يبدو أن التجارة سوف تصبح أحدث بؤرة توتر فى الصراع الاقتصادى والاستراتيجى الناشب بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وقد تصبح مخاطرة أيضاً تهدد بزيادة التوترات فى مجلس التعاون الخليجى المؤلف من 6 دول بعد أن فرضت السعودية رسوماً جمركية جديدة على الواردات القادمة من جيرانها.
وتتراوح الرسوم، التى دخلت حيز التنفيذ هذا الشهر، من 3% إلى 15% وتنطبق على المنتجات التى تصنعها أى شركة تتخذ من جارتها الخليجية مقراً لها، والتى لا تضم قواها العاملة ما يتراوح بين 10% و25% من مواطنى ذلك البلد.
وأوضحت الرياض أن هذه الخطوة تهدف إلى وقف تقويض صناعاتها بفعل العمالة الأجنبية الرخيصة.
لكنها تتغلب على الاتحاد الجمركى لدول مجلس التعاون الخليجى، الذى بموجبه تخضع معظم المنتجات القادمة من دول غير خليجية لرسوم جمركية بنسبة 5%.
ويذكر أيضاً أن التجارة بين أعضاء مجلس التعاون الخليجى – السعودية والكويت والإمارات وقطر والبحرين وسلطنة عمان – معفاة من الرسوم الجمركية بشكل أساسى.
وذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية أن خطوط الشاحنات تلقت دعماً على الحدود السعودية الإماراتية، حيث يكافح مشغلو الخدمات اللوجستية فى التعامل مع الأوراق الجديدة، بما فى ذلك استمارة تطلب من الموردين إلى المملكة تقديم دليل على موقعهم وتكوين القوى العاملة.
ويقول مسئول تنفيذى فى مجموعة مملوكة لإحدى العائلات وتتخذ من دبى مقراً لها: «لقد أربكنا هذا الأمر، فالمتطلبات مستحيلة.. هذه نهاية دول مجلس التعاون الخليجى.. ما الهدف من ذلك؟».
وتشكل التعريفات الجمركية أحدث جبهة فى المنافسة الناشبة بين السعودية والإمارات رغم تشاركهم منذ أعوام فى الأهداف الإقليمية، حيث تعاون البلدان لمحاولة احتواء تيار الإسلام السياسى، والتدخل المشترك فى الصراع اليمنى فى عام 2015، وفرض حظر على قطر عام 2017، لكن التوترات تصاعدت منذ انسحاب القوات الإماراتية من اليمن فى 2019. ورفضت أبوظبى فى اجتماع منظمة «أوبك» هذا الشهر الاتفاق على زيادة إنتاج البترول التى تسعى الرياض وموسكو إلى تحقيقها، بينما وافقت عليها الدول الأعضاء الأخرى فى المنظمة.
كما اشتد التنافس الاقتصادى مع السعودية، فى إطار الخطط الطموحة التى يقودها ولى العهد محمد بن سلمان والتى تسعى لتعزيز اقتصاد البلاد وتنويعه بعيداً عن البترول، ما يجعل قطاع التصنيع بالبلاد يتنافس مع جيرانها.
وقال متحدث باسم وزارة المالية السعودية لصحيفة «فاينانشيال تايمز»، إن نظام الرسوم الجمركية الجديد فى المملكة كان «مجرد تقنين» للممارسات الحالية المستخدمة لتشجيع المزيد من «المحتوى المحلى».
وأضاف أن هذا الأمر «ينطبق على المنتجات السعودية ونتوقع اعتماد منتجات دول مجلس التعاون الخليجى الأخرى لنفس الأساس لتلقى حالة المنتج الخليجى والإعفاء من الرسوم الجمركية».
وقال محمد السويد، الرئيس التنفيذى لشركة «رزين كابيتال» للاستشارات الاستثمارية، ومقرها الرياض: «لا يمكن للإمارات أن تستفيد من مثل هذه السوق.. لا مزيد من الربح على حساب الأعضاء الآخرين».
وفى الإمارات، حيث يبلغ عدد المواطنين حوالى 10% فقط من تعداد السكان الذى يتراوح بين 9 و10 ملايين نسمة، تقول الشركات إنها تواجه ضربة كبيرة.
وعن ذلك، يقول المدير التنفيذى ومقره دبى إن أقل من 1% من العاملين فى أعماله الصناعية هم من الإماراتيين، وبالتالى من المستحيل الالتزام بهذه الشروط، فلا يوجد مصنع لديه هذا المستوى من القوى العاملة المحلية.
وأوضح أن الرسوم الجمركية البالغة 15% المفروضة على أعمال المعادن فى شركته من المرجح أن تمنح المنافسين الدوليين فى دول مثل الصين والهند ميزة تنافسية على المنتجين الإقليميين.
ومثل السعودية، تحولت الإمارات إلى التصنيع للمساعدة فى تنويع اقتصادها، وتعد السعودية، ذات الكثافة السكانية البالغة 35 مليون نسمة، أكبر سوق تصدير لها، حيث بلغت قيمة التجارة حوالى 20 مليار دولار فى الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2020.
وفى دبى، الإمارة الأكثر تنوعاً من الناحية الاقتصادية، كان إغراء المستثمرين الأجانب يتمثل فى إمكانية الوصول إلى الأسواق المجاورة الكبيرة مثل السعودية.
وتمثل المنطقة الحرة فى جبل على، وهو مركز ضخم للتصنيع وإعادة التصدير، حوالى ربع اقتصاد دبى، وفى عام 2019، تعاملت المنطقة مع تجارة بقيمة 95 مليار دولار، أى ما يعادل مجمل التجارة بين دول مجلس التعاون الخليجى.
ومع ذلك، يقول الاقتصاديون، إن التعاون تحت رعاية دول مجلس التعاون الخليجى، بدلاً من المنافسة بين الأعضاء، سيكون طريقاً أفضل لاقتصاد إقليمى مزدهر ومتنوع.