تزدهر أسعار المنازل فى كل اقتصاد رئيسى تقريباً فى أعقاب جائحة فيروس كورونا، ما أدى إلى أوسع انتعاش منذ أكثر من عقدين وإحياء مخاوف خبراء الاقتصاد بشأن التهديدات المحتملة للاستقرار المالى.
ومن بين 40 دولة تغطيها بيانات منظمة التعاون والتنمية فى الميدان الاقتصادى، سجلت ثلاث دول فقط انخفاضاً فى أسعار المنازل بالقيمة الحقيقية فى الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجارى، وهى أصغر نسبة منذ بدء سلسلة البيانات فى عام 2000، وفقاً لتحليل أجرته صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية.
قال محللون إن أسعار الفائدة المنخفضة تاريخياً والمدخرات المتراكمة أثناء عمليات الإغلاق والرغبة فى الحصول على مساحة أكبر حيث يغذى عمل الناس من المنزل هذا الاتجاه.
قال كلاوديو بوريو، رئيس القسم النقدى والاقتصادى فى بنك التسويات الدولية، إنَّ نمو أسعار المنازل يمكن أن يكون «أمراً جيداً بالنسبة للاقتصاد على المدى القصير، لأن الأشخاص الذين يمتلكون منازل بالفعل يشعرون بأنهم أكثر ثراءً ويمكنهم إنفاق المزيد بسبب تقييم أصولهم».
ومع ذلك، إذا استمر هذا الاتجاه، فقد تتحول إلى طفرة غير مستدامة يمكن أن تدفع النشاط فى النهاية «إلى الاتجاه المعاكس»، خاصة عندما يكون مصحوباً بتوسع ائتمانى قوى، كما حذر بوريو.
بلغ النمو السنوى لأسعار المنازل عبر مجموعة الدول الغنية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادى والتنمية نسبة 9.4%- وهى أسرع وتيرة لها منذ 30 عاماً- فى الربع الأول من عام 2021؛ حيث انتعشت الاقتصادات من فترات الركود الشديدة التى حدثت العام الماضى بسبب كورونا.
وأشار دنيز إيجان، من صندوق النقد الدولى، إلى أن «النمو القوى لأسعار المنازل خلال العام الماضى حدث معظم أنحاء نصف الكرة الشمالى».
تشير البيانات الوطنية إلى أن الاتجاه واسع النطاق استمر فى الربع الثانى، فقد ارتفعت أسعار المنازل فى الولايات المتحدة بأسرع وتيرة سنوية لها منذ ما يقرب من 30 عاماً فى شهر أبريل.
كذلك، استمر النمو القوى فى المملكة المتحدة وكوريا الجنوبية ونيوزيلندا وكندا وتركيا، فضلاًً عن العديد من الدول الأخرى.
لماذا ترتفع الأسعار؟
قال بوريو، من بنك التسويات الدولية، إن «التكيف الشديد مع الظروف المالية» مع أسعار فائدة منخفضة بشكل قياسى ساعد فى رفع أسعار المنازل بوتيرة سريعة غير معتادة خلال فترة ضعف النشاط الاقتصادى.
كما أن تكاليف الاقتراض المنخفضة تجعل شراء المنازل ميسورة التكلفة مقارنة بالإيجارات والاستثمارات الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، جمعت العديد من الأسر، خاصة تلك التى كانت أفضل حالاً بالفعل، مدخرات كبيرة منذ بداية تفشى الوباء، حيث أدت عمليات الإغلاق إلى الحد من الإنفاق، فضلاً عن أن بعض الوظائف خضعت للحماية من قبل الحكومات.
فى الوقت نفسه، قرر عدد أكبر من الناس الانتقال إلى عقارات أكبر فى أماكن أكثر هدوءاً فى الغالب، وذلك بعد قضاء ساعات طويلة فى المنزل أثناء الإغلاق. واحتشد الأفراد فى أسواق العقارات التى كانت مشغولة بالفعل بالطلب المكبوت من الأسر التى أجلت الانتقال.
ويقول ماتياس بليسنر، الاقتصادى فى وكالة التصنيف الائتمانى «سكوب ريتينجز»، إنَّ الوضع تضخم بسبب نقص المعروض وزيادة أسعار المبانى.
هل هى فقاعة؟
ينمو متوسط أسعار المساكن فى دول منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية بشكل أسرع من الدخل، ما يجعل تكلفة الإسكان أقل تكلفة، كما أن وتيرة النمو هذا أسرع من الإيجارات.
قال آدم سلاتر، كبير الاقتصاديين فى «أكسفورد إيكونوميكس»، إنَّ العقارات فى الاقتصادات المتقدمة مبالغ فى قيمتها بنحو 10% مقارنة بالاتجاهات طويلة الأجل، ما يجعل هذه الطفرة واحدة من أكبر الازدهار منذ عام 1900.
ومع ذلك، أشار أيضاً إلى أن بعض العوامل التى دفعت الأسعار إلى الارتفاع كانت مؤقتة، مثل الحوافز الضريبية الحكومية والاضطرابات الاقتصادية المرتبطة بالوباء، بما فى ذلك تعطيل سلاسل الإمداد العالمية؛ بسبب التأخير فى الموانئ.