أصبح التضخم المرتفع والذي يواصل الارتفاع، اتجاهاً عالمياً سريعاً، إذ يستمر الجمع بين ارتفاع تكاليف الطاقة والطلب القوي واضطرابات سلسلة الإمداد في رفع الأسعار بأكثر مما توقعه خبراء الاقتصاد قبل بضعة أشهر فقط.
وسجلت أسعار المستهلكين في كل من الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة ومنطقة اليورو ارتفاعاً في أكتوبر الماضي بأسرع وتيرة لها منذ ثلاثة عقود ، في حين وصلت معدلات التضخم في الأسواق الناشئة، ومنها تركيا والبرازيل والأرجنتين، إلى رقم مزدوج.
مع ذلك، لا يزال تضخم أسعار المستهلكين منخفضاً نسبياً في أجزاء من آسيا والمحيط الهادئ فقط، ومنها دول الصين واليابان وإندونيسيا، لكن خبراء الاقتصاد يقولون إن الاتجاه التضخمي يرتفع حتى في ظل ذلك.
قال الاقتصادي في وكالة التصنيف الائتماني “ستاندرد آند بورز”، سيلفان بروير : “بشكل عام، التضخم يتزايد في الدول التي انخفض فيها أكثر من غيرها خلال العام الماضي، ومنها الولايات المتحدة وألمانيا”، كما أنه يرتفع بسرعة خاصة في الاقتصادات الناشئة، إذ أدى انخفاض قيمة العملة إلى ارتفاع الأسعار المحلية.
وذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية أن الارتفاع التضخمي فاجأ العديد من خبراء الاقتصاد.
وفي بعض الدول- الولايات المتحدة وكندا ومنطقة اليورو والبرازيل وبيرو- تضاعفت توقعات التضخم لهذا العام في غضون بضعة أشهر فقط، بحسب شركة “كونسينس إيكونوميكس” التي تتعقب كبار المتنبئين.
قال الاقتصادي العالمي في بنك “إتش إس بي سي”، جيمس بوميروي، إن الاقتصاديين شعروا بالذهول تجاه بعض الأمور، مثل أسعار الطاقة، التي اشتهرت بصعوبة التنبؤ بها، واستمرار الطلب على السلع حتى مع إعادة فتح الاقتصادات.
ولا يزال معظم الاقتصاديين يتوقعون انخفاض التضخم العام المقبل عن المستويات الحالية،إذ يتلاشى تأثير ارتفاع الأسعار لمرة واحدة، لكنهم يتوقعون أيضاً استمرار التضخم لفترة أطول مما كان يعتقد سابقاً، وبالتالي فهم يراجعون توقعاتهم لعام 2022.
وقال الاقتصادي في بنك “باركليز”، كريستيان كيلر، إن التغييرات الأكبر في توقعات التضخم أصبحت ضرورية في جميع المناطق.
لإبقاء الأمور في نصابها الصحيح، فإن ارتفاع أسعار المستهلكين لا يقترب من المستويات التي بلغها في السبعينيات وأوائل الثمانينيات، عندما بلغ التضخم السنوي ذروته بأكثر من 15% في الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية البالغ عددها 38 دولة.
مع ذلك، فإن الاتجاه الواضح يتمثل في تأرجح تصاعدي حاد، مما سيضر بسجلات جيوب المستهلكين وقد يبطئ الانتعاش الاقتصادي.
وقالت العضوة المنتدبة لمؤسسة التصنيف الائتماني “موديز”، إلينا دوجار، إن “التضخم المرتفع سيجهد ميزانيات الأسر ويؤثر على النمو الاقتصادي”، وقد يؤدي أيضاً إلى فرض ضوابط على أسعار المواد الغذائية وزيادة الأجور بشكل إلزامي في الأسواق الناشئة.
وتعد منطقة آسيا والمحيط الهادئ هي الاستثناء الوحيد للنمط العام، ويرجع الفضل في ذلك بشكل كبير إلى ضعف الطلب المحلي والعملات المستقرة، كما أنه يتوقع ارتفاع أسعار المستهلكين ككل بنسبة تقل عن 2% خلال العام الجاري.
وفي اليابان، تشهد الأسعار ركوداً بعد انخفاضها معظم العام.
قال الاقتصادي العالمي في مؤسسة “أكسفورد إيكونوميكس”، بن ماي، إن تضخم أسعار المستهلكين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ ليس بهذه الدرجة من الارتفاع.
وهذا هو الحال حتى في الصين، حيث استوعبت الشركات ارتفاعاً بنسبة 13.5% في أسعار المنتجين بدلاً من نقل التكاليف المرتفعة إلى المستهلكين.
ومع ذلك، لا يزال عدد الدول التي تواجه معدلات تضخم مرتفعة آخذ في النمو بشكل شبه يومي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
اعتباراً من سبتمبر، من المتوقع أن يصل معدل التضخم إلى 2% أو أكثر خلال العام الحالي في حوالي ثلثي الدول والمناطق الـ 100 التي تتبعها شركة “كونسينس إيكونوميكس”، رغم أن هذه التوقعات كانت تدول حول عدد يقل عن نصف هذا المستوى قبل بضعة أشهر فقط.
وبالمثل، فإن عدد الدول المتوقع أن تشهد تضخماً مرتفعاً في العام المقبل آخذ في الارتفاع بشكل سريع.
وأشارت “فاينانشيال تايمز” إلى أن الارتفاع المفاجئ في تكاليف الطاقة يعد أحد العوامل الرئيسية التي تدفع الأسعار إلى الارتفاع بشكل عام.
في جميع أنحاء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ارتفعت أسعار الطاقة الاستهلاكية في سبتمبر بمعدل سنوي يقارب 20%، وهي أسرع وتيرة ارتفاع منذ عام 2008 وخمسة أضعاف معدل التضخم الرئيسي، وهذا بدوره أدى إلى ارتفاع الأسعار الأخرى، كما ارتفع معدل تضخم أسعار المواد الغذائية في سبتمبر بـ 1% ليصل إلى 4.5% مقارنة بالعام السابق.
لكن حتى إذا تم التخلص من تضخم أسعار الغذاء والطاقة، فإن تضخم المستهلك في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لا يزال يتضاعف إلى 3.2% خلال الفترة نفسها.
قال بوميروي، من “إتش إس بي سي”، إن “أسعار الطاقة المرتفعة تنتشر في الاقتصاد، مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف المواد الخام الأخرى ومن ثم يزيد التكاليف أيضاً”.
وثمة سؤال كبير مطروح وهو ما إذا كان الارتفاع التضخمي الحالي يثبت أنه مؤقت أم دائم بشكل أكثر؟ لكن هذا الأمر يعتمد بشكل كبير على ما إذا كان ارتفاع الأسعار يؤدي إلى زيادات غير قابلة للاستمرار في الأجور؟