ترك ما يسمى بـ”انتعاش كل شيء” الناجم عن التحفيز المالي والنقدي الهائل، بعض الأسواق الرئيسة وراء الركب، في حين تراجع بعض الفائزين السابقين في الآونة الأخيرة، مما ترك المستثمرين يواجهون مشهداً استثمارياً أكثر تعقيداً في عام 2022.
منذ مارس 2020، أطلقت الحكومات والبنوك المركزية، حزم دعم بمليارات الدولارات لتخفيف التداعيات الاقتصادية لوباء “كوفيد-19″، مما أدى إلى انتعاش قوي وعودة قياسية للأسواق المالية، التي كانت واسعة النطاق للغاية لدرجة أن بعض المحللين والمستثمرين وصفوها بأنها حملة “انتعاش كل شيء”.
والآن، يسير مؤشر “إم إس سي آي” للأسهم العالمية في مسار تسجيل عائدات مكونة من رقمين للعام الثالث على التوالي، وهي أول ثلاثية له منذ عقدين من الزمان على الأقل.
مع ذلك، ظلت بعض فئات الأصول والأسواق بأكملها أكثر هدوءاً بشكل ملحوظ، إذ برزت أسواق الأسهم في المملكة المتحدة والأسواق الناشئة على أنها تلك التي لم تلحق بالركب إلى حد كبير.
وفي الوقت نفسه، وبينما تستعد البنوك المركزية للتخلص من بعض حوافزها لتخفيف الضغوط التضخمية، سجل عدد من الجوانب المزدهرة سابقاً أداءً سيئاً في الأسابيع الأخيرة، حسبما نقلت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
وقال رئيس استراتيجية الاستثمار في “كمبن كابيتال مانيجمنت”، نيكش باتيل، إن “فطرة انتعاش كل شيء مجرد خرافة .. إنه مفهوم خاطئ.. فالمؤشرات ترتفع لكن هذا يخفي الكثير من الأشياء تحتها، كما أن هناك الكثير من السفن الآخذة في الغرق الآن”.
وارتفع مؤشر “إم إس سي آي” لتتبع الأسهم البريطانية بنحو 13% خلال عام 2021 مقوماً بالدولار الأمريكي، متخلفاً بذلك عن مكاسب قدرها 17% لصالح مؤشر “إم إس سي آي أول كنتري وورلد”. كما أن مؤشر الولايات المتحدة ارتفع بنسبة 26% اعتباراً من 28 ديسمبر الماضي.
هذه الظاهرة ليست جديدة، فعلى مدى العقد الماضي، اكتسب مؤشر “إم إس سي أي” البريطاني ما يصل إلى 11% فقط من حيث القيمة الدولارية، وهي أقل بكثير من مكاسب قدرها 69% لصالح مؤشر “إم إس سي أي” الأوروبي، في حين أن مؤشر “إم إس سي آي” الأمريكي ارتفع بنسبة 287% خلال الفترة نفسها.
رغم أن المستثمرين زادوا بشكل متواضع من مخصصاتهم للمملكة المتحدة في شهر نوفمبر، بحسب أحدث استطلاع للرأي أجراه بنك أوف أمريكا على مديري الصناديق، فإنها لا تزال السوق الأكثر كرهاً بشكل كبير وذلك نظراً لأسباب تتراوح بين خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي وندرة الأسهم التكنولوجية سريعة النمو المتواجدة هناك.
وحتى “الأسهم القيمة” الأكثر اعتدالاً في الصناعات الأقل بريقاً يتم تداولها الآن بسعر مخفض في المملكة المتحدة، حسبما يقول روبرت باكلاند، الرئيس العالمي لاستراتيجية الأسهم في “سيتي بنك”.
وأشار باكلاند، إلى أن المملكة المتحدة أصبحت نوعاً من أسواق الأوراق المالية المحلقة الآن.
وأضاف: “إذا كنت مدير صندوق عالمي وأشعر بالارتباك تجاه الأسهم الأمريكية لأن أدائها كان جيداً للغاية ولأنها تبدو باهظة الثمن، فسأستقل طائرة من مطار جون كينيدي وأتجه إلى فرانكفورت أو هونج كونج”.
كما تعثرت أسواق الأسهم في العالم النامي بشكل سئ مؤخراً رغم البيئة الداعمة وعودة أسعار السلع الأساسية، كما أنها عانت الآن عقداً زمنياً مؤسفاً.
بدأ مؤشر “إم إس سي آي” للأسواق الناشئة عام 2021 بشكل جيد، إذ ارتفع بأكثر من 10% في الشهرين الأولين من العام، لكنه تراجع منذ ذلك الحين بسبب الإجراءات الصارمة التي فرضتها بكين على العديد من الصناعات الرئيسة .. الأمر الذي أضر بالعديد من الأسهم التي تشكل الآن شريحة كبيرة من المؤشر.
وبحلول أواخر ديسمبر، انخفض المؤشر 5% في عام 2021، الأمر الذي أدى إلى انخفاض مكاسبه على مدى عقد زمني بأكمله إلى 34%، أي أقل حتى من الارتفاع المتواضع لمؤشر “فوتسي 350” في المملكة المتحدة.
وفي السلع، كان الذهب هو الخاسر البارز، بعد أن كان واحداً من الأصول التي كان يتوقع العديد من المستثمرين أن تستفيد من سياسة البنك المركزي النشطة للغاية وتسارع التضخم.
وانخفض سعر أونصة تروي من المعدن الثمين بنحو 4% خلال العام الماضي (يوجد في الكيلو جرام الواحد 32.15 أونصة تروي تقريبًا).
حتى في الأسواق الهائجة ظاهرياً مثل الولايات المتحدة، فشلت بعض المناطق في الاستمتاع بالارتفاع، أو تراجعت في الأشهر الأخيرة ،إذ تستعد البنوك المركزية لتشديد السياسة النقدية.
بحلول منتصف ديسمبر، كان ما يقرب من ثلث الأسهم في مؤشر “ناسداك المركب” خسر أكثر من 50% من ذروته في 200 يوم، حسبما ذكر بنك “سوسيتيه جنرال”.
وفي الوقت نفسه، أسهمت 5 أسهم فقط- وهي “أبل” و “مايكروسوفت” و “إنفيديا” و “تسلا” و “ألفابت”- بأكثر من نصف عائدات مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” منذ أبريل، بحسب بنك “جولدمان ساكس”.
ويقول المحللون إن احتمال عودة الأسواق غير المحببة إلى الظهور يعتمد على ما إذا كان التضخم سيظل مرتفعاً، وكيفية استجابة البنوك المركزية للأمر.
ويوجد قليلون يعتقدون في عودة المملكة المتحدة، لكن البعض يعتقد أن الأسواق الناشئة تبدو جذابة الآن.
كذلك، يعتقد محللو الأسهم في بنك “جي بي مورجان” أن أسهم الأسواق الناشئة ستحقق عوائد بنسبة 18% في عام 2022، وذلك بفضل مزيج من نمو أرباح الشركات وتلاشي المخاوف من القمع التنظيمي الصيني وإمكانية تصاعده.
ويتفق العديد من المستثمرين مع هذا الرأي، إذ أشار استطلاع مديري الصناديق الذي أجراه “بنك أوف أمريكا” إلى أنه من المتوقع أن تحقق أسهم الأسواق الناشئة أفضل العوائد في العام المقبل.
مع ذلك، فإن الجمع بين النمو الاقتصادي الذي لا يزال قوياً والتضخم الأعلى من المعتاد وأسعار الفائدة المنخفضة يعني أن الأسهم بشكل عام لا تزال أفضل رهان، وفقاً لما تعتقده كبيرة الخبراء الاستراتيجيين في معهد بلاك روك للاستثمار، لوي لي.
وتتوقع لي، أن يكون عام 2022 عاماً “صعودياً” آخر بالنسبة للأسهم، وعاماً “هبوطياً” بالنسبة للدخل الثابت.