اقتباسات:
رهاب روسيا السبب فى إلقاء اللوم على «غاز بروم» فيما أصبح مشكلة عالمية، إذ ارتفعت أسعار الغاز فى آسيا مع محاولة الدول استبدال الفحم فى مزيج طاقتها بغاز طبيعى
رفضت شركة «غاز بروم» مراراً بيع أى غاز إضافى فى السوق الفورى من خلال خطوط الأنابيب التى تمر عبر أوكرانيا، والتى تم تصميم «نورد ستريم 2» ليحل محلها
تقف مكانة روسيا كمورد موثوق للغاز إلى أوروبا فى قفص الاتهام، ولفتت الأسعار القياسية فى جميع أنحاء بريطانيا وأوروبا الانتباه إلى انخفاض إمدادات الغاز الطبيعى من روسيا الصيف الجارى، ما ترك الكثيرين يتساءلون عما إذا كانت موسكو قد فرضت ضغطاً هادئاً على السوق.
وتذهب النظرية إلى أن الهدف هو زيادة الأسعار إلى مستوى تضطر عنده ألمانيا الموافقة على خط أنابيب «نورد ستريم 2» المثير للجدل سياسياً، والذى تعرض تشييده – الذى اكتمل الآن – للعقوبات الأمريكية والمعارضة من دول فى شرق أوروبا.
ويوم الجمعة، دعا 40 عضواً فى البرلمان الأوروبى، معظمهم من بولندا ودول البلطيق، إلى التحقيق فى ممارسات شركة «غازبروم»، شركة التصدير الاحتكارية الروسية المدعومة من الدولة، وهى تريد تحقيقاً فيما إذا كانت تصرفات شركة «غاز بروم» وراء ارتفاع الأسعار الذى يهدد الآن بتعطيل أوسع للقطاع الأوروبى.
وتقول شركة «غازبروم» والمدافعون عنها، إنَّ هذا مبالغ فيه، ويشيرون إلى أن الشركة أوفت بجميع عقود التوريد طويلة الأجل الخاصة بها، ولم يتم إغلاق الصنابير، حتى إنَّ بعض الدول فى أوروبا، بما فى ذلك ألمانيا، تلقت إمدادات أكبر من روسيا العام الجارى، مقارنة بالعام الماضى.
ويجادلون أن رهاب روسيا هو السبب فى إلقاء اللوم على شركة «غازبروم» فيما أصبح مشكلة عالمية إذ ارتفعت أسعار الغاز فى آسيا أيضاً؛ حيث تحاول المزيد من الدول استبدال بعض الفحم فى مزيج طاقتها بغاز طبيعى أنظف، كما انخفض إنتاج الغاز المحلى الأوروبى بشكل حاد.
ولكنَّ منتقدى شركة «غازبروم» يعترضون على ذلك بقولهم إنَّ الأمر لا يتطلب سوى تأرجح بسيط فى ميزان العرض والطلب فى أسواق السلع حتى ترتفع الأسعار أو تنخفض، والجزء الرئيسى من حجتهم هو أن الإمدادات إلى شمال غرب أوروبا من روسيا، فى المتوسط، كانت أقل العام الجارى مما كانت عليه قبل الوباء. وبالإضافة إلى ذلك، رفضت شركة «غازبروم» مراراً وتكراراً بيع أى إمدادات غاز إضافية فى السوق الفورى بالمزاد العلنى من خلال خطوط الأنابيب التى تمر عبر أوكرانيا، والتى تم تصميم «نورد ستريم 2»، الذى يمتد مباشرة من روسيا إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق، ليحل محلها.
وبعد شتاء طويل فى 2020-2021، تم استنزاف مخزونات الغاز فى أوروبا إلى مستويات أقل من المعتاد، لذلك كان الطلب على الإمدادات من السوق الفورى لإعادة تعبئة المخزونات أعلى، لكن أكبر مورد لأوروبا رفض إتاحة هذا الغاز الإضافى.
ومع اقتراب فصل الشتاء، أصبحت مستويات المخزونات فى أوروبا الآن أقل بكثير من المستوى المعتاد فى هذا الوقت من العام، وهو ما أصبح المحرك الرئيسى لارتفاع الأسعار، وهناك مخاوف حقيقية من أنه فى حالة وجود شتاء طويل أو بارد بشكل خاص، قد ينفد الغاز من السوق.
وفى الوقت نفسه، كدرت التصريحات العلنية لشركة «غازبروم» صفو الأجواء إذ أقرت الشركة بأنها تملأ المخزونات المحلية بمعدل أعلى مما كانت عليه فى السنوات السابقة، ما يشير إلى أنه قد يكون هناك كمية أقل من الغاز المتاح لإرساله.
لكن أليكسى ميلر، رئيس «غازبروم»، قال يوم الجمعة، إنَّ الشركة قادرة على زيادة إنتاج الغاز وتوفير إمدادات إضافية إذا لزم الأمر، وقال متحدث باسم الرئيس الروسى، فلاديمير بوتين، الأسبوع الجارى، أيضاً، إنَّ بدء تشغيل «نورد ستريم 2» سيوفر المزيد من الغاز، بما فى ذلك فى السوق الفورى.
ولقد أثار بوتين نفسه نيران الموقف، قائلاً إن اللوم يقع على «المعارضين الأذكياء» فى المفوضية الأوروبية جزئياً على الأقل، بعد أن ضغطوا من أجل التسعير «القائم على السوق» كجزء من الجهود المبذولة لزيادة المنافسة فى إمدادات الغاز.
ولكن إذا كانت شركة «غازبروم» سعيدة بإجراء مبيعات فورية بمجرد بدء تشغيل «نورد ستريم 2»، رغم تفضيلها العقود طويلة الأجل، فهل هناك ما يبرر الناس فى التساؤل عن سبب عدم قيامهم بذلك الآن؟ يقول النقاد إن أقوى دليل على أن شركة «غازبروم» تلعب لعبة خطيرة مع السوق يمكن العثور عليه فى البيانات الخاصة بالمخزونات الأوروبية.
وبالرغم من أن إجمالى المخزونات أقل من المعتاد، فقد تمكنت شركات الطاقة الأوروبية على نطاق واسع من زيادة المخزونات فى المرافق التى تسيطر عليها إلى مستوى معقول، وتتحكم شركة «غازبروم» نفسها فى معظم المخازن التى لم يتم ملؤها فى أوروبا.
ومن خلال ترك مرافق التخزين الخاصة بها فى أوروبا عند مستويات منخفضة للغاية، فإن شركة «غازبروم» تتراجع فعلياً عن إمداد نفسها، وترسل إشارات للقطاع بأن المعروض سيكون منخفضاً، ويمكن أن تخيف مثل هذه الإجراءات السوق حتى لو كانت الشركة تزود عملاءها على المدى الطويل.
وإذا بدأت «غازبروم» فى ملء مخازنها فى أوروبا الآن، فمن المرجح أن تستقر الأسعار أو تتراجع، ولكن مع حلول فصل الشتاء، لا يزال هناك شك بشأن وصول المزيد من الغاز الروسى معه.
بقلم: ديفيد شيبرد، محرر الطاقة والبيئة لدى صحيفة «فاينانشيال تايمز»