في نهاية العام الأول من شروط التجارة الجديدة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، بدا خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ملحوظاً بشكل أكثر بسبب غياب الأحداث الدرامية على حدود بريطانيا.
كان هناك عدد قليل من الطوابير في الموانئ وقليل من التعطل الملحوظ لتدفق التجارة، لكن النشاط كان أقل بكثير مما كان متوقعاً، حتى قبل تشديد ضوابط الاستيراد المقررة للعام المقبل، خصوصا على السلع الغذائية والزراعية.
يقول الاقتصاديون إن تأثير الخروج من الاتحاد الأوروبي على الاقتصاد البريطاني ومستويات معيشة الناس بدا سلبياً .. لكنه غير مؤكد.
ويشير الاقتصاديون إلى أن النمو تضرر بالفعل من القواعد الجديدة التي بدأ تطبيقها في الأول من يناير عندما غادرت البلاد الكتلة الأوروبية بشكل رسمي.
وبمرور الوقت، يمكن أن تترك هذه الخطوة البلد في وضع أسوأ مما كان عليه لو توجه استفتاء الاتحاد الأوروبي لعام 2016 في الاتجاه الآخر، وفقاً لمكتب مسؤولية الميزانية، حسبما نقلت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
نادراً ما كان الجدل بين الاقتصاديين حول الخروج من الاتحاد الأوروبي يدور حول ما إذا كان سيحدث ضرر على النمو ومستويات المعيشة، بل بالأحرى كان يتعلق بمدى الضرر الكبير.
ولا تزال التكاليف الدقيقة غير معروفة لأن الآثار لم تكن فورية ويصعب فصلها عن تأثير أزمة فيروس كورونا، على حد قول الاقتصاديين.
ويفيد الاقتصاديون أن أحد أبسط التدابير التي يمكن إتباعها لتقييم الخروج هو فحص الأداء العام للمملكة المتحدة منذ استفتاء يونيو 2016 حتى الآن، مع الأخذ في الاعتبار حالة عدم اليقين الناتجة عن التصويت على الخروج بالإضافة إلى تجربة البلاد منذ ذلك الحين.
تخلف النمو الاقتصادي في المملكة المتحدة عن الولايات المتحدة ومنطقة اليورو، إذ كان الناتج المحلي الإجمالي البريطاني أعلى بنسبة 3.9% في الربع الثالث2021 مقارنة بالربع الثاني من عام 2016، في حين حققت منطقة اليورو نمواً بنسبة 6.2% والولايات المتحدة 10.6%.
مما لا شك فيه أن الأداء الضعيف للاقتصاد البريطاني ليس محل نزاع، لكن أسبابه قد تكون عديدة بخلاف الخروج من الاتحاد الأوروبي.
ويشعر الاقتصاديون بالقلق من أن الاختلافات في حساب مكتب الإحصاء الوطني للناتج المحلي الإجمالي تسببت في انخفاض مؤقت في رقم النمو الخاص بالمملكة المتحدة، كما أنهم قلقون أيضاً من معدلات النمو الأساسية المختلفة التي لا علاقة لها بالخروج من الاتحاد الأوروبي والتجارب المختلفة لوباء كورونا.
في ظل هذه الأسباب المربكة المحتملة للضعف الاقتصادي، حاول المحللون اتخاذ مزيد من التدابير المباشرة لتأثير الخروج من الاتحاد الأوروبي، مع التركيز على التأثير على التجارة.
قدر جون سبرينجفورد، نائب مدير مركز الإصلاح الأوروبي، الأداء التجاري المحتمل للمملكة المتحدة استناداً إلى نموذج “doppelgänger UK”- الذي يعني “شبيه المملكة المتحدة”- المستمد من أداء دول مماثلة.
وأظهر النموذج أنه اعتباراً من أكتوبر، وهو الشهر الأخير الذي تتوفر عنه البيانات، كانت واردات وصادرات المملكة المتحدة من البضائع أقل بنسبة 15.7% من المستوى الذي كان يمكن توقعه لو لم تغادر البلاد الاتحاد الجمركي للاتحاد الأوروبي والسوق الموحدة في يناير.
ويشير التحليل إلى صورة مفادها أن الخروج صعب على جانب العرض في الاقتصاد البريطاني التكيف مع إعادة فتح القطاعات بعد إنهاء حالة الإغلاق، حسبما يقول سبرينجفورد.
وأضاف أن انعدام اليقين وانخفاض قيمة الجنيه الاسترليني بعد الاستفتاء تركا الاقتصاد على مسار فقدان ما يتراوح بين 4 ـ 5% تقريباً من الدخل القومي مقارنة بالتوقعات إذا صوتت المملكة المتحدة للبقاء داخل الكتلة الأوروبية.
لم تختلف وجهة نظر الاقتصادي جوليان جيسوب في أن تأثير الخروج كان سلبياً حتى الآن بالنسبة للاقتصاد رغم تأييده للقرار، موضحاً أن تراجع التجارة سيؤدي لانخفاض النمو، لكن كيفية تأثير النشاط التجاري على الاقتصاد كانت “غير مؤكدة للغاية”.
ومع ذلك، فإن الآثار الضارة لتراجع التجارة مع الاتحاد الأوروبي ستتضاءل بمرور الوقت، حسبما قال جيسوب.
إذا كان الأداء التجاري للسلع سلبياً حتى الآن، تعتقد سارة هول، أستاذة الجغرافيا الاقتصادية بجامعة نوتنغهام، أن التأثير على قطاع الخدمات في بريطانيا يتمثل في “إعادة التركيز الجغرافي” أكثر من الخسائر الكبيرة.
وأظهر بحثها أن صادرات الخدمات البريطانية في الربع الثاني من 2021 تراجعت عالمياً بنسبة 14% عما كانت عليه قبل عامين، مما يعكس تأثير كوفيد، خاصة على السياحة.
ومع ذلك، انخفضت الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي بنسبة 30%، مما يشير إلى تضخم التأثير على الأعمال التجارية مع القارة العجوز.
وتتوقع هول أن تحاول البلاد إعادة تنظيم قطاع خدماتها بمرور الوقت ليكون مركزاً عالمياً، خصوصا في مجال التمويل، وتعتقد أن هذا لديه بعض فرص النجاح، فالنتيجة النهائية ستكون سلبية لكنها لن تكون “مروعة”.
وحذرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في ديسمبر من أن علاقة بريطانيا بالاتحاد الأوروبي مهمة لآفاقها الاقتصادية، وتدهور العلاقات بينهما قد يلقي بثقله على التوقعات الاقتصادية متوسطة المدى، وبالتالي من الضروري بذل البلاد أقصى جهدها لإصلاح علاقتها بالاتحاد الأوروبي لتقليل الضرر خصوصا أن الخروج ألحق بعض الضرر بمستويات المعيشة في البلاد.