تراجع الدعم المادى الدولى تسبب فى ركود الإنتاج
خلال العقدين الماضيين، منذ أن فقدت طالبان السيطرة على أفغانستان، تحسنت الظروف المعيشية بشكل ملحوظ، بما فى ذلك التقدم الهائل فى الرعاية الصحية والتعليم ومتوسط العمر المتوقع ومعدل الوفيات بين الأطفال.
ومع ذلك، تسبب الفساد والعنف المتفشيان فى إبطاء وتيرة التقدم، كما أدى تقليص القوات والمساعدات فى الأعوام الأخيرة إلى تقليص أحد أكبر مصادر إيرادات البلاد، مع ما يترتب على ذلك من عواقب اقتصادية.
قال محافظ البنك المركزى الأفغانى السابق أجمل أحمدى، الذى فرَّ من البلاد نهاية الأسبوع الماضى، لصحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، إنَّ أى شخص قلل من شأن التحسن فى حياة الأفغان «يقلل من شأن التغيير الذى حدث».
وقال غاريث برايس، كبير الباحثين فى مؤسسة تشاتام هاوس للأبحاث، إنه فى حين أن أفغانستان قد «تغيرت بشكل كبير» من الناحية الاجتماعية، «لم يتم استغلال أى من المولدات المحلية الرئيسية للنمو- خاصة الاحتياطيات المعدنية- بشكل كبير، بصرف النظر عن التعدين غير القانونى».
الاقتصاد نما لكنه فى حالة ركود الآن
استفادت مستويات المعيشة من التوسع الاقتصادى (مزدوج الرقم) حتى منتصف العقد الأول من القرن الـ21، لكن الإنتاج ظل راكداً خلال العقد الماضى مع تراجع الدعم المالى الدولى.
وانخفضت تدفقات المعونة من حوالى 100% من الناتج المحلى الإجمالى فى عام 2009 إلى 42.9% فى عام 2020، وفقاً للبنك الدولى، ما أدى إلى تقييد نشاط قطاع الخدمات والتوظيف. ومن المتوقع أن تجف الأموال الدولية بالكامل فى ظل حكم طالبان، ما يهدد بقاء الاقتصاد القانونى فى أفغانستان.
حذر جاريث ليذر، الاقتصادى الآسيوى فى شركة الأبحاث «كابيتال إيكونوميكس»، من أنه «من المرجح أن تتسبب عودة أفغانستان إلى وضع البلد المنبوذ عالمياً فى سحب البساط من تحت الاقتصاد، نظراً إلى أن الكثير من التقدم الاقتصادى خلال الـ20 عاماً الماضية قد شُيد وفقاً للدعم الخارجى».
وأشار إلى أن الانكماش الكبير فى الناتج المحلى الإجمالى والتراجع فى التنمية الاجتماعية والاقتصادية يبدوان أمرين مؤكدين.
قال أنتونى كوردسمان، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو مؤسسة فكرية، إنَّ قطع المساعدات «من المحتمل أن يشل جزءاً كبيراً من الاقتصاد الحديث ووظائف الخدمات».
وتساءل كوردسمان: كيف يمكن لأفغانستان أن تخلق اقتصاداً «مشروعاً» إذا تم قطع المساعدات.
لم تصدر أفغانستان بشكل قانونى سوى حوالى مليار دولار من البضائع فى عام 2020، وفقاً لمركز التجارة الدولية، وهى قيمة أقل من طاجيكستان المجاورة، رغم أن عدد سكانها أكبر بأربعة أضعاف.
ويتكون نصف صادرات أفغانستان الرسمية من العنب والفاكهة الطازجة الأخرى، رغم انخفاض أهمية الزراعة مع توسع قطاع الخدمات.
خلص الخبراء إلى أن الاقتصاد غير الرسمى يشكل ما يصل إلى 80% من إجمالى النشاط الاقتصادى الأفغاني، ما يعنى أن تقديرات النمو الرسمية ذات فائدة محدودة فقط.
تحسن مستويات المعيشة
رغم الأداء الاقتصادى العام غير المكتمل، فقد تحسنت الحياة اليومية لعدد كبير من الشعب الأفغانى بشكل ملحوظ، وأصبحت الرعاية الصحية والتعليم أكثر انتشاراً، كما انخفضت معدلات الوفيات وأصبح استخدام التكنولوجيا شائعاً.
النساء يستفدن بشكل خاص
وتحسنت حياة المرأة من خلال مجموعة من المؤشرات، فقد قفز التحاق الفتيات بالتعليم، وانخفضت معدلات خصوبة المراهقات وازداد عدد النساء اللاتى يلتحقن بسوق العمل.
قالت سوزانا هاريس، المديرة المشاركة لسياسة التعليم فى مركز التنمية العالمية، وهو مؤسسة فكرية: «لقد تم تحقيق مكاسب ضخمة خلال العقدين الماضيين فى مجال تعليم الفتيات»، محذرة من أن «هؤلاء معرضون الآن لخطر كبير للتراجع بسرعة، ومن المحتمل أن نرى الكثير والكثير من الفتيات الأفغانيات يجبرن على ترك المدرسة».
دخلت النساء أيضاً القوة العاملة بأعداد أكبر بكثير من ذى قبل، فقد كان نحو خُمس موظفى الخدمة المدنية الأفغان من النساء وشغل مقعد واحد من بين كل أربعة مقاعد برلمانية خلال العام الماضي، ارتفاعاً من الصفر فى عام 2001.
العنف والفقر مازالا سائدين
رغم التقدم المحرز، تولت طالبان مسئولية أحد أكثر الاقتصادات هشاشة فى العالم، واحتلت أفغانستان المرتبة 165 من بين 180 دولة فى مؤشر الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية فى عام 2020، رغم أنها ارتفعت 11 مرتبة منذ عام 2012.
وأشار البنك الدولى، الذى صنف أفغانستان فى المرتبة 173 من 190 دولة فى مسح ممارسة الأعمال لعام 2020، إلى أن «تنمية القطاع الخاص وتنويعه مقيد بانعدام الأمن، وعدم الاستقرار السياسي، والمؤسسات الضعيفة، والبنية التحتية غير الملائمة، والفساد المستشرى، وبيئة الأعمال الصعبة».
وتعتبر مستويات المعيشة الأدنى فى المنطقة، ويعيش أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر، كما أن أفغانستان لا تزال ضمن الأسوأ فى العالم على مقاييس الصحة والحرية الشخصية وظروف المعيشة والثقة فى المؤسسات والسلامة والأمن.
ورغم ذلك، حذر محافظ البنك المركزى السابق أجمل أحمدى، من أن انعكاس التقدم المحرز فى العقدين الماضيين سيكون له تأثير كبير على حياة الأفغان العاديين.
وأشار إلى أن الحكومة الأفغانية الجديدة بقيادة طالبان تواجه سلسلة من الصدمات، التى من المحتمل أن تؤدى إلى ضعف العملة وتضخم أسرع وقد تفرض أيضاً ضوابط على رأس المال، وكل ذلك قد يحفز زيادة أسعار المستهلكين من خلال رفع تكلفة الواردات.