ربما تكون كوريا الجنوبية قد أنقذت اقتصادها من الركود الناجم عن تفشى وباء «كورونا»، لكن هناك القليل من الاحتفاء فى أروقة السلطة فى سيول؛ حيث تحول تركيز السلطة بدلاً من ذلك إلى مأزق أصبح منتشراً على نطاق واسع بشكل لا يمكن تجاهله، وهو عدم المساواة.
وقال رئيس الوزراء الكورى الجنوبى، كيم بو كيوم، لصحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية: «إننا ننظر إلى الأمر بشعور الأزمة».
واعترف «بو كيوم» بأن ارتفاع حالة عدم المساواة ومحنة السكان المسنين الذين يعانون الفقر فى البلاد، وهم جيل من الكوريين الذين أعادوا بناء البلاد بعد الحرب، كان أمراً مؤلماً بشكل خاص.
وساعد ازدهار الشحنات من رقائق الكمبيوتر والهواتف الذكية، بالإضافة إلى السيارات والسفن فى إنقاذ عاشر أكبر اقتصاد فى العالم، لكن البيانات الوردية أخفت الظروف الاقتصادية المزمنة للعديد من الكوريين، مثل الفقر غير المسبوق لكبار السن، وارتفاع معدلات بطالة الشباب، وأسعار العقارات بعيدة المنال، وتصاعد الديون الأسرية، وارتفاع تكاليف التعليم.
وقال آهن دو جيول، نائب وزير المالية، المسئول عن مكتب الميزانية فى الحكومة، إنَّ دعم ذوى الدخل المنخفض الأكثر تضرراً من وباء «كورونا» كان أولوية السياسة المالية للبلاد.
وأضاف: «مع تعافى اقتصاد البلاد، نشهد فجوة آخذة فى الاتساع فى الثروة؛ حيث يتعافى دخل أولئك الذين تكيفوا بشكل جيد خلال الوباء بشكل سريع، بينما يظل تعافى سوق العمل للأشخاص الضعفاء اجتماعياً ضعيفاً».
وأشارت الصحيفة إلى أن ديون الأسر تضاعفت تقريباً خلال العقد الماضى إلى مستوى قياسى بلغ 1806 تريليون وون «ما يعادل 1.54 تريليون دولار» فى الربع الثانى من العام.
وكذلك، انخفض دخل العديد من العاملين لحسابهم الخاص، الذين يشكلون نحو ثلث القوة العاملة، بعد قيود استمرت لأشهر بسبب الوباء الذى ضرب الشركات الصغيرة.
ويؤثر الفقر الآن على أكثر من 40% من سكان كوريا الجنوبية الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً، وهى أعلى نسبة بين أعضاء منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، فى حين أن واحداً من كل 10 شباب فى كوريا الجنوبية يعانون البطالة.
وعلى الرغم من حالة عدم اليقين الناتجة عن تفشى متغير «دلتا» الفتاك، خالف البنك المركزى فى كوريا الجنوبية التوقعات ورفع أسعار الفائدة خلال شهر أغسطس الماضى، مشيراً إلى الاختلالات المالية، ليكون بذلك واحداً من أوائل البنوك المركزية التى رفعت أسعار الفائدة منذ بداية الوباء.
وفى قلب استجابة الحكومة لعدم المساواة، هناك قرار بتحطيم أحد المحرمات المتعلقة بالديون بالنسبة للمخططين الاقتصاديين الكوريين منذ الأيام المظلمة للأزمة المالية الآسيوية 1997-1998.
وتشعر سيول الآن بالارتياح لتوسيع الدين الوطنى إلى ما بعد 40% من عتبة الناتج المحلى الإجمالى التى تمسك بها صانعو السياسة طوال العقد الماضى.
ومن المتوقع أن يتسبب الإنفاق فى رفع الديون إلى 50.2% من الناتج المحلى الإجمالى العام المقبل، بعد أن كانت 36% فى عام 2017.
جدير بالذكر أن المقترحات الحكومية حددت سقف الديون متوسطة الأجل عند 60% من الناتج المحلى الإجمالى بحلول عام 2025، من نسبة 47.3% هذا العام.
وقدر صندوق النقد الدولى أن نسبة ديون كوريا الجنوبية ستظل أقل من ثلث نسبة ديون اليابان ونصف نسبة ديون الولايات المتحدة فقط بحلول عام 2025.
ومع ذلك، تستمر المخاوف فى الظهور؛ حيث تفاقمت المخاوف بشأن الوتيرة السريعة للديون الحكومية المتزايدة؛ بسبب شيخوخة السكان السريعة وانخفاض معدلات المواليد فى العالم، ما يهدد بزيادة الأعباء المالية بالنسبة لكوريا الجنوبية.
وإذا استمر الدين الوطنى فى الزيادة بهذا المعدل، فسيكون لكل مولود جديد أكثر من 100 مليون وون كورى جنوبى عندما يصبح طالباً فى المدرسة الثانوية، بحسب معهد كوريا للبحوث الاقتصادية.
وعن ذلك، قال بارك سوك جيل، الخبير الاقتصادى لدى بنك «جى بى مورجان»، إن البلاد تحتاج إلى سياسة مالية معاكسة للتقلبات الدورية لتحقيق نمو مستقر ومستدام.
ويذكر أن الحكومة تعرضت لانتقادات؛ بسبب حزم التحفيز المتتالية، المقترنة بأسعار الفائدة المنخفضة، التى أغرقت الأسواق بأموال رخيصة، ما أدى إلى تضخم أسعار الأصول.