جهود الدولة تتركز على إطلاق الأقمار الصناعية و«لا» دور للقطاع الخاص
فى 20 يوليو، غادر جيف بيزوس، مؤسس عملاق تجارة التجزئة الأمريكى «أمازون» وأغنى شخص فى العالم، كوكب الأرض لفترة وجيزة، واتجه إلى الفضاء على مركبة «بلو أوريجين»، وهى كبسولة فضائية مدعومة من قبل ثروته.
وقبل ذلك ببضعة أيام، انطلق زميله الملياردير ريتشارد برانسون إلى الفضاء بمركبته الخاصة «فيرجين غالاكتيك». وفى الوقت نفسه، فإن شركة «سبيس إكس»، التى أنشأها الملياردير إيلون ماسك، عقدت بالفعل شراكة مع الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء الأمريكية (ناسا) لإرسال رواد فضاء إلى محطة الفضاء الدولية.
ولا يتعين علينا، أيضاً، نسيان الملياردير الصينى لى شوفو الذى أعلنت بداية هذا العام، أنَّ مجموعته «تشجيانغ جيلى» القابضة حصلت على ترخيص من الحكومة الصينية لإنتاج ما يصل إلى 500 قمر صناعى سنوياً، رغم أنه لا يخطط للذهاب إلى الفضاء بنفسه.
وكانت أولوية الزعيم الصينى شى جين بينغ الكبرى هى استكشاف الفضاء بهدف تجاوز الولايات المتحدة بحلول عام 2045، وفقاً لمجلة «نيكاى آسيان ريفيو» اليابانية.
ومن هذا المنطلق، أطلقت الصين فى يونيو رواد فضاء إلى الفضاء للمرة الأولى منذ عام 2016، كما أنها تبنى محطة فضائية ستعرف باسم «يانجونج» أو «هيفينلى بالاس».
وعند إجراء مقارنة مع الطموحات الخارجية للولايات المتحدة والصين، وكذلك المليارديرات مثل بيزوس وبرانسون وماسك، لا يبدو أن الحكومة الهندية ولا المليارديرات فى الهند لديهم طموحات مماثلة.
وفى يونيو 2020، أنشأت الحكومة الهندية منظمة جديدة تُعرف باسم المركز الوطنى الهندى للترويج والترخيص للفضاء، وهى منظمة تهدف إلى زيادة مشاركة القطاع الخاص فى قطاع الفضاء الهندي، الذى يسيطر عليه حالياً كيان حكومى وهو منظمة أبحاث الفضاء الهندية.
فى حين أن منظمة أبحاث الفضاء الهندية أطلقت بنجاح أقماراً صناعية فى الفضاء ولديها مركبة مدارية تدور حول المريخ منذ عام 2014، بجانب مخطط إطلاق آخر، فإن استكشاف الهند للفضاء حتى الآن لا يتضمن أى مشاريع مخططة إلى الفضاء من قبل أباطرة القطاع الخاص.
ربما يكون هذا مفاجئاً، بالنظر إلى أن ثروة أغنى رجال الصناعة فى الهند، مثل موكيش أمبانى وجوتام أدانى، قد ارتفعت بشكل كبير فى الأعوام الأخيرة، حتى أثناء تفشى الوباء.
فى الواقع، أوضحت قائمة أثرياء هورون العالمية لعام 2021 أن الهند استطاعت خلق 55 مليارديراً جديداً فى عام 2020، رغم أن اقتصاد البلاد انهار بسبب تفشى «كوفيد- 19» والإغلاق الناتج عنه.
ومن المؤكد أن أمبانى أو أدانى بإمكانهما غزو الفضاء إذا اختارا ذلك.. لكن يبدو أن مليارديرات الهند راضون عن عروض الثروة التقليدية، مثل إقامة حفلات الزفاف والحفلات الفخمة لأيام عديدة وشراء السيارات واليخوت والممتلكات باهظة الثمن فى جميع أنحاء العالم.
ومع ذلك، لم يُظهر أى من هؤلاء المليارديرات أى طموح أو خيال مماثل لنظرائهم فى الغرب حتى الآن.
هناك سؤال مهم يدور حول الأسباب التى تقود أباطرة المال فى الهند لتجنب المجازفة واختيار التباهى بثرواتهم بطرق غير متخيلة إلى حد ما.
وربما تدور إحدى الإجابات أن العديد من المليارديرات الهنود اليوم، مثل أمبانى، أثرياء بسبب الثروة الموروثة.
تماماً مثل أحفاد البارونات اللصوص فى الولايات المتحدة فى القرن التاسع عشر، فإن الأموال التى أبعدت عدة أجيال عن منبعها تميل إلى أن تصبح ذات شأن أعلى وحسنة التصرف.
أما أولئك الذين لم يبدعوا بأنفسهم، مثل مجموعة المليارديرات العاملين فى التكنولوجيات المتقدمة، فقد جنوا أموالهم مؤخراً وربما لم تتح لهم الفرصة بعد لتحقيق تطلعاتهم.
لكن من المحتمل أن يكون هناك سبب أعمق، فقد نشأ أباطرة المغامرات مثل بيزوس وبرانسون وماسك فى منطقة أنجلو أمريكا، حيث يتم الاعتزاز بريادة الأعمال والأسواق الحرة مثل أى مكان آخر ويتم إطلاق العنان للخيال.
وعلى النقيض من ذلك، يعانى رواد الأعمال فى الهند سلسلة من اللوائح والضرائب المرتفعة والحكومة المتقلبة التى يمكنها تغيير قواعد اللعبة فى أى لحظة.
فى مثل هذه الحالة، من المرجح أن يبقى رجال الأعمال رؤوسهم منخفضة ويكسبوا أكبر قدر ممكن من المال دون إثارة غضب المنظمين والسياسيين.
وبالمثل، تعلم رواد الأعمال الناجحون فى الصين بطريقة صعبة أحياناً، فحتى المليارات الخاصة بهم لا تستطيع حمايتهم إذا وقعوا فى مواجهة مع الحكومة.
وكان يُنظر على نطاق واسع إلى الإلغاء المفاجئ للطرح العام الأولى لمجموعة «آنت جروب» فى نوفمبر 2020 على أنه عقاب لمؤسسها جاك ما، الذى كان صريحاً فى انتقاده للوائح المصرفية الصينية.
وفى مثل هذا المناخ، لا غرابة إذن فى استثمار أمثال الملياردير الصينى لى شوفو فى تكنولوجيا الفضاء لكنهم لا يتجهون بأنفسهم إلى الفضاء ويظهرون فى شاشات التلفزيون.
إذا كانت الصين أو الهند تطمح فى أى وقت للإطاحة بالولايات المتحدة باعتبارها بؤرة لريادة الأعمال الحرة والمخاطرة فى العالم حيث يمكن لأصحاب المليارات أن يحلموا بشكل كبير دون مواجهة الحكومة، فسيتعين عليهم إتاحة الحرية الكاملة لخيال جميع مواطنيهم، وعندها فقط ستتاح لتطلعاتهم فرصة للتحليق.