مزيج من الغموض والشروط يترك الدول المدينة في مأزق
منذ فجر العلم ، كافح خبراء الاقتصاد لحل لغز ثراء بعض الدول بشكل أكثر من غيرها، ووجدوا أن أحد العوامل المساهمة في ذلك هو رأس المال.
إذا كان بلد ما غير قادر على تمويل البنية التحتية، فكيف له أن يأمل في تحقيق الازدهار من التجارة؟
وفي حالة المناطق الأكثر فقراً في أفريقيا وأماكن أخرى، غالباً ما تكون الإجابة هي طلب الدعم من الحكومات الأجنبية ومن بينها الصين.
وذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية أن مبادرة الحزام والطريق، بجانب القروض المقدمة من بنوك التنمية في بكين، تعني أن الصين انتزعت مركز الصدارة الذي لطالما شغلته الدول الغربية باعتبارها أكبر دائن للحكومات في القارة السمراء.
وتظهر الأبحاث التي أجراها ستيفاني جريفيث جونز، من جامعة كولومبيا، وماركو كاريراس، من جامعة ساسكس، أن الصين تمثل 13% من إجمالي الإقراض الثنائي لدول القارة منذ عام 2015، في حين أن الولايات المتحدة تعتبر ثاني أكبر دائن، إذ تستحوذ على 4% فقط.
وأعرب بعض خبراء الاقتصاد الغربيين عن مخاوفهم بشأن طبيعة ممارسات الإقراض الصينية، فحتى وقت قريب كانت الشروط- مثل شروط القروض الحكومية الثنائية بشكل عام- محاطة بالسرية، لكن التعاون البحثي الرائع بين معهد بيترسون للاقتصاد الدولي ومعهد كيل للاقتصاد العالمي وبيانات المعونة ومركز التنمية العالمية يكشف الكثير عن كيفية إقراض الصين للدول الأفريقية.
ينطوي الإقراض الصيني على العديد من الفوائد.
وعن ذلك، قال جريفيث جونز إنه “يفرض مزيدا من الضغط على الولايات المتحدة والأوروبيين لتقديم المزيد من الائتمان”، مضيفاً أن “مدة القروض التي تقدمها عادةً ما لا تكون قصيرة الأجل، وهو ما يزيل بعض المخاطر عن المقترض”.
وبينما لا تشارك بكين في نادي باريس، الذي تستخدمه الحكومات الغربية للتفاوض بشأن تخفيف الديون السيادية، إلا أن الدائنين الصينيين اعتادوا هيكلة القروض في الماضي، ويبدو أنهم على استعداد لإعادة التفاوض بشأن الترتيبات والسماح للمقترضين بتأجيل السداد.
ومع انسحاب الحكومات الغربية، هناك القليل من الخيارات الأخرى المتاحة أمام بعض الدول باستثناء الصينين.
أدى عقد من أسعار الفائدة المتدنية للغاية إلى إجراء بحث عالمي عن العائد الذي مكن كل شيء، بدءاً من استحداث أسهم الميم إلى جنون العملات المشفرة، لكنه فشل، رغم ذلك، في جعل رأس المال الخاص يتدفق إلى الأجزاء الأكثر فقراً من العالم.
ارتفع رصيد القروض متعددة الأطراف من البنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي، لكن بوتيرة غير كافية. وربما تكون الدول الأفريقية أكثر قلقاً حالياً بشأن رغبة بكين في كبح جماح الاستثمار الأجنبي أكثر من اهتمامها بالشروط التي تقدم الدعم بموجبها.
ومع ذلك، هناك أسباب تدعو للقلق بشأن مدى تأثير الصين في المدينين لها، وهو وضع يمثل إشكالية بشكل خاص أثناء فترة تفشي الوباء الذي أصاب بعض أفقر دول العالم بشكل شديد.
أحد التهديدات الخاصة التي يسلط البحث الضوء عليها هو أنه من أجل خدمة الديون، يمكن الاحتفاظ بالمكاسب التي يتم جنيها من بيع السلع من قبل الدولة المدينة في حسابات بنكية يسيطر عليها الدائن، وهو ما يخاطر بظهور سيناريو يفقد فيه المدينون الأفارقة السيطرة على عائداتهم.
قالت آنا جيلبيرن، الزميلة في معهد بيترسون والمؤلفة المشاركة في البحث، إنه من المرجح أن تؤدي حقيقة أن حساب الإيرادات لديه اشتراطات أولية على الأموال، بجانب سرية هذه العقود، إلى دفع الدائنين الآخرين إلى الشك في الأسوأ وطلب نفس الشيء تماماً.
وأضافت جيلبيرن: “إذا كان كل دائن يريد ضمانات، فيمكن أن يتم تفكيك مخزون أصول المدين قبل فترة طويلة من أن يصبح متعثراً”.
في الواقع، عندما أصبحت زامبيا أول دولة أفريقية خلال الوباء تتخلف عن سداد التزامات ديونها السيادية بعدما تخلفت عن سداد أحد سندات اليورو في نوفمبر 2020، أراد الدائنون المزيد من المعلومات حول التزامات البلد تجاه الصين.
ومن غير المرجح أن تكون زامبيا آخر دولة أفريقية تواجه مثل هذه المشكلات، فقد سلط صندوق النقد الدولي الضوء على ارتفاع مخاطر التخلف عن السداد في عديد من الدول الفقيرة، كما دعت مديرته الإدارية كريستالينا جورجيفا جميع الدائنين- بما فيهم الصين- إلى العمل معاً لتخفيف أعباء الديون.
ومن المؤكد أن حل اللغز وتضييق الفجوة بين الدول الغنية والفقيرة سيتطلب أكثر من ذلك، وستكون هناك حاجة إلى العمل الجماعي والشفافية ليس فقط في تقديم الإغاثة، بل أيضاً في تقديم الائتمان.
وقالت جيلبيرن، وهي أيضاً أستاذة في كلية الحقوق جامعة جورجتاون، إن إقراض الاقتصادات الفقيرة مخاطرة عالية جداً، وربما يحتاجون إلى تقديم أصول كضمان للقرض، لكن الدائنين بحاجة إلى معرفة كيفية فعل ذلك بطريقة منسقة لكي لا نربط جميع موارد الدول المعنية قبل أن تتاح لهم فرصة الوقوف على أقدامهم.