بعض المستثمرين المحليين يشعرون بالقلق من المبالغة فى الإثارة
أصبحت الضجة حول التكنولوجيا المالية فى «لاغوس»، العاصمة التجارية لنيجيريا، صاخبة للغاية لدرجة أنَّ الأشخاص الذين يفتقرون إلى إمكانية الوصول إلى شبكات الإنترنت لا يمكنهم تفويت الأمر.
كانت اللوحات الإعلانية الوامضة التى تعلن عن المصرف الرقمى «كيدا» (Kuda) تلوح فى الأفق فوق الاختناقات المرورية، وتزين اللافتات الخاصة بشركة المدفوعات عبر الهاتف المحمول «باجا» (Paga) آلاف زوايا المحلات التجارية.
وكان الاستثمار يتدفق أيضاً. فقد جمعت شركة المدفوعات الرقمية «فليتترويف» (Flutterwave) فى مارس ما يصل إلى 170 مليون دولار، ما يجعلها أحدث شركة يونيكورن فى أفريقيا.
جدير بالذكر، أن شركة اليونيكورن تُعرف بأنها شركة ناشئة تقدر قيمتها بأكثر من مليار دولار.
واستحوذت شركة «إنترسويتش» (Interswitch)، وهى شركة لمعالجة المدفوعات، على قرنها فى عام 2019 عندما باعت حصة قدرها 20% لصالح شركة بطاقات الائتمان «فيزا» (Visa).
وفى أكتوبر، استحوذت شركة «ستريب» (Stripe)، شركة التكنولوجيا المالية الخاصة الأكثر قيمة فى الغرب، على «باى ستاك» (Paystack)، وهى شركة مدفوعات رقمية نيجيرية، مقابل 200 مليون دولار.وبينما النجاحات الثلاثة الكبيرة تمكن من الدفع عبر الإنترنت، فإن مجموعة من أحدث التقنيات المالية تقدم منتجات مباشرة إلى المستهلكين.
فعلى سبيل المثال، جمعت «فير مونى» (FairMoney)، التى تقدم قروضاً فورية، مؤخراً 42 مليون دولار فى جولة بقيادة صندوق التحوط فى نيويورك «تايجر جلوبال مانجمنت» (Tiger Global Management).
وكذلك «بيجى فيست» (PiggyVest) يساعد الناس على الادخار، وشركة «بامبوو» (Bamboo) تتيح للنيجيريين الاستثمار فى الخارج، رغم ندرة الدولارات فى البلاد.
ويجب أن يكون الناس «متحمسين للغاية» بشأن التكنولوجيا المالية فى أفريقيا، حسبما قال مختار ديوب، رئيس مؤسسة التمويل الدولية، ذراع القطاع الخاص للبنك الدولى، التى ضخت 200 مليون دولار فى هذا القطاع.
وأفادت مجلة «ذى إيكونوميست» البريطانية بأن الإمكانات طويلة المدى هائلة، فمن المتوقع أن تتجاوز الكثافة السكانية لنيجيريا، البالغة الآن 200 مليون نسمة، نظيرتها فى الولايات المتحدة بحلول عام 2050، وبالتالى إمكانية تعزز التكنولوجيا المالية.
ومع ذلك، يشعر بعض المستثمرين النيجيريين بالقلق من المبالغة فى الإثارة، بالنظر إلى المنظمين غير المتوقعين فى البلاد والاضطراب الاقتصادى.
وذكرت المجلة أن تشغيل التكنولوجيا المالية فى نيجيريا يعد أمراً صعباً، فالكهرباء والإنترنت لا يمكن الاعتماد عليهما، وكذلك المنظمون يحظرون ببساطة الأشياء التى لا يفهمونها وبعض المؤسسين يشكون من هذا الأمر.
وفى أبريل، أبلغت الهيئة التنظيمية عبر موقع التغريدات القصيرة «تويتر» فجأة التطبيقات التى تساعد النيجيريين على الاستثمار فى الأسهم المدرجة فى الخارج بأنهم يخالفون القواعد، ثم حظرت الحكومة لاحقاً تويتر أيضاً.
وفى وقت سابق من العام، أثار البنك المركزى النيجيرى حالة إحباط لدى شركات التكنولوجيا المالية من خلال حظر التعامل فى العملات المشفرة، التى زادت شعبيتها مع خسارة النيرة النيجيرية لقيمتها. الخوف من البنك المركزى النيجيرى هو بداية الحكمة، على حد قول إيجوسا أومويجى من «إكوفيسي» (Echovc)، وهو صندوق لرأس المال الاستثمارى.
ربما يكون التحدى الأكبر الذى تواجهه شركات التكنولوجيا المالية هو الحالة القاتمة للاقتصاد. ففى ظل وجود أكثر من 40% من النيجيريين يعيشون على أقل من 1.90 دولار يومياً، والتضخم البالغ 18%، والنمو السكانى الذى يفوق نمو الناتج المحلى الإجمالي، فإن السوق الحقيقى للعديد من شركات التكنولوجيا المالية هو أصغر بكثير.
يحد انخفاض الدخل للفرد من الطرق التى يمكن أن تنمو بها شركات التكنولوجيا المالية، ومع ذلك لا يزال بإمكان شركات المدفوعات إقناع المزيد من الأشخاص بتحويل المعاملات النقدية الحالية إلى معاملات رقمية.
وقد تكسب شركات التكنولوجيا المالية الأخرى، التى تستهدف المجموعة الأصغر من النيجيريين الذين لديهم مدخرات للاستثمار، أعمالاً لبعض الوقت عن طريق الصيد غير المشروع للعملاء الساخطين من البنوك.
وإذا أرادت هذه الشركات الحفاظ على الأرباح، فإنها تحتاج إلى العملاء الحاليين لإجراء المزيد من المعاملات، لكن قد يكون هذا الأمر أصعب إذا كان الناس يزدادون فقراً.
تحاول شركات التكنولوجيا المالية الذكية الهروب من المأزق من خلال النظر إلى ما وراء نيجيريا. تعليقاً على هذا الأمر، يقول نيكول يمبرا، من شركة «شريساليس كابيتال» (Chrysalis Capital)، وهى مستثمر تقنى مقره لاغوس: «الهدف هو التنويع فى أسرع وقت ممكن».
جدير بالذكر أن العديد من المؤسسين يحبون لاغوس لقوتها العاملة النشيطة لكنهم يرونها أيضاً بوابة إلى أفريقيا، كما أن التنويع يساعد فى تجنب المخاطر التنظيمية أيضاً.
فعلى سبيل المثال، تتوسع «بامبوو» (Bamboo) فى غانا وتخطط للتوجه إلى كينيا، كما تعمل «فليتترويف» (Flutterwave) فى أكثر من 15 دولة أفريقية.
تعد الخسائر جزءاً من أى نظام بيئى تقنى، وتتيح الوفرة على الأقل للعملاء الاستفادة من الابتكار المالى اليوم. لكن مايا هورغان فامودو، من شركة «إنجريسيف كابيتال» (Ingressive Capital)، قلقة من أنه نظراً إلى أن الكثير من تمويل شركات التكنولوجيا المالية النيجيرية يأتى من الخارج، فإن الخسائر قد تؤدى بالسوق إلى «التصحيح المفرط».
وإذا هرب رأس المال الأجنبى، فقد يؤدى ذلك إلى شل الشركات بنماذج الأعمال السليمة أيضاً.
ومع ذلك، لا يجب أن يكون الانسحاب من أفريقيا هو الخيار الوحيد إذا واجهت التكنولوجيا المالية مشكلة، فالعديد من قطاعات التكنولوجيا الأخرى فى القارة «لم تتم معالجتها تماماً»، لكن «الهوامش يمكن أن تكون أفضل بكثير»، وقد تكون خسارة أحد القطاعات مكسباً لقطاع آخر.