في عام 2007، وصف رئيس الوزراء الصيني آنذاك، وين جياباو، الاقتصاد بأنه “غير مستقر وغير متوازن وغير منسق وغير مستدام”.، وتعد ملحمة “إيفرجراند” بمثابة تذكير للعالم بأوجه الضعف المتعددة التي لا تزال تتواجد في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
مع تعثر شركة العقارات، فإن السؤال الحاسم هو ما إذا كانت نقاط الضعف هذه ستؤدي إلى انهيار الاقتصاد؟ لقد زادت المخاطر بلا شك وليس فقط مخاطر تباطؤ الاقتصاد وإنما النمو البطيء بشكل دائم، ولكن ثمة أيضا خيارات من شأنها، إذا تم استخدامها بمهارة، تجنب حدوث أزمة.
وهناك إفراط في بناء العقارات، التي تساهم بنحو 29% من الناتج المحلي الإجمالي، لدرجة أن الشقق غير المباعة يمكن أن تستوعب ما لا يقل عن 90 مليون شخص، ومع تراجع مبيعات المطورين العقاريين، أصبح لديهم أموال أقل لشراء الأراضي، وبالتالي الضغط على الموارد المالية للحكومات المحلية، والتي بدورها تكون أقل قدرة على الاستثمار في البنية التحتية، وبالتالي ، فإن انهيار قطاع العقارات من شأنه أن يعطل المحرك الذي دفع النمو الصيني لمدة عقدين على الأقل، ومع ذلك ، ليس من الضروري أن يؤدي رد الفعل المتسلسل هذا إلى الانهيار الاقتصادي.
هناك مسار ، لكنه ليس سهلا، يمكن أن يقود الصين خلال انتقال متعدد السنوات نحو نموذج نمو أكثر استدامة، والخلل الأكثر وضوحا الذي يجب معالجته هو معدل الادخار الإجمالي المرتفع بشكل مذهل في الصين والبالغ 45.7% نهاية العام الماضي، أي أكثر من ضعف المعدلات في الولايات المتحدة أو بريطانيا.
وتأتي كثير من المدخرات من أرباح الشركات المرتفعة التي تمثل صورة معكوسة للأجور المكبوتة، وإذا رفعت بكين هذه الأجور، فإن الإنفاق الاستهلاكي سيستجيب، ما يساعد على إعادة توجيه الاقتصاد بعيدًا عن اعتماده المفرط على استثمارات رأس المال.
سبب آخر لارتفاع المدخرات هو شبكة الضمان الاجتماعي غير الكاملة إذ يمكن أن يؤدي استكمال نظام الضمان الاجتماعي إلى دعم الاقتصاد، لدى الصين أيضا خيارات في القطاع الصناعي والتي يمكن أن تستخدمها للتعويض عن قطاع العقارات المتعثر، وتعتبر كل من التصنيع عالي التقنية والتقنيات الخضراء واعدة.
وكانت طاقة الرياح والطاقة الشمسية صناعات مدعومة حتى وقت قريب، لكنها الآن فعالة بما يكفي لتتفوق على العديد من التركيبات الحرارية، ويبدو أن الصين تسير على الطريق الصحيح إلى حد كبير لتتجاوز هدف 1200 جيجاوات من طاقة الرياح والطاقة الشمسية بحلول عام 2030، ولمنع قطاع العقارات الضخم من إثارة أزمة، ستحتاج بكين إلى نهج يمزج بين الحفاظ على الطلب مع إعادة الهيكلة الهائلة وبرنامج تسوية للديون .
ويمكن أن تحقق على الأقل مقياسا للأول من خلال إعادة تقسيم مناطق ما يُصنف على أنه اقتصاد “ريفي” – حيث العقارات غير قابلة للتداول – على أنها حضرية، وهو ما يمكن أن يفتح مصدرا ضخما للطلب الكامن، وفيما يتعلق بإعادة الهيكلة والتسوية، قد يكشف مصير “إيفرجراند” نفسه في الأشهر المقبلة عن الطريق إلى الأمام.
تعد كل من هذه التحولات معقدة، لن يكون من السهل تحقيق أي شيء في بيئة من المتوقع أن ينخفض فيها النمو، الذي بلغ متوسطه 7.68% بين عامي 2010 و 2019، بشكل كبير.
ولكن إذا كانت البراعة التنفيذية الصينية في العقود الأربعة الماضية توفر أي دليل، فقد تكون بكين على قدم المساواة مع التحدي، وقد لا يكون هذا الخطر هو الأكبر اقتصاديا على الإطلاق، ويرأس شي جين بينغ، حاكم الصين، نظاما يتراجع فيه النقاش الصادق بشكل واضح مع انتشار مظاهر عبادة الشخصية، وإذا سُمح للتعصب المتملق بمزاحمة العقل ، والغطرسة بتجاوز دعوات ضبط النفس، فيمكن لبكين أن تقوض المصداقية التي ستكون حاسمة لنجاح أي انتقال.
ويعمل “شي” في بيئة مختلفة تماما عن الأجيال السابقة من القادة الثوريين.
وإذا أدت المحاولات الخاطئة لإصلاح فقاعة العقارات إلى تباطؤ النمو في المستقبل، فإن بكين لا تخاطر بهروب المستثمرين فحسب.. بل قد تفقد دعم سكانها.
بقلم: افتتاحية “فاينانشيال تايمز”