من جامعي النفايات في برايتون على الساحل الجنوبي لإنجلترا إلى آلاف الموظفين الذين تركوا شركة “جون ديري” لصناعة الجرارات الأمريكية، أصبحت النزاعات على الأجور نقطة ساخنة بالنسبة للمستثمرين وصناع السياسات في ظل تعافي الاقتصادات المتقدمة من الوباء.
وفي ظل انخفاض عدد الموظفين وارتفاع أسعار الطاقة وتكاليف المعيشة، بدأ الموظفون في شن خلافات متزايدة مع أرباب العمل بشأن الأجور، إذ طلبت واحدة من أكبر النقابات العمالية في ألمانيا، هذا الشهر، زيادة في الأجور بنسبة 5.3% للتغلب على التضخم.
ويشعر البعض بالقلق من أن إمكانية تسبب ضغوط الأجور المتزايدة في إطلاق العنان لدوامة تضخمية على غرار السبعينيات تؤدي بدورها إلى ارتفاع أسعار الفائدة بشكل يقوض أسواق الأسهم، حسبما نقلت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
كما أن صندوق النقد الدولي حذر مؤخراً من أن البنوك المركزية يتعين عليها توخي الحذر الشديد من ارتفاع أسعار الطاقة والتكاليف الأخرى التي تغذي ارتفاع الأجور والأسعار الأساسية.
وثمة آخرين يرون أنها دفعة متأخرة للأجور الراكدة، وإعادة توازن الدخل تجاه العمالة بعد أعوام من ارتفاع أسعار الأصول والعوائد المرتفعة لرأس المال.
وفي ظل هذه المساعي، وعد رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، بتقديم إعفاءات ضريبية للشركات التي ترفع أجور موظفيها.
قال كارستن برزيسكي، كبير الاقتصاديين في “آي إن جي” : ” أصبح رأس المال البشري ببساطة أكثر تكلفة قليلاً”.
ويجادل برزيسكي بأنه في ظل تقاعد جيل طفرة المواليد وإعادة ربط الشركات بسلاسل الإمداد، فإن ضغوط الأجور التي كانت تتزايد بالفعل قبل انتشار الوباء ستزداد حدة.
حتى الآن، رغم ذلك، فإن الأدلة على ارتفاع الأجور لاتزال مختلطة في أحسن الأحوال، فالأجور ربما لا ترتفع على الإطلاق حتى في الدول التي تتزايد فيها الضغوط بعد أخذ التضخم في الاعتبار.
وتظهر الضغوط بشكل أوضح في الولايات المتحدة، حيث يعتبر إنفاق المستهلكين قويا. لكن القوى العاملة تقف عند حوالي 4 ملايين أقل من مستواها البالغ 165 مليون قبل الوباء، ومتوسط الدخل في الساعة يرتفع بمعدل 4.5% سنوياً.
وقال الاقتصادي في بنك “يو بي إس” والعضو السابق في مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، آلان ديتميستر، إن “الشركات ستحتاج إلى القوى العاملة لتلبية هذا الطلب وإذا لم يعد العمال فإننا سنشهد نمواً أكبر في الأجور”.
ومع ذلك، تتركز معظم مكاسب الأجور في القطاعات ذات الأجور المنخفضة، فعلى سبيل المثال، قرار أمازون بدفع 18 دولارا في الساعة كحد أدنى لموظفي المستودعات دفع أرباب العمل الكبار الآخرين إلى رفع أجورهم الأولية.
علاوة على ذلك، نمو الأجور لم يتفوق سوى على معدل تضخم أسعار المستهلكين، حيث ارتفع في الوقت الحالي إلى أكثر من 5% لمدة شهرين، وخلال العام الماضي، انخفضت الأجور بالقيمة الحقيقية.
كما أن صندوق النقد الدولي قال خلال الشهر الماضي، إن نمو الأجور في الولايات المتحدة لا يزال حتى الآن “ضمن النطاق الطبيعي”.
كذلك، تتزايد ضغوط الأجور في المملكة المتحدة، في ظل وجود نقص في سائقي الشاحنات على الصعيد الوطني الذي يعتبر مجرد مثال واضح على نقص الموظفين الذي يمتد من سلاسل الإمداد الغذائي إلى أطقم التصوير.
في أماكن أخرى من العالم، لاتزال ضغوط الأجور صامتة، حتى في القطاعات التي يكافح فيها أرباب العمل لتعيين موظفين.
في أستراليا، تنمو الوظائف الشاغرة بمعدل أسرع من الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة أو كندا، في حين أن البنك المركزي الأسترالي توصل في اجتماعه الذي عُقد في أكتوبر إلى أن نمو الأجور ظل “متواضعاً” مع عدم تأثير النقص على خطط الشركات في زيادة الأجور.
وفي اليابان، تستمر الأجور أيضاً في مقاومة سوق العمل المتشدد، فهي ظلت ثابتة على مدار 30 عاماً، لكن بيانات أغسطس الحديثة أوضحت ارتفاعها بنسبة 0.2% فقط بالقيمة الحقيقية خلال العام الماضي.
ورغم تعهد كيشيدا بزيادة الأجور، فإن المحللين يشككون في أن الكثير سيتغير في بلد يسيطر عليه الانكماش شبه الدائم.
أما بالنسبة لمنطقة اليورو، فثمة مؤشرات قليلة على ارتفاع الأجور، رغم تراجع البطالة إلى أدنى مستوياتها قبل تفشي الوباء وانخفاض عدد الأشخاص الذين يعملون ضمن برامج دعم الوظائف الحكومية.
يقول كارستن برزيسكي، كبير الاقتصاديين في “آي إن جي”، إن مكاسب الأجور ستكون موضع ترحيب بالنسبة لصناع السياسة في منطقة اليورو، لأن ذلك سيعوض الضرر الذي يقع على الدخل المتاح نتيجة ارتفاع تكاليف المعيشة، مشيراً إلى أنه “غير واقعي تماماً” أن تتناسب الزيادات في الأجور مع التضخم “على الأقل ليس هذا العام”.