مثل نظيراتها في كل مكان، كان على البنوك الإفريقية أن تتغلب على أسوأ أزمة اقتصادية في الذاكرة الحية مع انتشار وباء كورونا حول العالم.
وقد عانت القارة السمراء، ككل، من أعمق ركود لها منذ نصف قرن على الأقل، رغم أن الصورة تختلف بشكل كبير من اقتصاد إلى آخر.
إجمالاً، انخفض الناتج المحلي الإجمالي في جنوب أفريقيا ونيجيريا والمغرب وكينيا- أهم أربعة مراكز مصرفية في أفريقيا- بنحو 6% في عام 2020، مما دفع الشركات المقترضة للمعاناة من ضائقة مالية وأجبر البنوك على تشديد شروطها فيما يتعلق بالقروض المعدومة.
ومع مكافحة الدول الغربية التي تم تلقيحها بشكل كبير لمحاربة متحور أوميكرون الجديد، يبدو من المؤكد أن الاقتصادات الأفريقية – حيث معدلات التطعيم في معظم الدول أقل من 10% – ستتضرر بشكل أكبر، وستتعافى بشكل أبطأ، حسبما ذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
على عكس الدول الأكثر ثراء، حيث اشترت البنوك المركزية الديون ومولت الحكومات برامج الإجازة غير المدفوعة الأجر السخية، كان على البنوك في أفريقيا- باستثناء عدد قليل من الدول مثل المغرب وجنوب أفريقيا- أن تتحمل التبعات إلى حد كبير بمفردها.
يقول رئيس مصرف إيكوبانك، ألين نكونتشو، وهو بنك إفريقي مقره في توجو وله عمليات في 36 دولة، إن “معظم الدول الأفريقية ليس لديها مجال للتوسع من منظور نقدي ومالي كما تفعل الدول الأخرى”.
لكن رغم بيئة الاقتصاد الكلي الصعبة، يشير تحليل صادر عن شركة “ماكينزي” إلى أن متوسط عوائد الأسهم في البنوك الأفريقية صمد بشكل جيد نسبيا.
في الأسواق المتقدمة في العالم، يقول تحليل “ماكينزي” إن متوسط العائد على الأسهم سينخفض إلى أقل من 1.5% في 2021 مقابل مستويات ما قبل الأزمة عند نحو 9%.
وعلى النقيض من ذلك، انخفض العائد على أسهم البنوك في أفريقيا بصورة أكثر تواضعا وبنسبة 50%، من متوسط 14% في 2019، إلى نحو 7% في 2020.
واعتماداً على وتيرة التعافي الاقتصادي، يتوقع تحليل “ماكينزي” أن يعود العائد على أسهم البنوك الأفريقية إلى مستويات ما قبل الأزمة في غضون ثلاثة أعوام.
وبالإشارة إلى لوائح بازل المصرفية الدولية، يقول الرئيس التنفيذي لبنك “ستاندرد بنك”، سيم تشابالالا : “ليس هناك شك في أن اتفاقية بازل 3 أدت إلى ظهور بنوك أكثر صحة وقوة. وكان هذا هو الحال بالتأكيد في جنوب أفريقيا وفي القارة الأفريقية، ونتيجة لذلك، رغم حدوث صدمة هائلة بسبب الوباء، فإن البنوك خرجت منها برأسمال جيد”.
مع ذلك، فإن صراع البنوك من أجل البقاء كان على حساب الأعمال التجارية في القارة، خصوصا الصغيرة منها، التي غالباً ما تكافح من أجل الاقتراض، وحتى عندما تتمكن من ذلك، عادة ما تكون الفوائد على القروض مرتفعة بشكل كبير.
يقول كبير الاقتصاديين لأفريقيا في “سيتي بنك”، ديفيد كوان، إن “الجزء المحبط في هذا كله هو أن معظم البنوك قيدت الإقراض للقطاع الخاص واشترت سندات حكومية مع تزايد العجز.. أما فيما يتعلق بالتنمية الاقتصادية، فإنها ليست جيدة جداً”.
لكن إذا كانت البنوك التقليدية قد حصنت نفسها، فقد قام عدد كبير من شركات التكنولوجيا المالية، وهي ما تسمى بـ “البنوك الجديدة” وشركات الخدمات المالية غير التقليدية، بتوسيع نشاطها أثناء الجائحة وتسريع انتقالها إلى الخدمات القائمة عبر الإنترنت.
تعليقاً على الأمر، تقول رئيسة قسم أفريقيا جنوب الصحراء في “بنك أوف أمريكا”، إيفون أيك، إن “المشهد يتطور سريعاً”، مشيرة إلى التحولات الهيكلية التي تحفزها التكنولوجيا، إضافة إلى مقدمي خدمات الأموال عبر الهاتف المحمول والمقرضين الذين يستخدمون الخوارزميات لتوسيع الشمول المالي.
وأشارت إلى أن “التكنولوجيا في الحقيقة أهم محرك للتغيير في الخدمات المالية، فالبنوك التجارية تصارع لتحتفظ بدورها القيادي ويتحداها في ذلك مشغلو شبكات الهاتف المحمول وشركات التكنولوجيا المالية، وقد أصبحت الأمور تتطور بالتأكيد بعيدا عن النموذج المصرفي التجاري التقليدي”.