«متغير دلتا» إحدى أكبر المخاطر التى يتعرض لها الاقتصاد الأمريكى
كان من المحتم أن يتباطأ النمو الاقتصادى العالمى من الوتيرة السريعة التى تم تحديدها مع تعافى الاقتصادات من الوباء.
لكن فى الآونة الأخيرة، بدأ القلق ينتاب المستثمرين بشأن أمر أسوأ، وهو أن الاقتصاد الأمريكى، الذى قاد انتعاش العالم الغنى، يمكن أن يتباطأ بشكل حاد.
فبالإضافة إلى اختناقات العرض وسحب الحوافز الاقتصادية، تواجه البلاد الآن، مثل العديد من الدول الأخرى، «متغير دلتا» شديد العدوى.
ولا يزال من غير المحتمل حدوث تباطؤ مؤلم، لكن الانتشار المتجدد للفيروس هو أكبر هذه الأخطار الثلاثة.
لمعرفة كيف يمكن أن تتطور أحدث موجات فيروس كورونا فى العالم الغنى، ضع فى اعتبارك أنه فى 20 يوليو، أبلغت أمريكا عن متوسط متحرك لمدة 7 أيام يبلغ 112 حالة جديدة لكل مليون شخص.
هذا هو الوضع الذى كانت عليه بريطانيا تقريباً فى منتصف يونيو قبل الدخول فى متغير دلتا، فى ظل ارتفاع معدل التطعيم وفرض المزيد من القيود وتفشى العدوى السابقة الأكثر فتكاً.
والآن، يوجد فى بريطانيا ما يصل إلى 699 حالة لكل مليون، وهو خامس أعلى معدل فى العالم.
إذا كان كل شىء آخر متعادلاً، فإن متغير دلتا ينتشر مرتين أو ثلاث مرات أسرع من سلالة الفيروس الأصلية، حسبما ذكرت مجلة «ذى إيكونوميست» البريطانية.
لحسن الحظ، تمنع اللقاحات تقريباً جميع حالات المرض الشديدة وقد تحسنت العلاجات، ما ينقذ المزيد من أرواح المصابين.
هذا هو السبب فى أن إنجلترا رفعت معظم القيود الوبائية فى 19 يوليو، لكن اللقاحات لا تزال تسمح بالعديد من الإصابات المصحوبة بأعراض طويلة المدى، فنسبة بين 12% و21% منها ناتج عن تطعيمات «فايزر» التى استخدمتها الولايات المتحدة أكثر من غيرها.
يعتبر متغير دلتا معدياً لدرجة أن الدول ستكافح من أجل التلقيح فى ظل سلكها طريقاً إلى عتبة مناعة القطيع التى توقف انتشار المرض، حتى بعد الحملات الناجحة.
وبالنظر إلى أن 44% من الأمريكيين من جميع الأعمار لم يتلقوا جرعة واحدة، فمن المرجح أن ترتفع الحالات فى الولايات المتحدة، فعلى سبيل المثال ولايات مثل ميسيسيبى ولويزيانا، حيث ثلاثة تقريباً من كل خمسة أشخاص غير محصنين تماماً، معرضة لخطر تفشى الوباء بشكل مفاجئ وبشدة.
وستعتمد العواقب الاقتصادية لذلك على كيفية تفاعل صناع السياسات والمستهلكين.
حتى الآن أعادت لوس أنجلوس قيود ارتداء الأقنعة الخاصة بها، كما تقول نيو أورلينز، إنها تدرس فرض قيود جديدة. وحتى لو سمحت اللقاحات لصناع السياسات بتجنب العودة إلى الإجراءات الصارمة، فقد يكون المستهلكون قلقين للغاية من زيارة الحانات والمطاعم.
كما انخفضت مقاييس التنقل فى بريطانيا بشكل طفيف منذ يونيو، لكن التجربة لا تزال جديدة، والنمو الهائل يدل على أن الأشياء يمكن أن تتغير بسرعة.
وأشارت «ذى إيكونوميست» إلى أن الخطر الناتج عن متغير دلتا يعتبر أكثر إثارة للقلق من الأمور الأخرى التى تواجه تعافى الاقتصاد الأمريكى. مع ذلك، كلما ظل الاقتصاد مفتوحاً، أمكن تخطى أى عقبات يمكن أن تواجهه، مثل المساعى لمطابقة المعروض للطلب الصادر وإزالة التحفيزات الاقتصادية. أدى النقص، خاصة فى الرقائق الدقيقة والمساحة المتاحة على سفن الحاويات، إلى ارتفاع مستوى مؤشر تضخم أسعار المستهلك إلى 5.4%، كما انخفضت الأجور الحقيقية خلال العام الماضى؛ حيث أدى ارتفاع الأسعار إلى تراجع القوة الشرائية لدى العمال، وظهرت دلائل على أن التضخم بدأ يزعج المستهلكين.
لكن خلال فترة انتشار الوباء، استطاعت الأسر جمع ما يصل إلى 2.5 تريليون دولار من المدخرات الإضافية، أى ما يعادل 12% من الناتج المحلى الإجمالى فى عام 2019.
وفى يونيو، قال عدد قياسى من الأمريكيين لمؤسسة «غالوب»، وهى إحدى جهات استطلاعات الرأى، إنهم يحققون ازدهاراً من الناحية المالية. كما أنه قد يكون من الصعب عليك إيجاد سيارة سعرها مناسب، لكن طالما أن الأمريكيين يغامرون بالخروج من منازلهم، يمكن لقطاع الخدمات أن يدعم الاقتصاد.
وربما يساعد سحب بعض أشكال التحفيز فى دعم الاقتصاد أيضاً. كما أن الصناعات الخدمية تفتقر إلى العمال، وبالتالى قد يؤدى انتهاء إعانات البطالة المعززة، التى ستصبح خطوة عالمية فى نهاية سبتمبر، إلى إعادة بعض العمالة إلى سوق العمل.
فى الوقت نفسه، تشكل سياسة حافة الهاوية الأخرى، مثل إلغاء الوقف الاختيارى لعمليات الإخلاء القسرى فى نهاية يوليو، مصدراً لعدم اليقين، لكن الألم سيتركز على الأرجح هناك أكثر من انتشاره؛ لأن سوق الإسكان مزدهر والوظائف الشاغرة وفيرة.
وحتى يستمر الانتعاش الاقتصادى، يجب أن يكون الناس على استعداد للاختلاط مع الآخرين، لكن متغير دلتا يُعرض هذا الأمر للخطر فى الولايات المتحدة وفى جميع أنحاء العالم.