عادةً ما تعتمد المراكز المالية العالمية على حرية تنقل الأشخاص والأفكار، لكن هذه السياسات لا تُطبق في الوقت الراهن، كما يقول أولئك الذين يعملون في الصناعات المالية والتجارية في مدينة هونج كونج.
بدأت هونج كونج ، الخروج من عام عانت فيه من انخفاضاً سكانياً قياسياً نسبته بلغت 1.2%، أي ما يقرب من 87 ألف شخص، ووصول عدد أقل من الأشخاص ليحلوا محلهم.
ومن المرجح أن يشتد هذا النزوح مع استمرار الحجر الصحي الطويل وحظر السفر في العديد من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، إذ تم إيقاف الرحلات الجوية إلى ما بعد العام الصيني الجديد في فبراير على أقرب تقدير.
أثارت جهود بكين للحد من بعض الحريات المدنية التي تتمتع بها هونج كونج وسط احتجاجات واسعة النطاق في 2019 تساؤلات حول دورها كمركز مالي عالمي.
يقول سايمون كارتليدج، وهو محلل عاش في الإقليم لثلاثة عقود: “إذا لم تكن هونج كونج مرتبطة ببقية العالم، فإنها تفقد سبب وجودها، لكن السياسة لا تتيح للحكومة حتى التفكير في نهج أكثر واقعية”.
كذلك، تعرب الشركات الآن عن مخاوفها بشأن صعوبات الاستمرار في العمل في مدينة كانت تفتخر في السابق بسهولة الوصول إليها، حسبما ذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
ويقول مسؤول تنفيذي بريطاني في صناعة الترفيه في المدينة، والذي سيغادر المدينة مع عائلته في نهاية العام الدراسي في يونيو: “لقد أحببت هونج كونج لـ 28 عاماً، لكن حان الوقت للرحيل”.
وتابع: “أصبح من المستحيل العمل في هونج كونج إذا كنت تعمل في آسيا، لأنه يمكنك المغادرة بسهولة كافية لكن لا يمكنك العودة، وهناك أرواح شجاعة خضعت لحجرين صحيين أو ثلاثة، لكن ذلك لا يتناسب مع رجال الأعمال”.
يجادل البعض بأن هونج كونج- التي ظلت لعقود زمنية نقطة انطلاق للشركات التي تمارس الأعمال التجارية في البر الرئيسي الصيني- يعاد تشكيلها لتصبح مجرد مدينة صينية أخرى، فهم قلقون من تعجيل الوباء ونهج المدينة المتشدد تجاهه لهذا التحول.
مع ذلك، يتحدث آخرون عن الوعد بالتحول إلى مركز مالي نموذجي جديد، مركز يستمر في الازدهار باعتباره بوابة إلى البر الرئيسي الصيني، لكن مع قليل جداً من القواسم المشتركة مع نظرائه في نيويورك أو لندن.
يقول رئيس القسم الآسيوي في صندوق أمريكي عالمي كبير يعتزم البقاء في هونج كونج، إن “الناس يتحدثون عن موت هونج كونج كما نعرفها، فعندما يتغير أي أمر كبير، سواء للأفضل أو للأسوأ، فإن النسخة القديمة تموت”.
حتى المتفائلون على المدى الطويل بشأن هونج كونج يعترفون بوجود أسباب مباشرة للشعور بالقلق.
تستعد الشركات العالمية، التي عانت انهياراً كبيراً في التوظيف من خارج هونج كونج، لموجة خروج هذا الصيف.
عن ذلك، يقول الرئيس المحلي لبنك عالمي في هونج كونج: “إنني قلق بشأن القدرة على الاستمرار في العمل، فليس من المغري لأي شخص يعمل في الخارج أن يأتي إلى هونج كونج”.
وأضاف: “أدير شركة تضم عشرات الآلاف من الموظفين في المنطقة ولا يمكنني زيارة أي منهم ما لم أخضع نفسي لحجر صحي طويل. من الواضح أنه من الصعب إدارة المنطقة من المركز، بينما تغلق المدينة أبوابها أمام بقية العالم”.
وأشار إلى أن البنك الذي يعمل فيه يخسر العشرات من المغتربين والسكان المحليين الذين لديهم أسر في الخارج، مع استنزاف في المستويات العليا ضعف مثيله في العام العادي.
وتشير البيانات الحكومية إلى أن اعتمادات التأشيرات للمهنيين الأجانب انخفضت من أكثر من 40 ألف في 2019 إلى ما يزيد قليلاً عن 10 آلاف في الأشهر التسعة الأولى من 2021.
حتى قبل أن تدفع المخاوف بشأن متحور أوميكرون هونج كونج إلى إعادة التأكيد على استراتيجية صفر كوفيد وتغلق المدارس وتفرض قيود جديدة على التواصل الاجتماعي وحظر الطيران، حذر اتحاد صناعة الأوراق المالية والأسواق المالية في آسيا، وهو أكبر مجموعة ضغط مالية في آسيا، من أن نحو نصف البنوك الدولية الكبرى ومديري الأصول بالمدينة يعتقدون أن ظروف العمل ستتدهور خلال الثلاثة أعوام المقبلة.
يقول جيفري لام، وهو مستشار الرئيس التنفيذي لهونج كونج، كاري لام، إنه “لا تزال ثمة مواهب تأتي إلى هونج كونج، لكن يبدو أن هناك عدداً من الأشخاص يغادرون المدينة أكثر من ذي قبل”.
وأضاف لام: “لا أعتقد أن هذه المشكلة ستكون طويلة الأمد، فهونج كونج لا تزال مكاناً جذاباً للغاية، ويتمتع بضرائب منخفضة وبسيطة وبيئة أعمال مستقرة نسبياً مقارنة بالأماكن الأخرى، لكنني أعتقد أن الحكومة بحاجة إلى صياغة سياسات جديدة لجذب المزيد من المواهب”.
كانت مكانة هونج كونج كمركز دولي للأعمال والتمويل في خطر قبل فترة طويلة من عزلتها عن بقية العالم بسبب استراتيجيتها صفر كوفيد، فقد أدت الاضطرابات السياسية الشديدة السابقة لتفشي الوباء إلى تضخيم الجدل حول الطبيعة الكاملة لعلاقة المدينة بالصين وما تمثله للعالم الخارجي.
بعد أن سلمت بريطانيا هونج كونج إلى الصين في 1997، سمحت صيغة دنج شياو بينج “دولة واحدة ونظامان” للمدينة بالازدهار بوصفها بوابة لما سيصبح قريباً الاقتصاد الرئيسي الأسرع نمواً في العالم.
استطاع ظهور هونج كونج كمركز مالي على بوابتين مفتوحتين- إحداهما تربطها بالصين والأخرى ببقية العالم- في بناء الثقة في عدالة أنظمتها القانونية والتدفق الحر للمعلومات الذي يضعها على قدم المساواة مع لندن ونيويورك.
حتى الآن، يعتقد البعض أن المنطق القديم سيستمر وأن مستقبل هونج كونج تضمنه بكين، بينما يعتقد البعض الآخر أن هذا فشل في فهم مدى تحرك الوضع السياسي.