فى نهاية المطاف، ليست العلاقة الجيوسياسية غير المريحة هى التى ستؤدى إلى انفصال الدولتين وإنما التصورات المتباينة حول تحول الطاقة
أظهر الخلاف الأخير حقيقة أن الإمارات تفضل المخاطرة بانهيار تحالف «أوبك +» بدلاً من ربطها بحصة لا تعكس قدرتها الإنتاجية المتزايدة
بقلم: ميجان إل أوسوليفان، كاتبة مقالات رأى وأستاذة الشئون الدولية فى كلية كينيدى بجامعة هارفارد
انتهى الخلاف بين السعودية والإمارات، والذى كان قد جعل أسواق النفط رهينة، الأسبوع الماضى، مع الإعلان عن زيادة الحصة الإماراتية التى يتم من خلالها حساب تخفيضات الإنتاج.
وهكذا انتهت أحدث دراما داخل صفوف «أوبك +».
لكن الستار لن يُسدل قبل أن تعطينا نظرة عامة على الكيفية التى من المحتمل أن ينهار بها هذا التحالف فى نهاية المطاف، ولن يكون الدافع هو التوتر التاريخى والسياسى بين القوتين الخليجيتين، ولكن وجهات نظرهما المتعارضة بشأن التحول العالمى القادم عن الوقود الأحفورى والطريقة التى يمكن بها حماية مصالحهما بشكل أفضل أثناء فترة انتقال الطاقة.
ويعد الخلاف السعودى الإماراتى جزءاً من نمط طويل من الخلافات.
ورغم أن البلدين مترابطان فى نواحٍ كثيرة، فإنَّ العلاقة كانت مليئة بالنزاعات منذ البداية، وشابت النزاعات الإقليمية السنوات الأولى من استقلال الإمارات بعد عام 1971، وظلت المعاهدة التى يُزعم أنها تحل القضايا محل خلاف لعقود.
لكن فى نهاية المطاف، ليست العلاقة الجيوسياسية غير المريحة هى التى ستؤدى إلى انفصال الدولتين وإنما التصورات المتباينة حول تحول الطاقة.
ولدى الإمارات استراتيجية واضحة: فهى تسعى لجذب الاستثمار وتصبح رائدة عالمية فى مجال الطاقة المتجددة وصناعة البتروكيماويات، ونوّعت الدولة بالفعل اقتصادها، ويأتى ما يقرب من ثلث الإيرادات الحكومية فقط من البترول والغاز، فى حين أن عائدات الهيدروكربونات تمثل ما لا يقل عن ثلثى الإيرادات الحكومية فى دول مجلس التعاون الخليجى الأخرى، وعلاوة على ذلك، أصبحت الإمارات وجهة مهمة للاستثمارات الأجنبية المتعلقة بالطاقة الخضراء.
فى مجال البترول والغاز، تركز الإمارات على زيادة طاقتها الإنتاجية وتأمين الأسواق فى الاقتصادات الناشئة – وهى الأماكن الوحيدة التى سيستمر فيها الطلب على الخام فى النمو فى السنوات المقبلة، كما أنها تحرز تقدماً جيداً نحو هدفها المتمثل فى أن تكون قادرة على إنتاج 5 ملايين برميل من البترول يومياً بحلول عام 2030، بارتفاع من 3.5 مليون فى عام 2018، ويعد الهدف من هذه الزيادة الكبيرة فى الإنتاج، فى وقت يكتسب فيه التحول العالمى عن الوقود الأحفورى زخماً مزدوجاً.
أولاً، على المديين القصير والمتوسط، تريد الإمارات أن تكون فى وضع يمكنها من الاستفادة من مواردها البترولية واستثمارها قدر الإمكان خلال فترة الانتقال. ثانياً، على المدى الطويل، تسعى الدولة إلى ضمان أنها واحدة من منتجى البترول القلائل الذين لا يزال العالم يعتمد عليهم، حتى عندما تتم تلبية معظم احتياجات الطاقة فى العالم من خلال مصادر طاقة أخرى.
وأصبحت الرياض تتبنى نهجاً مشابهاً، وإن كان بشكل أبطأ نوعا ما، وأكثر الأمور التى تختلف عليها الدولتان هو الجدول الزمنى، وأوضح الكر والفر فى معركة حصص الإنتاج مؤخراً أن الإمارات فى وضع أفضل للتعامل مع الانتقال المبكر للطاقة، وما أظهره الخلاف الأخير لم يكن فقط التوتر بين العاصمتين، ولكن أيضاً حقيقة أن الإمارات تفضل المخاطرة بانهيار تحالف «أوبك +» بدلاً من ربطها بحصة لا تعكس قدرتها الإنتاجية المتزايدة.
من الواضح أن الإمارات تشعر بأنها مستعدة للمنافسة على حصتها فى السوق بأسعار نفط منخفضة إذا لزم الأمر، بدلا من تقييد الإنتاج لدعم الأسعار، وأدت حصة الإنتاج المعدلة للإمارات إلى تغيير الحسابات الإماراتية لصالح الاستمرار فى الالتزام باستراتيجية أوبك +، على الأقل فى الوقت الحالى.
فى المقابل، تحرص السعودية على إبقاء اتفاقية أوبك + حية، وقبل أن تتمكن من خوض معركة للحصول على حصتها فى السوق بأسعار منخفضة للغاية، فإنها تحتاج إلى مزيد من الوقت لتنويع اقتصادها وجذب المزيد من الاستثمار الأجنبى إلى قطاعات أخرى قبل أن تشعر بالراحة فى الابتعاد عن دورها الحالى فى أوبك والمتمثل فى إدارة الأسواق.
يؤخر النمو القوى الحالى فى الطلب على البترول – من الاقتصاد العالمى الخارج من أزمة كوفيد 19 – اليوم الذى ستقرر فيه الإمارات أن الاستراتيجية طويلة الأمد لتقييد الإنتاج ودعم الأسعار قد عفا عليها الزمن، ولكن عندما يحين الوقت، ستتحرك الإمارات بذكاء لزيادة الإنتاج والتركيز على حصتها فى السوق على حساب الربحية، ويبدو التحرك فى هذا الاتجاه الآن غير حكيم، ومن شأنه أن يعجل انشقاق الآخرين عن نهج أوبك +، ومع وجود أكثر من 5 ملايين برميل من الإنتاج الاحتياطى فى النظام، فإنَّ السعر سينتقل بسرعة إلى حالة الركود.
لكن سيأتى اليوم الذى يتصدع فيه تحالف أوبك +، رغم أنه من المرجح ارتفاع أسعار البترول قبل ذلك، وفى حال دخول إيران إلى السوق بسرعة أكبر مما يتوقعه معظم الناس، أو فى حال ظهور إشارات تدل على أن نمو الطلب يتباطأ أو يتوقف بشكل كبير، سيحدد منتج واحد أو أكثر أن مصالحها تخدم بشكل أفضل من خلال الاستحواذ على أكبر قطعة ممكنة من السوق المتقلصة، وتشير أحداث الأسابيع الماضية إلى أن الإمارات – وليس روسيا، التى لديها طاقة إنتاجية زائدة قليلة على أى حال – هى مرشح جيد لقيادة عملية الخروج من التحالف.
بغض النظر عن الدولة التى ستنشق أولاً عن تحالف «أوبك +» الحالى، فإنَّ الانهيار المحتمل فى أسعار البترول سيحبط جهود الابتعاد عنه.
إعداد: رحمة عبدالعزيز.
المصدر: وكالة أنباء «بلومبرج».