نجا أكثر من 220 مليون شخص في باكستان من أسوأ الصدمات الاقتصادية الأولية لوباء كورونا، والفضل في ذلك يرجع جزئياً إلى سياسة الحكومة المتمثلة في إغلاق أقصر وأكثر مرونة.
لكنهم يواجهون الآن أزمة جديدة، إذ ارتفع التضخم إلى أسوأ مستوياته منذ أعوام، مع ارتفاع مؤشر يتتبع الضروريات اليومية، مثل الوقود والغذاء والصابون، الأسبوع الماضي فوق 18% على أساس سنوي، كما تراجعت الروبية إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق،و فقدت 15% من قيمتها مقابل الدولار في ستة أشهر.
ويخشى المسؤولون أن يؤدي ارتفاع فاتورة الاستيراد إلى استنزاف احتياطيات العملات الأجنبية وزيادة زعزعة استقرار الاقتصاد.
هذا يشكل تحدياً متزايداً بالنسبة لرئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، الذي فاز حزبه “حركة الإنصاف الباكستانية” بالسلطة في 2018 نظير التعهد بإنهاء دورات عدم الاستقرار الاقتصادي في البلاد.
وأدى ارتفاع الديون وانخفاض احتياطيات العملات الأجنبية إلى عمليات إنقاذ متكررة من مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي.
مع ذلك، وجد خان نفسه محاصراً في الأزمة ذاتها، وسعت الأحزاب المتنافسة إلى الاستفادة من ارتفاع الأسعار الأخير لإضعافه أو الإطاحة به قبل أن يقضي العامين المتبقيين من ولايته، حسبما ذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
قال بلال جيلاني، المدير التنفيذي لمؤسسة “جالوب باكستان”، إن “الآثار السياسية المترتبة على التضخم هائلة”.
وأضاف: “بالنسبة لحكومة حركة الإنصاف الباكستانية، كان الاقتصاد هو الحلقة الأضعف منذ البداية، فقد شهدت الثلاثة أعوام الماضية حالة من عدم الاستقرار، لكن الأشهر الثلاثة الماضية كانت صعبة حقاً”.
وقالت السلطات إنها تتخذ خطوات لإدارة الوضع، واتفق صندوق النقد الدولي وباكستان مؤخراً على استئناف الدفعة التالية البالغة مليار دولار من الحزمة المالية المعلقة البالغ قيمتها 6 مليارات دولار والموقعة في 2019، والتي لا تزال تنتظر الموافقة النهائية من المجلس التنفيذي للصندوق.
رفع أيضاً البنك المركزي الباكستاني الشهر الماضي سعر الفائدة القياسي 150 نقطة أساس إلى 8.75% في محاولة لقمع التضخم، مشيراً إلى أنه اتخذ خطوات أخرى مثل تحرير سعر الصرف، التي يعتقد أنها ستساعد على المدى الطويل.
مع ذلك، يعتقد بعض المحللين، مثل جيلاني، أن البنك المركزي الباكستاني واصل التدخل في سوق العملات.
قال رضا باقر، محافظ البنك المركزي ومسؤول سابق في صندوق النقد الدولي، في مقابلة مع “فاينانشيال تايمز” إن باكستان تعمل على إنهاء “دورات الازدهار والركود” التي عصفت باقتصادها.
وأضاف: “لا يمكننا أن ندع تاريخنا يسلبنا مستقبلنا. ما نحاول فعله الآن هو إظهار الانفصال عن الماضي”.
ألقت السلطات اللوم على الارتفاع العالمي في التضخم في ارتفاع الأسعار، لكن منتقدين قالوا إن مأزق باكستان هو نتاج لسوء الإدارة المحلية نفسه الذي أجبر خان- الذي قال ذات مرة إنه يفضل الموت على أن يأخذ “وعاء التسول” للقوى الأجنبية- للموافقة على خطة الإنقاذ الـ 12 من صندوق النقد الدولي المقدمة لباكستان منذ الثمانينيات.
تتوقع باكستان نمواً بنسبة تزيد عن 4% خلال العام الحالي، وفقا لوكالة التصنيف الائتماني “فيتش”، لكن الاقتصاد الأكثر سخونة يغذي أيضاً الواردات المتزايدة للسلع مثل الوقود والسيارات الجديدة.
مع عدم قدرة قطاع التصدير الباكستاني الضعيف بشكل مزمن على مواجهة الارتفاع، اتسع عجز الحساب الجاري في الربع المنتهي في سبتمبر إلى 3.4 مليار دولار، مقارنة بـ 1.9 مليار دولار في العام المالي السابق المنتهي في يوليو.
كذلك، انخفضت الروبية إلى أدنى مستوياتها القياسية بأكثر من 170 روبية مقابل الدولار، بينما آثار برنامج صندوق النقد الدولي المتعثر قلق المستثمرين، لكن حتى يستأنف الصندوق مساعداته المالية، كان على خان الموافقة على إجراءات مؤلمة مثل زيادة أسعار البنزين والكهرباء.
حذر المحللون من أن مثل هذه الخطوات غير الشعبية تخاطر بتعميق رد الفعل السياسي من خلال زيادة الضغط على الباكستانيين ذوي الدخل المنخفض والشركات الصغيرة.
وللتخفيف من وطأة الأزمة، أطلق خان مخطط بقيمة 700 مليون دولار الشهر الماضي لتوفير مواد أساسية مدعومة مثل الدقيق والبقول لملايين الأسر المؤهلة، وأشاد بالجهود التي قال إنها الأكبر على الإطلاق في البلاد وستوفر الإعانة التي تشتد الحاجة إليها، بينما يجسد هدف حكومته في إقامة دولة الرفاهية الإسلامية.
وقال خان، في خطاب ألقاه الشهر الماضي: “كل هذا حتى يمكن تحويل باكستان إلى الدولة التي كان من المفترض أن تكون عليه.. دولة تتحمل مسؤولية من تم التخلي عنهم”.