مع هبوب رياح التغيير فى قطاع البترول، بدأت شركات البترول الغربية أخيرا فى إدراك حقيقة الانتقال الوشيك إلى اقتصاد منخفض الكربون، والآن تفعل الدول المنتجة للبترول فى «أوبك» الشىء نفسه، والمشاحنات داخل الكارتل ليست جديدة.
لكن أحدث انهيار فى المحادثات حول الجهود المبذولة للاتفاق على زيادة الإنتاج يبدو مختلفا بعض الشيء، ويشكل الشقاق بين السعودية والإمارات خطراً، على الأقل، مثل أن تغادر الأخيرة المجموعة، كما أنه يثير تساؤلات حول قدرة الكارتل على الانضباط وتحقيق الاستقرار فى أسواق البترول مع اكتساب تحول الطاقة زخما.
وتأتى أحدث المواجهات فى «أوبك» بعد 15 شهرا فقط من آخر صدام عندما شنت السعودية وشريكتها فى «أوبك +»، روسيا، حرب أسعار متهور ة لفترة وجيزة أثناء انتشار الوباء عالميا.
ومع تصاعد فيروس «كورونا» على مستوى العالم، شنت السعودية وشريكتها فى «أوبك +» روسيا لفترة وجيزة حرب أسعار متهورة، لكنهم قاموا بتصحيح الأمور ووقعت منظمة «أوبك +» على تخفيضات غير مسبوقة قدرها 10 ملايين برميل يوميا لدعم أسعار البترول التى انخفضت لأدنى مستوياتها التاريخية بسبب انهيار الطلب، ثم تم إطلاق المزيد من البراميل ببطء فى السوق.
واقترحت الرياض وموسكو زيادات شهرية فى الإنتاج من أغسطس إلى ديسمبر، لتضييق الفجوة المتبقية، وسعوا أيضا إلى تمديد اتفاق «أوبك +» حول الإمدادات إلى ما بعد انتهاء صلاحيته المخطط لها فى أبريل المقبل وبقية عام 2022، لكن الضغوط آخذة فى الظهور بشأن كيفية الاستجابة لآليات السوق المستقبلية، وتحت ضغط من النشطاء والمساهمين، تكبح شركات البترول الغربية الكبرى الإنتاج الجديد لتقليل الانبعاثات.
وبما أنه لم يتم فعل الكثير للحد من استهلاك البترول العالمى، فمن المقرر أن يستمر الطلب فى الارتفاع لبعض السنوات، ما يفتح فرصا لشركات البترول الوطنية لسد فجوة العرض، قبل أن يبدأ الطلب فى الانخفاض، ومع اقتراب ذروة الطلب، يفضل بعض أعضاء «أوبك» زيادة عائدات البترول للحد الأقصى بدلا من تركهم الموارد فى الأرض والمخاطرة بأن تصبح أصولًا عالقة.
وكسرت الإمارات الصفوف، وعارضت أى تمديد لا يشمل إعادة تقييم مخصصات الإنتاج الخاص بها، وتقول إن حصتها التى حددتها العام الماضى لم تأخذ فى الحسبان قدراتها الإنتاجية القصوى، لذلك اضطرت إلى خفض الإمدادات بنسبة أكبر من غيرها.
واستثمرت الإمارات مليارات الدولارات فى زيادة طاقتها الإنتاجية إلى ما يقرب من 4 ملايين برميل فى اليوم الآن، و5 ملايين برميل فى اليوم المخطط لها فى المستقبل، وترى أبو ظبى أن تعظيم الإنتاج على المدى القريب أمر حيوى لتأمين مستقبل ما بعد البترول ولتمويل تكاليف المصافى ومصانع البتروكيماويات التى ستضيف قيمة أكبر لاستخراج الخام وتمويل التنويع بعيدا عن البترول.
وبعض أعضاء «أوبك» الآخرين، مثل العراق، سيكونون سعداء أيضا بفتح الصنابير الآن، وقد تكون اختلافات وجهات النظر أقل وضوحا مما تبدو عليه إذ تفضل السعودية زيادات الإنتاج المضبوطة لضمان عدم ارتفاع الأسعار مع تعافى الاقتصاد العالمى وإخافة البلدان المستهلكة للتحول بشكل أسرع إلى مصادر الطاقة المتجددة، لكنها تريد أسعارًا مرتفعة بما يكفى لملء خزائن الحكومة وتشجيع الاستثمار فى تلبية الطلب قبل الذروة، خوفًا من حدوث ضغوط.
وتزيد السعودية سعتها القصوى من 12 مليونا إلى 13 مليون برميل، وتتجاوز خلافاتها مع أبو ظبى مجرد إنتاج البترول، لكن السماح برفع الإنتاج الإماراتى قد يؤدى إلى تفكك الصفقة برمتها لأن روسيا والعراق والدول الأخرى التى تطمح إلى زيادة الإنتاج ستطلب نفس الشئ، وبعد تعثرها فى البداية، استجابت «أوبك +» بشكل فعال لأزمة العام الماضى والتى على الرغم من عمقها كما أشار سبنسر ديل كبير الاقتصاديين فى شركة بريتش بتروليوم الأسبوع الماضى تبين أنها نوع من صدمة الطلب قصيرة الأجل التى تعد «أوبك» هى الأنسب للتعامل معها.
وسيمنح الانخفاض المستمر فى الطلب مع استمرار التحول إلى صافى الصفر، بعض أعضاء «أوبك» حافزا أكبر لزيادة حصتهم بدلا من تحقيق الاستقرار فى السوق، وهذا هو التحدى الذى قد تجده الكارتل أكثر صعوبة فى التعامل معه.
افتتاحية صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية