ذاع بمصر والوطن العربى خبر اللقاء الهولجرامى بين العلامة الاقتصادى العظيم طلعت حرب، وعلماء الاقتصاد، ورواد الأعمال، وخبراء قطاع الصحة يوم الجمعة 17 ديسمبر الجارى، بمشاركة 400 فرد خلال 3 ساعات، تخللها نصف ساعة لقاء خاص بين طلعت حرب وبعض رواد الأعمال.
واعتاد المصريون على هذا النوع من اللقاءات، والتى يتم فيها تجسيد بعض من الشخصيات البارزة مع استخدام برنامج متخصص للإجابة يستخدم الذكاء الاصطناعى.
وقمت بتقديم فكرة اللقاء، وأوضحت أهمية الحوار لإصلاح صحة المصريين، خاصة أن الحماس والقناعة الشعبية والإدارة التنفيذية الواعية هى ثلاث ركائز أدت إلى نجاح العديد من المشاريع القومية الخاصة والعامة؛ الخاصة مثل أول بنك مصرى بمصر، وهو بنك مصر، والعامة تتمثل فى تمويل قناة السويس الجديدة.
وإصلاح القطاع الصحى يحتاج إلى استثمار ضخم يصل إلى 200 مليار جنيه؛ لرفع كفاءة الموجود، وتغطية 50% من الفجوة لاستكمال الوصول إلى المعدلات العالمية، فى ظل عملية من التغيير العالمى تأثرت سلباً وإيجاباً معاً بوباء «كورونا»، والذى أدى إلى إرهاق النظام الصحى كغيره من الأنظمة الصحية فى العالم.
والعمل الحقيقى لإصلاح وتطوير المنظومة سيأتى من خلال تكاتف المصريين؛ لإنجاح التأمين الصحى، والسعى نحو صحة أفضل؛ حيث نرصد إقبالاً على الاستثمار الصحى من نوع واحد، وهو الاستحواذ على كيانات قائمة وناجحة بهدف التخارج المربح والسريع، والاستثمار فى مؤسسات الرعاية الصحية أغلبه يأتى من خارج مصر.
وخلال اللقاء، قام المنظمون بإرسال استقصاء إلكترونى ذكى، يحدد نوع الأسئلة، وفق الفئة العمرية، فمن هم دون الثلاثين يرسل لهم الاستقصاء تعريفاً بطلعت حرب بكونه رائداً من رواد الأعمال واقتصادى عظيم، ومن ثم نسأل سؤالاً واحداً وهو «هل طلعت حرب يعيش بيننا»؟. أما الفئة العمرية الأكبر من الثلاثين عاماً فلهم سؤال واحد وهو «هل طلعت حرب رائد من رواد الأعمال»؟
واتفقنا ـ نحن المنظمين ـ على إعلان نتيجة الاستقصاء على الملأ، وفور ظهور طلعت حرب الهولجرامى ليرى بنفسه إجابة السؤال الفيصلى والذى يظهر هل الشعب المصرى بكل فئاته المختلفة يعرف طلعت حرب، ويكون ذلك مقدمة لتفهم قيمة ما سيقوله أثناء محاضرته الشيقة.
وظهر طلعت حرب، وهو يلبس بدلته الأنيقة، ولكننا أزلنا الطربوش؛ حتى لا يكون عقبة صورية أمام الشباب.. التصفيق حاد، والجميع متحمس لهذا الشاب صاحب الثلاثين عاماً ذى الشخصية القوية، خصوصاً بعد أن أرسلنا كل كتبه الاقتصادية مسموعة، وهو ممسك بكتابه (علاج مصر الاقتصادى) ومشروع بنك المصريين.
ظهرت نتيجة الاستقصاء صادمة لطلعت حرب؛ مجموعة الشباب، وبنسبة 99% إجاباتهم كانت «لا أعلم»، أما المجموعة الثانية وبنتيجة 80% فأجابوا بأنه «ليس رائداً من رواد الأعمال».
انفعل طلعت حرب، وقال لهم إننى فارقت حياتكم سنة 1941، وإننى أول وأهم رائد أعمال عرفته مصر والعالم حتى الآن، وعموماً دعونا نركز على موضوعنا، وهو علاج منظومة صحة المصريين.
استهل محاضرته قائلاً «الحل أسهل وأسرع مما تتخيلون، فقط اقضوا على تضارب المصالح»، ثم قال للمنظمين انتهيت من المحاضرة، وأنا فى انتظار الأسئلة.
طلب المنظمون من سيادته الاستطراد قليلاً فى الشرح، ولكنه قال أنتم تحتاجون محاضرة لكيفية استخدام عقولكم، وإلى تحليل أدق لمشاكلكم، ثم قال موجهاً كلامه للحضور: «يا سادة لقد أنشأنا بنك مصر أول بنك مصرى حقيقى مملوك لمساهمين مصريين، ويعمل به مواطنون مصريون، واستخدمنا اللغة العربية فى جميع الاتصالات كخطوة رئيسية فى تأسيس هوية اقتصادية وطنية، وهو بالضبط عكس ما تفعلون، أنتم تفقدون هويتكم، ولم تفعلوا إلا القليل لاستخدام العربية فى أعمالكم.. يا سادة لقد نشرنا فكرة إنشاء بنك مصر لأول مرة فى عام 1907 من خلال كتاب يدعو إلى تأسيس بنك وطنى بتمويل مصرى، لماذا لا تقومون بنشر كتبكم للعامة كما فعلنا نحن منذ 100 سنة، لا تبخلوا بعلمكم ولا تحبسوا الأفكار، العمل جماعى يا سادة، ولن يكون عملاً فردياً أبداً.. انظروا إلى الأموال المعطلة بالبنوك المصرية، والتى لا تستثمرونها فى أغراض تخدمكم وتخدم مصر».
وأضاف طلعت حرب: «أدعوكم لإصدار كتاب بعنوان الإصلاح الصحى المصرى ومشروع صحة الوطن، يجب أن تعرفوا أن حدودكم تصل لكامل أفريقيا وكل البلاد العربية، ونحن ومنذ 100 عام نشرنا الوعى المصرفى داخل وخارج مصر، وانتشر البنك فى جميع أنحاء البلاد، وفى عدة دول؛ منها لبنان، وسوريا، والسودان، واليمن، والسعودية.. لقد فرحتم باستخدام المصريين كعمالة، ولم تسعوا أبداً لنشر الأنظمة المصرية، وكان وما زال لديكم هذه الفرصة العظيمة، ولذلك أدعوكم لنشر كتاب آخر يحدد جغرافيا النظام الصحى، وحدود المنظومة الصحية، لقد درسنا المنظومة الاقتصادية، وبالتالى قمنا بتأسيس عدد من الشركات العاملة فى مختلف القطاعات مثل: المنسوجات، والشحن، والنشر، وصناعة الأفلام، والتأمين، وأول شركة طيران وطنية – مصر للطيران».
وتابع: «بادرنا بتنفيذ العديد من المشاريع الاقتصادية فى السعودية، ألا تعتقدون أنكم يجب أن تفكروا بنفس الطريقة وتدعوا لتأسيس العديد والعديد من المشاريع المكملة والتى تؤسس لصناعة الصحة بطريقة تضمن لها الاستدامة.. أدعوكم للاستثمار فى تدوير القمامة، فإنها أكبر مهدد لصحة المصريين، وإشهار شركات تتخصص فى صناعة السياحة العلاجية، والبرمجيات، واﻷلجوريزم الصحى، وصناعة بحوث الدواء والأجهزة الطبية.. لقد جاء بنك مصر ليغير حال الاقتصاد المصرى، فنقص المختصين بأعمال البنوك من المصريين فى ذلك الوقت لم يعِق إشهاره بهدف الوصول لإنشاء بنك مصرى يمتلكه المصريون ويديره ويعمل به المصريون.. عليكم باستجلاب العمال والعقول المدربة من كل مكان فى العالم لتحقيق الغاية، وهى تحسين صحة أكثر من مليار مواطن».
وقال طلعت حرب: «يا سادة لقد اتصف قادة بنك مصر بالولاء للهدف، وليس للأشخاص، ولهذا فإنَّ مجلس إدارة البنك كان على استعداد تام للتخلى عن منصبه للأكفأ فى إدارة البنك، وتحقيق أغراضه، وهو ما حدث عندما قدمت استقالتى للبنك فى فترة تطلبت ذلك.. إن عدم استعداد الأمة للتحول الجاد نحو الاقتصاد المتكامل، وإحجام كبار الأثرياء فى الاكتتاب بمبالغ وافرة عند البداية لم يكن ذلك من وجهة نظرى نقيصة للفكرة، بل نقطة البداية فى العمل على ما يجب أن يكون، وبما أن البلاد قد اعتادت على طريقة الاستثمار فى شراء الأراضى، وأنه من الصعب تغيير ما تم الاعتياد عليه فى يوم وليلة، فإنَّ الأمثلة الناجحة هى المفتاح الأساسى للتغيير».
وأضاف: «كما قلت لكم، بنك مصر نشأ كشركة خاصة، تعمل طبقاً لأصول أعمال البنوك، وتقدم خدمات مماثلة لهم، وتتبع معايير العمل فى البنوك من تناسب الودائع ورأس المال وأعمال الإقراض، لكنَّ المحرك الأول لهذه الأعمال هو خلق القيمة المضافة، وخلق توازن علمى بين قطاعات الأعمال المختلفة، فبدلاً من أن تمثل الزراعة أكثر من 80% من الدخل القومى الإجمالى، فإنَّ التوازن الاقتصادى تطلب التركيز على مجالات متعددة مثل الصناعة والتجارة والخدمات والترفيه والتعليم.. نعم عليكم بالتركيز على القيمة المضافة لكل ما تفعلون، فالمنظومة الصحية يجب أن تقوم على أساس الوقاية، وتحسين الصحة المستمر، ويجب أن نعى جيداً أن العلاج هو جزء بسيط من منظومة الإصلاح».
واستطرد الاقتصادى الكبير قائلاً: «دعونا نعود للمحاضرة الأصلية، والمكونة من 4 كلمات فقط – اقضوا على تضارب المصالح – فإنَّ تضارب المصالح يحول وعاء النجاح إلى مصفاة تسرب كل نجاح يتحقق وتسرب كل قيمة مضافة تتحقق.. دعونا نضرب أمثلة فجة على ما نقول؛ إنَّ وجود أنواع متنوعة من التعليم خاص وعام/ مجانى ومدعوم بنفس المعلم والذى يلعب دوره، ويقوم بخلق المصفاة بالتدريج ليوجه الأعمال لمصلحته الشخصية ونفس الشىء العلاج خاص وعام/ مجانى ومدعوم بنفس الطبيب والممرض وجميعهم وبطريقة لاإرادية يقوم، أيضاً، بصناعة المصفاة لتضمن تضخم ثرواتهم من خلال تلك المنظومة غير المتزنة.. تضارب المصالح هو السمة الرئيسية لمنظومتى التعليم والصحة، وأنا أذكرهما معاً؛ لأنهما مرتبطتان بشكل كامل.. والقضاء على تضارب المصالح يأتى من خلال منظومة جيدة تدرك كيف تقضى على تلك الثقوب، وتعلم كيف تنفذ الحوكمة السليمة بكل الأنظمة التى تنشئها».
وأضاف: «نؤمن بأن القطاع الخاص بآلاته وأدواته ومن خلال منظومة محوكمة بدقة هو الحل السحرى والضمان الأسرع لحل المنظومة الصحية والتعليمية فى مصر.. فقط عليك بالإعلان الآتى: الدولة لن تقدم بنفسها أياً من تلك الخدمات – التعليم/ الصحة- وستكتفى بالقيام بدور المنظم والحامى للسوق المثالى، والذى يسمح بالمنافسة الشريفة.. ولن تسمح الدولة بأن يتبرع الناس من أجل إشهار جمعيات أهلية تقدم خدمات صحية مباشرة، ولكنها ستسمح للجمعيات بقبول التبرعات لشراء التأمين الصحى لغير القادرين.. وسننشئ منظومة واضحة جداً والتى تتلخص فى أن الجامعات أنشئت للأبحاث، ولهذا فإنَّ العلاج الذى تقدمه يجب أن يظل ضمن منظومة البحوث بأعداد صغيرة تتوافق مع منظومة البحث العلمى.. ومنذ الآن لن يكون بالدولة إلا منظومة واحدة وهى القطاع الخاص، فلن يكون هناك من يعمل بالدولة، ويقوم بتقديم أى خدمة للجمهور، فالطبيب والممرض والمعلم لن يعملوا إلا بمكان واحد فقط لا غير، ونقصد بمكان واحد وفق التعاقد المبرم بينهما، فإذا تعاقد الطبيب للعمل فى المستشفى وكان ممن يمارسون المهنة بعيادته، فلا يجوز التعاقد إلا لاستخدام غرف العمليات وخلافه، ولا يجوز له استخدام العيادات لوجود تضارب مصالح بينه وبين المستشفى على مستوى العيادات الخارجية».
وقال طلعت حرب: «النظام الجديد لن يسمح باستخدام إلا المسميات الصادرة من النقابة، فلن يسمح باستخدام الأستاذ الدكتور بجامعة القاهرة إلا داخل الجامعة، ولن يسمح باستخدام استشارى مستشفيات الشركة إلا داخل تلك المؤسسات لسبب بسبط وهو أنهم يستخدمون علامة تجارية لا يملكونها».
وأضاف: «عندما أراجع المنظومة المصرفية لا أجد أحد الموظفين يعمل صباحا ببنك مصر ومساءً بالبنك الأهلى، نفس الشىء سنطبقه وبكل دقة فى التعليم والصحة.. يا سادة سنقوم بطرح كل المبانى والمؤسسات المملوكة لكم – القطاع العام والحكومى- للاكتتاب العام بالبورصة المصرية وللمصريين، ويتم وضع ضوابط محددة لشراء الأجانب.. إننا نطرح فكرة بسيطة ستقضى على تضارب المصالح وستوقف نزيف الأموال المهدرة وستوقف نزيف العقول المهدرة أيضاً.. الدولة ستركز على العمل على إبقاء السوق فعالاً وصحيحاً وجذاباً».
الدكتور خالد سمير
رئيس مجلس إدارة شركة «تشاور»، وكيل غرفة مقدمى الخدمات الصحية بالقطاع الخاص