مصر ستظل المنصة الرائدة للشركات الناشئة فى مراحل التمويل الأولى
عانى سوق المال المصرى خلال السنوات الأخيرة من تراجع أعداد الطروحات بصورة حادة، فضلاً عن اتجاه بعض الشركات للقيد خارجياً، والتى يمكن تصنيفها كشركات مصرية بناء على توزيع إيراداتها، والتى تشكل فيه مصر الغالبية العظمى.
فى الوقت نفسه، ارتفع ترتيب مصر بشكل كبير بين أسواق الشرق الأوسط وإفريقيا فى جذب مشروعات ريادة الأعمال والشركات الناشئة والتكنولوجية فى مراحلها المبكرة، والتى تجتذب بعض جولاتها الترويجية أحجاماً ضخمة من الأموال، قد تتخطى فى بعض الأحيان كثيراً من الطروحات فى السوق الرئيسى فى البورصة المصرية من حيث التقييم أو الحجم، ليطرح العديد من الأسئلة حول الفجوة التى تخلق هذا النوع من التباين فى السوق ذاته باختلاف مراحل نمو الشركات وحاجتها التمويلية فى كل مرحلة.
وللإجابة على هذه الأسئلة، حاورت جريدة «البورصة»، ماجد شوقى الرئيس التنفيذى لشركة «كاتليست بارتنرز»، ونائب رئيس شركة «سيكوانس فينشرز» والرئيس الأسبق للبورصة المصرية، للتعرف على ما هو مطلوب لخلق سوق يلبى الحاجات المختلفة للشركات فى مراحلها التمويلية، وكيفية جعل سوق المال المصرى منصة تجتذب شركات المنطقة للقيد والطرح ورفع رؤوس الأموال.
وقال شوقى، إن السوق المصرى أثبت أنه منصة لا يمكن أن تغيب عنها شمس الشركات الناشئة خلال السنوات الماضية، وهو الأمر الذى تطور مؤخراً، ويعود إلى عدة أسباب، أبرزها حقيقة أن تلك الشركات، ما هى إلا حلول لمشكلات وأزمات تواجه الشباب القائم على هذه الأفكار، وبالتالى فإن الحاجة لها هى الدافع وراء ابتكارها، فضلاً عن أنها مردود لثقافة هذا المجتمع وتعليمه.
وأضاف أن مصر لديها ميزة كبرى فى المراحل المبكرة من التمويل وحتى السلسلة، مع وجود العديد من المستثمرين ومسرعات الأعمال وصناديق الاستثمار والتى تلبى هذا الحجم من التمويل، فضلاً عن المبادرات الحكومية لبعض الوزارات والهيئات.
وجمعت الشركات الناشئة فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نحو 338 مليون دولار عبر 37 صفقة فى سبتمبر الماضى، بزيادة قدرها %111 على أساس شهرى، وفقاً لتقرير «ومضة»، وارتفاعاً بنسبة %3000 مقارنة بشهر سبتمبر 2020، ولأول مرة تحتل مصر الصدارة من حيث مبلغ الاستثمار عند 161.5 مليون دولار عبر 9 صفقات.
وذكر أن السبب الثانى، هو قدرة السوق المصرى كسوق حقيقى به عدد كبير من المستهلكين على اختبار جودة ومتانة التطبيقات، وبالتالى فإن النجاح فى مصرى يعنى إمكانية النجاح فى باقى الأسواق، وبالتالى فإنها شهادة بجودة الشركة أو التطبيق، وستظل مصر رائدة فى هذا الأمر.
أضاف شوقى بأن المرحلة التالية لها، تكون هى المشكلة، خاصةً مع طلب أحجام تمويل أكبر مما تستطيع جهة واحدة تلبيته، خاصةً إذا ما تزاحمت الفرص، وبالتالى تلجأ الشركات فى البحث عن فرص تمويل تلبى خططها التوسعية، وهنا تأتى عملية الانتقال خارجياً.
وعدد شوقى المشكلات التى تواجه هذا النوع من الشركات، والتى يكون أبرزها الإطار التشريعى والتنظيمى لعملها خارج القانون المصرى، وإنها شركات تعتمد على أفكار وليس لديها ميزانيات، وليست مفهومة للإطار التنظيمى للقانون المصرى، فى أن يكون شركة عمرها عامين ومقيمة بـ 30 إلى 40 مليون دولار، دون أن يكون لها ميزانيات أو هيكلة واضحة.
وقال إن المعضلة الثانية، مرتبطة بحالات نقل الملكيات والتى تأخذ الكثير من الوقت، ولو لم تتمكن من ربط المستثمر فستوجد فرص امامه.
وأضاف شوقى، أن المشكلة الثالثة، مرتبطة بحركة التغير فى رأس المال أثناء تشغيل الشركة، فإنه حال رغبة أحد المستثمرين فى التخارج، فإن المظلة الأجنبية لا تشترط المعايير الموضوعة فى السوق المصرى، مثل وجود جهات تقييم أو مستشارين ماليين أو غيرها من الأمور، ومن المفترض أن المستثمرين فى رأس المال المخاطر لديهم الوعى والدراية الكاملة بالمخاطر.
وقال شوقى، إن المبدأ المهم للتعامل مع هذا القطاع فى العالم، أن الجهات الرقابية لا تتدخل فى عمليات التقييم، ولا يوجد ما يعرف بالمستشار المالى المستقل، وهذه العناصر تحتاج وقت وتكلفة.
وبالتالى فإنه عند هذه المرحلة ينتقل الكيان القانونى إلى منصة قانونية جديدة، تكون فيه القوانين والتشريعات مرنة ومطوعة لعمل الشركات الناشئة.
أضاف: «عالمياً، يوجد عدد محدود من الدول تمكن من تفهم هذا الأمر، وأبرزها الولايات المتحدة، والتى استعدت ببيئة كاملة لهذه الشركات قبل 10 سنوات ولا يوجد منافس عالمى لها سوى هولندا، ولكن على استحياء».
وأكد شوقى، أن هناك لجنة مشكلة وبها أعضاء من شركات رأس المال المخاطر والمحاميين، برئاسة هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات «ايتيدا»، تعمل على خلق ما يعرف بالنظام البيئى الخاص بهذه الشركات ومحاولة خلق إطار عمل يتفهم طبيعتها الخاصة.
وتابع، أنه مع مرور الشركات إلى المرحلة الثالثة، والتى تصل فيها إلى مرحلة نضج معين، تكمن المشكلة فى البورصات العربية والإفريقية والخاصة بقواعد القيد والشطب، والتى لا تتماشى مع الشركات الناشئة.
وقال: «حتى لو أن الشركة موجودة فى بورصة عربية مثل الإمارات لا تقوم بالقيد فى المنطقة العربية والأفريقية، وتتجه للسوق الأميركى والذى يضع تقييمات رهيبة وكبيرة».
وأضاف أن إجراءات الإفلاس مازالت حتى الآن بطيئة جداً، خاصةً أن بعض الشركات الناشئة تواجه «الإفلاس» فى مراحلها المبكرة من النمو، وهو إجراء يجب أن يتم بشكل سريع ولحظى.
أشار إلى خضوع الشركات الناشئة مثلها مثل أى شركة فى العالم، لأكثر من قطاع رقابى، حسب طبيعة عمل كل واحدة سواء فى قطاع التكنولوجيا الصحية أو التعليمية، أو النقل، أو الزراعة، وبالتالى سيكون هناك دائماً عائق فى حال ازدوجت المعاملة مع الشركات التقليدية، إلا أنه يرى فرصة فى إنشاء وحدات داخل كل وزارة أو هيئة للتعامل مع الطبيعة الخاصة لهذه الشركات.
وضرب شوقى مثالاً بالطفرة التى حدثت فى قطاع التكنولوجيا المالية، والتى كان سبباً رئيسياً لها الرعاية الخاصة من البنك المركزى، والخطة الموضوعة للتحول الرقمى، والتى يمكن تكرارها فى العديد من الوزارات والهيئات.
وأوضح أن البداية يجب أن تكون من سؤال حول ما الذى يحتاجه الاقتصاد المصرى، سواء كان ذلك فى الموارد المائية وضبط الاستخدام، الزراعة وتقليل الاستيراد، أو نظم النقل والمواصلات، أو تطوير التعليم، ووضع هذه الأمور فى صندوق يرعى الأفكار داخل كل وزارة.
وكشف شوقى أن شركته من المتوقع أن تنفذ 3 إلى 4 صفقات تمويل خلال الشهر إلى الشهرين المقبلين، فى قطاعات الصحة والذكاء الاصطناعى والقطاع اللوجستى.
يذكر أن ماجد شوقى استحوذ على حصة على الطاهرى فى شركة «كاتليست بارتنرز» الأسبوع الماضى، وهو بنك استثمارى متخصص فى الشركات المتوسطة.
وقال شوقى إن الشركة لديها خطط للتوسع فى عمليات التمويل غير المصرفى عبر التأجير التمويلى والتخصيم لهذا القطاع من الشركات العائلية.
كما تستهدف الشركة إطلاق صندوق استثمار مباشر، على أن يتم الإغلاق المالى الأول له قبل نهاية العام، ورفض الكشف عن حجمه أو المساهمين المشاركين فيه.