جادل رئيس الاحتياطى الفيدرالى من عام 1951 إلى عام 1970، ويليام ماكيسنى مارتن، بأن مهمة البنك المركزى كانت التخلص من المحفزات عندما توشك الحفلة على الانتهاء، وفى ظل قلق المستثمرين فى الأسابيع الأخيرة بشأن «ذروة كل شىء»؛ حيث تتكون الفقاعات فى الأسهم والسندات والإسكان والعملات المشفرة وغيرها، فإن الحفلة بدأت منذ فترة طويلة وهى الآن فى ذروتها.
فى الواقع، كانت البنوك المركزية منشغلة فى تعزيز محفزاتها من خلال عمليات شراء السندات المستمرة للحفاظ على أسعار الفائدة منخفضة أثناء إجراء نقاش لا نهاية له حول متى وكيف يمكن إزالة الدعم؟
ويبدو إصرارها على أن مخاطر التضخم «مؤقتة» موضع شك على نحو متزايد.
والشىء المثير للفضول حول نهج السياسة النقدية ذلك، هو أن مسئولى البنوك المركزية يبدو أنهم يتعرضون لضغوط شديدة لشرح سبب ضرورة استمرار برنامج شراء الأصول، المعروف باسم التيسير الكمى.
ثمة إجماع واسع على أن عمليات ضخ السيولة الأصلية بعد الأزمة المالية 2008-2009 كانت لا غنى عنها لمنع الكساد الذى حدث فى الثلاثينيات، وأيضاً منع وقوع كارثة اقتصادية بعد أن ضرب الوباء العام الماضى، ومع ذلك، فإن ادعاءات محافظى البنوك المركزية بأن التيسير الكمى من شأنه أن يعزز الناتج المحلى الإجمالى أقل إقناعاً.
ونظراً إلى أن اللقاحات تقدم دعماً ملموساً لمعظم الاقتصادات المتقدمة ولأسعار الأصول التى على وشك الوصول إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، فإنَّ قضية استمرار شراء الأصول يصعب على البشر فهمها.
فى غضون ذلك، تخلق السياسة النقدية غير التقليدية نقاط ضعف أكبر فى الميزانيات العمومية، وتشهد الميزانية العمومية الإجمالية للقطاع العام، والتى تشمل البنوك المركزية، انخفاضاً ملحوظاً فى آجال استحقاق الديون، فى ظل التيسير الكمى، يقوم البنك المركزى بخلق أموال عن طريق إيداع احتياطيات فى البنوك الخاصة التى يتم استخدامها بعد ذلك لتمويل شراء السندات الحكومية.
فى الواقع، يتم استبدال التزامات القطاع العام من السندات الحكومية بالاحتياطيات التى تم إنشاؤها لتمويل شرائها، ويعد التأثير على ملف الديون المستحقة تأثيراً هائلاً، ويقدر بنك التسويات الدولية أن 15 ـ 45% من جميع الديون السيادية للاقتصاد المتقدم أصبحت الآن، بحكم الواقع، هى ديون لليلة واحدة.
وعلى المدى القصير، يؤدى ذلك إلى توفير صافى فائدة للحكومات.. لكن تعرضها المتزايد لمعدلات عائمة يزيد من تعرضها لمخاطر ارتفاع أسعار الفائدة، وبالنظر من منظور إدارة الدين ذلك، فإن التيسير الكمى فى فترات غير الأزمات يكون منطقياً فقط إذا ظلت معدلات سياسة البنوك المركزية قريبة من الصفر طوال مدة الدين المستحق.
وهذا بدوره ينطوى على تشاؤم كبير بشأن النمو الاقتصادى، وتعنى العودة إلى النمو المتواضع.. لكن المعقول هو تمويل مكلف للغاية إذا ارتفعت أسعار الفائدة.
وفى الاقتصادات المتقدمة، يقدر صندوق النقد الدولى أنَّ نسبة الدين الحكومى إلى الناتج المحلى الإجمالى تحولت من أقل من 80% فى عام 2008 إلى 120% فى عام 2020، ومع ذلك، انخفضت فاتورة الفائدة على هذا الدين خلال هذه الفترة، ما شجع الاعتقاد بأن الدين قد يكون مستداما.أدت طفرة مماثلة فى قطاع الشركات غير المالية العالمية إلى ارتفاع الديون إلى مستوى قياسى بلغ 91% من الناتج المحلى الإجمالى فى عام 2019، وفى ظل هذه الخلفية، تسبب بحث المستثمرين عن العائد فى سوء تسعير خطير للمخاطر، إلى جانب سوء تخصيص لرأس المال على نطاق واسع.
وأصبحت السياسة النقدية غير متكافئة، بالنظر إلى أن أسعار الفائدة منذ أواخر الثمانينيات لم ترتفع أبداً فى فترات الصعود بقدر تخفيضها فى فترات الانكماش، وهذا ينطوى على ارتفاع فى التكاليف لا هوادة فيه مع تراكم الديون، وقد يتغير شكل الدورة المالية.
فى العقود الأربعة الأولى بعد الحرب العالمية الثانية، بلغت الدورات ذروتها وبدأت فترات الركود عندما تم تشديد السياسة النقدية لمعالجة الضغوط التضخمية المتزايدة، بعد ذلك، عندما أصبح التضخم هادئاً، أصبحت الأزمات المالية هى السبب فى حالات الركود، قد يكون الدافع الآن هو مزيج قاتل من ارتفاع التضخم وعدم الاستقرار المالى.
تكمن الصعوبة فى أن البنوك المركزية لا يمكنها أن تزيل المحفزات الضخمة وترفع أسعار الفائدة دون تقويض الميزانيات العمومية الضعيفة وتدمير الاقتصاد، وهو ما يغرى صانعى السياسة بالمضى قدماً وتكرار دورة الازدهار والكساد والإنقاذ.
يجب أن تعطى الأولوية بالأحرى إلى ضمان أن تجد الديون المتفاقمة بعد الوباء طريقها إلى الاستثمار المنتج جنباً إلى جنب التخطيط لإعادة بناء الديون وإعادة التوازن للاقتصاد.
بقلم: جون بلندر، كاتب مقالات رأى لدى صحيفة «فاينانشال تايمز»، ومحرر اقتصادى سابق فى مجلة «ذا إيكونوميست».
المصدر: صحيفة «فاينانشيال تايمز».