن يستمر طويلاً فى الحفاظ على الفائدة الحالية
اسمحوا لى أن أكون صادقاً، كان ملوك وملكات السندات الوحيدين على مدى نصف القرن الماضى منذ أن تم تحرير الائتمان من معيار الذهب فى أوائل السبعينيات من القرن الماضى هم رؤساء الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى.
وبالتأكيد، كان هناك اقتصاديون مرموقون مثل هنرى كوفمان، وألبرت ووجنيلاور خلال أيام النهاية المحمومة للتضخم المكون من رقمين فى أوائل الثمانينيات، لكنهما كانا يحثان العملاء على تجنب السندات الطويلة ثم صرحا بأنَّ الأمر لم يعد يشكل مشكلة.
لم يكن هناك مستثمر على الإطلاق يمكنه تحريك أسواق السندات بمحفظة كبيرة بما يكفى لإحداث فرق، إنما سيطر رئيس الاحتياطى الفيدرالى بذخيرته من العملة العالمية على العرش النقدى على مدار الخمسين عاماً الماضية، وهذا الرئيس الآن هو جاى باول، وأنا متأكد من أنه حسن النية، لكنه قصف بظروف فريدة مرتبطة بالوباء تجعلنى أتساءل عما إذا كان قد غير موقفه المحافظ وأطلق العنان لإمكانية حدوث نتائج اقتصادية وسوقية مستقبلية فوضوية.
من المؤكد أنه مرتبط الآن أكثر من أى وقت مضى بوزارة الخزانة، وهو مجبر على إدارة أكبر عجوزات فى وقت السلم كان لا يمكن تصورها، ولا شك فى أن هؤلاء الملوك الماليين والنقديين لديهم نوايا منطقية وهى العودة إلى اقتصاد ما قبل فيروس كورونا بنمو حقيقى نسبته 3%، وتضخم مستهدف عند 2%.
ومع ذلك، إلى أى مدى وصل باول (وواشنطن)، وإلى متى سيواصلون الضغط على «دواسة وقود المحفزات بأقصى قوة»؟ أظن أن برامج الإنفاق البالغة 5 تريليونات دولار وحزمة التحفيز الحالية للفيدرالى المكونة من فائدة قصيرة الأجل تقترب من الصفر، ومشتريات سندات شهرية بقيمة 120 مليار دولار ستدفع النمو والتضخم والأسواق المالية إلى ما هو أبعد من الأهداف المعقولة التى ستهدد فى النهاية الأحوال الاقتصادية الطبيعية بعد كوفيد 19.
وينبغى على المؤيدين لسياسة الفيدرالى أن يتساءلوا عما إذا كانت مئات العملات المشفرة أو الطفرة فى شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة هى نتيجة استمرار الابتكار المالى أم أنهم نتاج الائتمان الرخيص والوفير المطلوب لمواصلة الإنفاق بالعجز والموقف الميسر من قبل رئيس الفيدرالى.
ولن يعترف باول حتى بطرح هذا السؤال حتى يصبح كوفيد تحت السيطرة ويعود التوظيف إلى المعايير التاريخية، ومع ذلك، قد لا تعود البطالة إلى 4% أبدا نظراً إلى التغيرات الجذرية فى العمل من المنزل والتحولات التكنولوجية الشبيهة على غرار «زوم».
ما هو معدل التضخم غير المسرع للبطالة الجديدة لباول؟
لا يمكن أن يكون النموذج التاريخى للفيدرالى عن «معدل التضخم غير المسرع للبطالة» دليلاً موثوقاً به على تغييرات أسعار السياسة مستقبلاً، وما هى المدة التى يمكن أن تستمر فيها وزارة الخزانة فى طلب تمويل الفيدرالى منعدم التكلفة تقريباً مقابل إدارة عجز قيمته 2 و3 و4 تريليونات دولار دون إغراق الدولار؟
وفى العالم القديم القائم على معايير الذهب، كانت خزانة الفيدرالى لتفرغ منذ وقت طويل، ما يعنى إفلاس العملة الاحتياطية فى العالم.
ويتعجب العديد من المراقبين من تداول سندات الخزانة وغيرها من الديون السيادية العالمية بعوائد منخفضة للغاية، وفى بعض الحالات سلبية.
ويبلغ عائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل 5 سنوات حالياً 0.80% فقط، وهو ليس كبيراً فى عالم تتجاوز فيه توقعات التضخم خلال نفس الفترة 2.5%، وهو ما يظهر فى العوائد الحقيقية السلبية التى تخلصت من تأثير التضخم.وتتداول السندات الأمريكية المحمية من التضخم لأجل خمس سنوات حاليا بعائد قريب من سالب 2%، ويعود تفسير ذلك جزئياً إلى العائدات الأقل جاذبية على الديون السيادية المحلية للمؤسسات الأجنبية (سالب 0.5% فى ألمانيا، على سبيل المثال).
ومع ذلك، يعتقد المستثمرون الأمريكيون أن سندات الخزانة لمدة 10 سنوات والتى تحقق عائداً بنسبة 1.65% يمكن أن تحقق عائداً إجمالياً قدره 2.40% أو أكثر من خلال الحصول على سعر مرتفع مقابل السند مع اقتراب موعد استحقاقه، وبعد كل شىء هناك الفيدرالى الذى يشترى أكثر من تريليون دولار من سندات الخزانة سنوياً، لا عجب فى أن عائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات يستقر على نحو غير مبرر عند 1.65%.
ومع ذلك، فإن مثل هذه التكهنات تعتمد على استقرار الدولار، والتزام باول بتعهد الحفاظ على أسعار الفائدة القصيرة دون تغيير فى المستقبل المنظور، وفى مرحلة ما فى الأشهر القليلة المقبلة، من المحتمل أن تخيب الآمال فى ذلك لأن الضغوط التضخمية تشكل مخاطر أسعار متزايدة على سندات الخزانة والأسهم أيضاً، ولا يمكن لمجلس الاحتياطى الفيدرالى أن يستمر طويلاً فى الحفاظ على الفائدة الحالية وتوسيع ميزانيته العمومية وبالتالى احتياطيات البنوك الخاصة بمعدل شهرى قدره 120 مليار دولار.
وتحولت سندات الخزانة لأجل عشر سنوات إلى فئة الأصول «الخطرة» منذ عدة سنوات، وأصبحت الأسهم ذات التقييمات المدعومة بانخفاض الفائدة تندرج فى نفس الفئة الآن بغض النظر عن توقعات النمو لعامى 2021 و2022، وكانت استراتيجية الاحتفاظ بالنقدية مهملة لسنوات، ولكن سرعان ما قد يكون الملاذ الوحيد للمستثمرين الذين رضوا بالتوقعات غير المعقولة المتمثلة فى الانخفاض الدائم للفائدة والدعم المستمر لملوك وملكات السندات.
بقلم: بيل جروس، المحب للخير والمؤسس المشترك لـ«بيمكو»
المصدر: صحيفة «فاينانشيال تايمز».