للوهلة الأولى، تبدو سياسة الرئيس الأمريكى (جو بايدن) تجاه الصين، وكأنها نسخة كربونية من سياسة سلفه دونالد ترامب.
فمنذ توليه منصبه فى يناير، أبقى «بايدن» رسوماً جمركية على واردات صينية بقيمة مئات المليارات من الدولارات، وفرض عقوبات جديدة على الشركات الصينية، وانتقد بكين؛ بسبب حملتها القمعية على هونج كونج واضطهادها للأويجور فى شينجيانغ.
لكن ثمة اختلافاً رئيسياً واحداً بين بايدن وترامب، وهو أن ترامب، الذى ادعى أن تغير المناخ كان «خدعة» صينية، لم ير أى مجال للتعاون مع الصين، فى حين أن بايدن سعى لخلق أرضية مشتركة مع نظيره الصينى شى جين بينغ بشأن تغير المناخ والقضايا العالمية الأخرى.
يذكر أن بايدن ليس الوحيد الذى يعتقد أن الولايات المتحدة والصين يمكنهما التنافس والتعاون، حسبما ذكرت مجلة «نيكاى آسيان ريفيو» اليابانية.
فخلال مؤتمر صحفى عُقد خلال المجلس الوطنى لنواب الشعب الصينى فى مارس، أعلن وزير الخارجية الصينى وانغ يى، أنَّ المنافسة بين القوتين ليست غريبة، وأن الجانب الأكثر أهمية فى العلاقات الصينية الأمريكية يجب أن يكون التعاون. وذكر «يي»، أن الوباء والتعافى الاقتصادى وتغير المناخ هى المجالات التى يمكن أن يعمل فيها البلدان معاً.
ومع ذلك، لم يُظهر أى من الجانبين حتى الآن أنه قادر على تحقيق مثل هذا التوازن الدقيق بين المنافسة والتعاون، فى ظل استمرار الخلاف بين البلدين حول حقوق الإنسان والتكنولوجيا وتايوان وبحر الصين الجنوبى وهونج كونج منذ تولى بايدن منصبه رئيساً للولايات المتحدة.
وكانت أعمال التعاون الوحيدة التى جمعت البلدين هى اجتماعاً قصيراً بين جون كيرى، مبعوث بايدن للمناخ، ونظيره الصينى فى منتصف أبريل، فضلاً عن حضور «شى» قمة المناخ الافتراضية التى استضافها بايدن فى نهاية أبريل.
ربما يكون من السابق لأوانه شطب التعاون بين الولايات المتحدة والصين بشأن المناخ والقضايا الحيوية الأخرى ذات الاهتمام المشترك، لكن التجربة المسجلة على مدى الستة أشهر الماضية تشير إلى أنه من غير المرجح أن ينجح البلدان فى إيجاد طريقة لتحقيق الاستقرار فى علاقتهما.
ومما لا شك فيه أن أى شكل من أشكال التعاون بين خصمين جغرافيين سياسيين سيكون صعباً، فهناك حاجة إلى حد أدنى من الثقة بين الولايات المتحدة والصين للعمل معاً على أى شىء، لكن للأسف ليس هناك مثل هذه الثقة فى الوقت الراهن. ترى بكين، أنَّ واشنطن مصممة على إحباط صعودها، فى حين تعتقد واشنطن أن بكين عازمة على إزاحة قيادتها العالمية والسعى للهيمنة على العالم، لكن عندما ينظر كل طرف إلى الآخر من خلال منظور الشر ومحصلته صفر، فلا يمكن أن يكون هناك ثقة.
ومع ذلك، قد يكون التعاون بين الخصوم المتنازعين ممكناً إذا كانت المناطق التى يتنافسون فيها أقل من المناطق التى يمكن أن يتعاونوا فيها.
وبعبارة أخرى، فإنَّ التوازن العام بين المنافسة والتعاون تأتى لصالح الأخير، لكن هذا ليس هو الوضع فيما يتعلق بالعلاقات الأمريكية الصينية اليوم.
وتشمل المنافسة بينهما جميع مجالات المصلحة الوطنية الحيوية تقريباً، مثل التفوق التكنولوجى والأمن والتجارة والنفوذ العالمى.
ورغم أن قائمة القضايا التى يتنافسان عليها لا حصر لها، فإنَّ واشنطن وبكين تواجهان صعوبة فى طرح أكثر من ثلاث أو أربع قضايا تريان مجالاً فيها للتعاون، وبالتالى لا عجب فى انحصار التعاون فى عرض جانبى فى ضوء هذا الخلل فى التوازن.
أصبح التعاون بين الولايات المتحدة والصين اليوم أكثر صعوبة؛ بسبب عدم تناسق القضايا المطروحة.
كما أن القضايا التى يتنافس عليها البلدان دائماً ما تكون ملحة وملموسة وحساسة من الناحية السياسية، بينما القضايا القابلة للتعاون، مثل تغير المناخ والوباء ومنع انتشار الأسلحة النووية، تكون أبعد وأقل واقعية وغير بارزة سياسياً، لكن يمكن أن يصبح تغير المناخ قضية أكثر إلحاحاً فى القريب العاجل.
وعلى الرغم من صعوبة تحقيق توازن قابل للتطبيق بين المنافسة والتعاون، يبدو أنه لا يوجد بديل «للمنافسة المشتركة».
ومن الواضح أنَّ العودة إلى المشاركة أمر مستحيل، لكن ظهور حرب باردة جديدة كاملة سيكون كارثياً، وبالتالى فإنَّ التحدى الذى يواجه بايدن وشى هو كيفية إنقاذ المنافسة المشتركة بعد بداية مشؤومة.
وتشير «نيكاى آسيان ريفيو» إلى أن النهج الأكثر تواضعاً قد يكون أكثر إنتاجية.
ونظراً إلى أن بناء الثقة من خلال خطوات تدريجية صغيرة يعتبر أكثر جدوى من محاولة معالجة المهام الكبيرة والأكثر صعوبة، فإنَّ الولايات المتحدة والصين بحاجة لإعطاء الأولوية للقضايا الأقل تعقيداً.
وتشمل الأمثلة على ذلك استعادة برامج التبادل الثقافى ورفع القيود المفروضة على الصحفيين والسماح بعودة أولئك الذين تم طردهم، وربما تساعد إعادة فتح القنصليتين الأمريكيتين المغلقتين فى هيوستن وتشنغدو فى كسر الجليد بين البلدين.
إذا كان القادة الأمريكيون والصينيون مستعدين للمخاطرة بقدر معتدل من رأس المال السياسى فى هذا النهج الجديد الآن، فإنهم قادرون بذلك على التعامل مع مهام أكثر صعوبة فى وقت لاحق، وخلاف ذلك، سوف ينزلقون على الطريق المؤدى إلى حرب باردة جديدة يجب على كليهما تجنبها.