كانت الصراعات المتجددة للأسواق الناشئة؛ بسبب التذبذب الأخير فى الأسهم الصينية، سبباً فى دفع بعض المستثمرين والمحللين إلى اكتشاف فرصة مغرية للمراهنة على إمكانية انتهاء عقد من الألم قريباً.
وتخلفت أسواق الأسهم الناشئة، ومنها البرازيل والهند وتركيا وجنوب أفريقيا، بشكل كبير عن الأسواق المتقدمة خلال معظم العقد الماضى، خصوصاً عند المقارنة بالأسهم الأمريكية الجامحة.
وحققت الأسهم الأمريكية الرائدة عوائد إجمالية بلغت 356% خلال الأعوام العشرة الماضية، متجاوزة عوائد الأسهم الأوروبية البالغة 188% خلال الفترة نفسها، بحسب بيانات شركة البيانات المالية «ريفينيتيف».
أما أداء الأسواق الناشئة فكان أسوأ، إذ سجل مؤشر «إم. إس. سى. آى» للأسواق الناشئة نسبة 66% فقط، ما دفع بعض المحللين إلى وصفه بأنه «عقد ضائع» بالنسبة للأسواق الناشئة.
وبعد بداية عام 2021 بملاحظة مشرقة؛ حيث راهن المستثمرون على النهضة الاقتصادية العالمية، واتجهت أسعار السلع إلى الارتفاع، تراجعت أسهم الأسواق الناشئة مرة أخرى؛ بسبب القمع التنظيمى الصينى على الصناعات من التكنولوجيا المالية إلى التعليم.
ونتيجة ذلك، انخفض مؤشر «إم. إس. سى. آى» للأسواق الناشئة بنسبة 1.4% أخرى هذا العام، حتى مع ارتفاع معظم الأسواق الأخرى، حسبما ذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية.
ومع ذلك، يعتقد بعض المستثمرين والمحللين، أنَّ الانتعاش الاقتصادى العالمى المرن، والطلب المتزايد على العديد من الموارد الطبيعية، والتقييمات الممتدة فى أماكن أخرى يمكن أن تساعد الأسواق الناشئة على استعادة قوتها.
قال كبير المحللين الاستراتيجيين للأسهم العالمية فى بنك «جولدمان ساكس»، بيتر أوبنهايمر: «هناك الكثير من الفرص الآن. بالنظر إلى كيفية خروج الأسواق الناشئة، إذا كانت المخاوف بشأن متغير دلتا معتدلة قليلاً، ولم نحصل على المزيد من التدخلات المعادية للسوق فى الصين، أعتقد أنه سيكون هناك انتعاش معقول».
ورغم الأداء المضطرب للأسواق الناشئة، فقد حصلت صناديق الأسهم الناشئة على 81 مليار دولار بالفعل هذا العام، بحسب مزود بيانات التدفق «إى. بى. إف. أر».
وإذا استمر هذا الأمر، فسيكون هذا أقوى عام لتدفقات المستثمرين منذ عام 2010 وثانى أقوى عام منذ عام 2000 على الأقل.
ويقدر رئيس الأبحاث العالمى وكبير الاستراتيجيين فى بنك «ستاندرد تشارترد»، إريك روبرتسن، أن أسهم الأسواق الناشئة يتم تداولها الآن بمستوى أقل بنسبة 40% من الأسهم الأمريكية؛ بسبب المخاوف بشأن التعافى الاقتصادى العالمى الناجم عن متغير دلتا والقمع الصينى.
وأضاف «روبرتسن»: «نعتقد أن هذا التشاؤم بشأن النمو مبالغ فيه وأن أصول الأسواق الناشئة تبدو جذابة، وقد يكون التوقيت سابقاً لأوانه، لكننا نبحث عن نقطة الدخول هذه».
يراهن بعض المستثمرين والمحللين، أيضاً، على أن أسواق السندات الناشئة ستبدأ فى تسجيل أداء أفضل؛ حيث ظل أداء سندات الأسواق الناشئة- سواء المقومة بالعملة المحلية أو بالدولار- ضعيفاً فى عام 2021.
وأشارت الصحيفة إلى أن السندات السيادية فى الأسواق الناشئة المقومة بالعملة المحلية، خسرت أموالاً على مدار العقد الماضى، وفقاً لصندوق متداول فى البورصة على نطاق واسع؛ حيث أدى النمو البطىء، وأسعار السلع غير المستقرة، والرياح المعاكسة الأخرى إلى خفض أسعار الصرف.
ويأتى «نوفين» (Nuveen)، مدير الأصول الأمريكية البالغ تريليون دولار، ضمن مجموعات الاستثمار التى تتطلع الآن إلى انتعاش الأسواق الناشئة، خاصة فى سندات حكومة أمريكا اللاتينية والأسهم الآسيوية، والتى تعتقد أنها يجب أن تستفيد من تعافى الاقتصاد العالمى المتوسع، وضغوط التضخم المتزايدة.
ومع ذلك، يظل العديد من المحللين ومديرى الصناديق متشككين بشأن الأسواق الناشئة؛ حيث تلوح المخاطر الصينية بشكل كبير فى الأفق حالياً.
وتمثل الصين أكثر من ثلث مؤشرات الأسواق الناشئة الرئيسية المؤثرة، وهى «إم. إس. سى. أى» و«فوتسى راسل»، كما أن الثقل الاقتصادى للبلاد كبير جداً لدرجة أن فترات المد والجزر يمكن أن تؤثر على المعنويات تجاه العالم النامى على نطاق أوسع.
ويشير المحللون فى «جى. بى مورجان» إلى أن توافر اللقاحات فى العالم المتقدم قد ساعد أيضاً الاقتصادات على إعادة الانفتاح بشكل أسرع وأكثر اكتمالاً مما هو عليه فى العديد من الأسواق الناشئة، ويمكن أن يقضى هذا الأمر تقريباً على فجوة النمو الطويلة بين الاقتصادات الناشئة الأكثر فقراً والأسرع نمواً والعالم الغنى المزدهر الآن. وبرغم تفاؤله بشأن الأسواق الناشئة لاستعادة موطئ قدمها فى المدى القريب، يشير أوبنهايمر، من «جولدمان ساكس»، أيضاً إلى بعض التحديات التى تواجه تلك الأسواق على المدى الطويل، مثل تباطؤ العولمة والضغوط المتزايدة على المستثمرين لأخذ العوامل البيئية والاجتماعية والحوكمة فى الاعتبار، وهى قضايا غالباً ما تسجل فيها الأسواق الناشئة أداء سيئاً.
وتساءل «أوبنهايمر»: «هل نحن فى طريقنا إلى عصر ذهبى؛ حيث تتفوق الأسواق الناشئة على نطاق واسع فى الأداء؟. أعتقد أن هذا الأمر أقل وضوحاً. أعتقد أن هناك بعض الرياح الهيكلية المعاكسة مقارنة بما واجهته الأسواق الناشئة على مدى العشرين عاماً الماضية».