هذه أوقات مضطربة لصناعة الاتصالات فى أوروبا، ويسلط العرض المفاجئ الذى قدمته «كيه كيه آر» لشراء «تيليكوم إيطاليا»، الشركة الوطنية الحالية، الضوء على الضعف الاقتصادى للقطاع. ويؤكد التحول نحو الرقمنة الجماعية لاقتصاداتنا أنَّ القطاع أصبح أكثر أهمية من أى وقت مضى، خاصة مع زيادة الطلب على البيانات والاتصال.
وهناك اتجاه واحد، هياكل السوق الأوروبية بشكل عام تفشل فى عدد من المجالات، ويتمثل التحدى فى الفجوة الصارخة بين جرأة الأهداف الرقمية فى أوروبا وقوة التنفيذ، وتظهر رقمنة الأعمال فى جميع أنحاء الاتحاد الأوروبى تقدماً نسبته 11% العام الماضى، ونمو الخدمات العامة الرقمية بنسبة 8%، وفقاً لمؤشر الاقتصاد الرقمى والمجتمع الصادر عن المفوضية الأوروبية.
ومع ذلك، فإنَّ 2.4% فقط من الاتصالات فى أوروبا هى من الجيل الخامس، مقارنة بـ15% فى الولايات المتحدة، و30% فى الصين، وكلاهما يتسارع، إذا استمرت أوروبا فى التحرك ببطء شديد، فإنها تخاطر بأن تصبح متفرجاً على التحول العالمى.
ويجب أن توازن السياسات الجديدة الفعَّالة بين المنافسة السعرية قصيرة الأجل، واحتياجات أوروبا لزيادة الاستثمار.
أولاً، تحتاج السياسة الصناعية إلى الاستفادة القصوى من كيفية عمل شبكة الجيل الخامس وإنترنت الأشياء والبيانات والسحابة والذكاء الاصطناعى معاً، ونحن بحاجة إلى استراتيجية ذات مصداقية لتحقيق هدف العقد الرقمى المتمثل فى وجود شبكات الجيل الخامس والجيجابت فى كل مكان بحلول عام 2030، ويجب على أوروبا تحديد مجالات معينة، والتركيز عليها فى النظام البيئى الرقمى؛ حيث يمكنها ـ بشكل معقول ـ بناء قدراتها، هذا يعنى أن تكون انتقائياً، وأن ترتب أولويات مجالات الفرص.
ثانياً، نحتاج إلى أموال عامة لتسريع الرقمنة، وفتح استثمارات خاصة إضافية، وحقق مرفق التعافى والمرونة، الذى يوجه الأموال إلى التحول الرقمى والأخضر، تقدماً مثيراً للإعجاب، ويعد المخطط الإسبانى، الذى سيستخدم 3 مليارات يورو لتقديم مكافآت للشركات الصغيرة، نموذجاً ممتازاً للدول الأعضاء الأخرى.
وسيتم تخصيص أول 500 مليون يورو فى أوائل عام 2022، ولكن حتى مع هذه الأموال الإضافية، تقدر شركة «ديليوت» عجزاً بنسبة 60% من الإنفاق على البنية التحتية الرقمية المطلوبة.
ثالثاً، نحن بحاجة إلى خيارات سياسية واعية لضمان قدرة شركات الاتصالات التقنية الأوروبية على الاستثمار، ويتفتت النظام البيئى فى وقت نحتاج فيه إلى شركات ذات نطاق وموارد أكبر للاستثمار.
ويوجد بالفعل أكثر من 100 مشغل فى أوروبا بمتوسط قاعدة عملاء يبلغ 4.4 مليون، مقارنة بـ95 مليوناً فى الولايات المتحدة و400 مليون فى الصين، وهذا التجزؤ المفرط أدى إلى انخفاض الإيرادات على مدى 10 سنوات بنسبة 13%، فى حين نمت الولايات المتحدة بنسبة 30% والصين بنسبة 59%، وهناك حاجة إلى موجة من الاندماجات، مع الاحتفاظ بمنافسة البنية التحتية، لإطلاق النطاق المطلوب لدعم تسريع تطبيق تكنولوجيا الجيل الخامس فى أوروبا وتوفير المزيد من القيمة للمستهلكين.
وتتمتع الاتصالات الأوروبية بالفعل بأعلى كثافة رأسمالية من بين جميع القطاعات، ومع ذلك فهى ذات عوائد منخفضة للغاية، وتعد شبكة الجيل الخامس بمثابة تغيير لقواعد اللعبة؛ حيث تتطلب أيضاً استثمارات أكبر بكثير من الأجيال السابقة من تكنولوجيا الهاتف المحمول، ويجب أن يتكيف إطار المنافسة لدينا مع هذه التغييرات.
وأخيراً، تحتاج أوروبا إلى إعادة التفكير فى علاقتها بين عمالقة التكنولوجيا العالمية والنظام البيئى الرقمى الأوروبى، وينبغى الثناء على صانعى السياسات لمحاولتهم أخيراً معالجة قوى السوق الكبيرة غير المتكافئة، والتعامل مع دور حراس البوابة الذى يواصل عدد قليل من الشركات الرقمية تأديته على حساب الشركات الأوروبية، الكبيرة والصغيرة، ومع ذلك، هذا لا يكفى، والغالبية العظمى من حركة المرور على الإنترنت اليوم مدفوعة بعدد قليل من شركات التكنولوجيا العالمية وتتزايد كل عام.
وليس من المستدام أن يتم إنشاء أجزاء كبيرة من حركة مرور الشبكة واستثمارها من قبل شركات التكنولوجيا الكبيرة فحسب، وإنما يتطلب الأمر استثمارات كبيرة فى البنية التحتية للشبكة من شركات الاتصالات الأوروبية، كما أنه ليس من العدل أن يواجه المستهلكون خطر تباطؤ الوصول إلى الإنترنت؛ بسبب الازدحام؛ لأن هذه المنصات لا تحصل على حوافز لتحسين حركة المرور.
وتتخذ المناطق الأخرى أيضاً إجراءات، وفى كوريا، أصدرت الحكومة ما يسمى قانون «نتفلكس» لضمان دفع خدمات البث الكبيرة مقابل بعض السعة الإضافية التى فرضتها على الشبكات، وفى الولايات المتحدة، هناك مبادرات لمجموعة أوسع من الشركات للمساهمة فى التزامات الخدمة الشاملة، وأياً كان النهج، أو مزيج الأساليب، فمن الأفضل لأوروبا أن تقرر الحكومات، ولكن يمكننا أن نكون أكثر استباقية فى استكشاف الحلول التى من شأنها أن تساعد، ومع تطبيق التغييرات الصحيحة، يمكن لأوروبا أن تكون صانعة تكنولوجيا، وليس مجرد مستهلكة لها، وبدونها، سوف نتخلف أكثر.
بقلم: نيك ريد، الرئيس التنفيذى لمجموعة «فودافون»
المصدر: صحيفة «فاينانشيال تايمز»