حظرت الولايات المتحدة استخدام الحكومة الفيدرالية لمعدات “هواوى”، ومنعت الشركات الأمريكية من البيع إليها دون ترخيص تصدير، وحظرت توريد أى من أشباه الموصلات المصممة أو المصنعة باستخدام التكنولوجيا أو المعدات الأمريكية والتى كانت تستخدمها “هواوى” فى معداتها، وهو ما يرقى إلى حظر شبه كامل لشحنات الرقائق للشركة الصينية.
وكان التأثير على المجموعة وحشياً، حيث انخفضت إيراداتها بنسبة 30% تقريباً فى النصف الأول من عام 2021 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضى، وهو أكبر انخفاض على الإطلاق.
ونظراً لأن القيود بدأت تعرقل الأعمال التقليدية لشركة “هواوى”، فإن المجموعة فى صراع الآن لمحاولة إعادة بناء نفسها، حيث تبتعد عن تطوير وبيع معدات شبكات الاتصالات والهواتف الذكية وتتجه إلى صناعات أقل اعتماداً على إمدادات الرقائق الأجنبية، مثل الخدمات السحابية وبرمجيات السيارات الذكية.
كما أنها تضاعف جهودها فى البحث والتطوير فى محاولة للهروب من قبضة العقوبات الأمريكية الخانقة، فضلاً عن أنها تستثمر بكثافة لتكون رائدة فى تقنيات الجيل السادس الناشئة بحيث تعتمد الشركات الأخرى على براءات اختراعها، بدلاً من اعتماد “هواوى” على واردات التكنولوجيا من الولايات المتحدة.
ويقول هينك كوبمانس، رئيس قسم البحث والتطوير فى “هواوى” بالمملكة المتحدة: “فى المناخ الحالى، فإن أفضل طريقة لوصف الجو داخل هواوى وطريقة تعاملنا مع الأمور هى أننا نتعامل وكأننا مجموعة ضخمة من الشركات الناشئة”.
والأمر لا يقتصر على أن مصير واحدة من أبرز الشركات الصينية وأكثرها نجاحاً على المحك، بل إن المنافسة التكنولوجية الأوسع نطاقاً بين بكين وواشنطن مهددة أيضاً، وفقاً لصحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
ويتضح من المسئولين الصينيين أن “هواوى” كانت جزءاً حيوياً من شبكة الابتكار فى البلاد، حيث يقول مسئول حكومى محلى فى “شنتشن”، وهى مركز صناعة التكنولوجيا فى جنوب الصين وتعد موطن “هواوى”، إن “الكثيرين ينظرون إلى هواوى على أنها الإمكانية الوحيدة للصين لتحقيق اختراق فى مجال أشباه الموصلات والاتصالات، لذلك يجب أن تنجو، إنها مهمة وطنية”.
اختناقات المكونات
كان للعقوبات المفروضة على “هواوى” تأثير صارخ على كل من أعمالها الرئيسية المتعلقة بالهواتف الذكية والبنية التحتية للاتصالات.
وانخفضت مبيعات الهواتف الذكية بأكثر من 47% فى النصف الأول من هذا العام مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضى.
وفى الأسبوع الماضى، توقع إريك شو، رئيس مجلس الإدارة المتناوب لـ”هواوى”، أن الشركة ستخسر فى العام بأكمله ما يصل إلى 40 مليار دولار من أعمال الهواتف الذكية البالغ قيمتها 50 مليار دولار، وهى خسارة يقدر المحللون أنها ستدفع حصة الأعمال الاستهلاكية فى إجمالى إيرادات “هواوى” من 42% فى بداية العام إلى ما يزيد قليلاً عن 30%.
ويقول بن ستانتون، محلل الهواتف الذكية فى المجموعة البحثية “كاناليس”، إن “اختناقات مكونات هواوى بدأت فى الظهور الآن، فالمخزونات تنخفض، ومن المؤكد تقريباً أنها ستستمر فى الانخفاض كل ثلاثة أشهر”.
وفى أعمال معدات الشبكة، يحدث الانخفاض بشكل أبطأ، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن دورات المنتج أطول.
ورداً على هذه الخسائر، كانت الدفعة الأولى هى تعزيز قدرات برامج “هواوى” بحيث تكون أقل اعتماداً على إنتاج الأجهزة التى ستكافح أكثر لتقديمها دون الوصول إلى إمدادات الرقائق، فضلاً عن أن الخدمات السحابية التى تقدم للشركات والإدارات الحكومية أصبح الاتجاه الذى تسارع “هواوى” فى بنائه.
وأعلنت “هواوى” مؤخراً عن خطط لاستثمار 100 مليون دولار فى الثلاثة أعوام المقبلة لتطوير خدماتها السحابية فى الشركات الصغيرة والمتوسطة.
وتشير بيانات “كاناليس” إلى أن أعمال “هواوى” السحابية نمت بنسبة 116% فى الربع الأول من العام لتستحوذ على 20% من سوق تبلغ قيمته 6 مليارات دولار فى الصين، لتأتى بعد الخدمات السحابية لـ”على بابا”، لكنها فى مكانة متقدمة عن “تينسنت”.
تغيير العتاد
وتجرى “هواوى”، التى تشعر بالإحباط فى أسواقها الرئيسية، بعض الرهانات اللافتة فى مجالات جديدة، إحداها فى مجال السيارات الكهربائية وذاتية القيادة.
وأجرت الشركة أول عملية بحث وتطوير فى مجال السيارات فى عام 2014، لكنها تعمل الآن بشكل كبير على تعزيز أعمالها فى هذا المجال، ووضعت خطط لتشكيل فريق بحث وتطوير مكون من 5 آلاف فرد واستثمار مليار دولار فى القطاع هذا العام.
وتقول الشركة إنها لن تصنع السيارات بنفسها، لكن من الواضح أن مهندسيها يبحثون فى كل شئ يتعلق بالأمر.
ويقول أحد مسئولى “هواوى”: “فى البداية، كنا نعتقد أننا سنساعد السيارة على الاتصال، لكن بعد فترة أدركنا أنه يمكننا أيضاً المساعدة فى جعلها أكثر ذكاءا”.
ويُصنع جزء كبير من الرقائق المطلوبة فى إلكترونيات السيارات باستخدام تقنية معالجة أكثر نضجاً، والتى لا تحتاج إلى استيراد، فالكثير من هذه التكنولوجيا متاح فى الصين، وبالتالى فإن التركيز على السيارات قد يساعدهم أيضاً على الابتعاد عن مشكلة الرقائق.
ومع ذلك، تضع “هواوى” نصب عينيها هدفاً أبعد من الحفاظ على استمرار أعمالها على المدى القريب، فقد نما طموحها فى أن تكون رائدة فى مجال التكنولوجيا.