يبدو أن متحور “أوميكرون” الفيروسي يلحق أضراراً أقل بكثير لاقتصاد منطقة اليورو من موجات كوفيد-19 السابقة، فهذا ما أظهره تحليل أجرته صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية للبيانات عالية التردد.
يرجع الفضل في هذا التأثير الضار الضئيل إلى حد كبير إلى معدلات التلقيح المرتفعة وقدرة المجتمع المحسنة على التعايش مع الفيروس.
رغم ارتفاع معدلات الإصابة في جميع أنحاء منطقة اليورو إلى أعلى مستوياتها منذ بدء تفشي الوباء، فإن مبيعات تذاكر السينما وحجوزات الفنادق وإعلانات الوظائف وبيانات التنقل تراجعت أقل بكثير مما كانت عليه في الزيادات السابقة الناجمة عن الوباء.
في مثل هذا الوقت من العام الماضي، انخفضت زيارات المتاجر والحانات والمطاعم بأكثر من 40% إلى ما دون مستويات ما قبل الوباء.
وعلى النقيض من ذلك، انخفضت الزيارات خلال العام الحالي بأقل من نصف هذا العدد، بحسب بيانات التنقل الصادرة عن “جوجل”.
قال بيرت كولين، الخبير الاقتصادي لدى مؤسسة “أي إن جي”، إن “التأثير الاقتصادي للوباء يتلاشى مع الموجة، كما أن مستويات التنقل العالية نسبياً تعتبر إيجابية بالنسبة للنشاط الاقتصادي”.
ينعكس هذا في توقعات النمو الاقتصادي، إذ تتوقع الاقتصادية في بنك “باركليز”، سيلفيا أرداجنا، بأنه رغم “أوميكرون” ، فإن اقتصاد الكتلة الأوروبية سيواصل النمو بنحو 0.2% خلال الربع الأخير من عام 2021، ومرة أخرى في الربع الأول من عام 2022.
كذلك، تتوقع أرداجنا “نمواً قوياً في عام 2022-2023 مدفوعاً بالطلب المحلي”.
هناك أيضاً القليل من الدلائل على أن متحور “أوميكرون” قد أضر بسوق الوظائف بشكل كبير، بحسب بيانات من موقع البحث عن الوظائف “إنديد”.
وانخفضت البطالة في منطقة اليورو بالفعل في نوفمبر إلى ما دون متوسط عام 2019، أي قبل انتشار الوباء.
قال الاقتصادي في مؤسسة “بانثيون مايكروإيكونوميكس”، كلاوس فيستيسن، إن البطالة “ستنخفض إلى مستويات لم نشهدها من قبل” في منطقة اليورو، ويتوقع أن تؤدي أسواق العمل المتشددة بجانب الانتعاش الاقتصادي إلى زيادة التضخم، الذي وصل إلى مستوى قياسي مرتفع نسبته 5% في منطقة اليورو في شهر ديسمبر.
مع ذلك، فإن الارتفاع المتسارع في معدلات الإصابة بفيروس كورونا أضر بالنشاط الاقتصادي، حيث تسببت القيود في إجبار الناس على عزل أنفسهم والحد من التجمعات العامة، وقد أثر ذلك بشكل خاص على خدمات المستهلكين.
في عطلة نهاية الأسبوع الأولى من يناير الحالي، كانت عائدات السينما الأوروبية في أكبر أربعة اقتصادات في الاتحاد الأوروبي أقل بنحو 20% عن نفس الفترة من عام 2020، بحسب بيانات موقع “موجو” الإلكتروني الأمريكي الذي يتتبع مبيعات شباك التذاكر العالمية.
كذلك، كانت حجوزات المطاعم الألمانية أقل بنسبة 30% في منتصف يناير مقارنة بما كان عليه الوضع في الوقت ذاته من عام 2019.
وبالمثل، لا تزال معدلات السياحة والسفر الدولي ضعيفة، إذ انخفضت أعداد الرحلات الجوية بنسبة 35% مقارنة بمعدلات عام 2019، أي قبل انتشار الوباء.
وتراجعت حجوزات الفنادق أيضاً إلى المستويات التي شوهدت آخر مرة في ربيع عام 2021، وهذا يعد تحسناً ملحوظاً عن الوقت ذاته من عام 2020، عندما انخفضت الحجوزات أكثر من ذلك بكثير.
يقول المحللون إن أحد الاختلافات التي شهدتها موجة أوميكرون هي أن القيود- مثل تصاريح كوفيد-19 المطلوبة في دول مثل فرنسا وإيطاليا للوصول إلى أماكن الضيافة والترفيه- تستهدف بشكل كبير غير المحصنين وأولئك الذين لم يمرضوا بالفعل، وبما أن هذه الفئات تشكل أقلية، يمكن لبقية الاقتصاد أن يظل مفتوحاً.
كذلك، تتوقع الجهات المصنعة أوقاتاً أفضل.
وقال كبير الاقتصاديين في “يو.بي.إس جلوبال ويلث مانجمنت”، بول دونوفان، إنه حتى لو كانت هناك اضطرابات في الإمدادات، فإن مستويات المخزون الأعلى تعني أن المصانع يجب أن تكون قادرة على تجاوز أي نقص بسهولة أكبر من ذي قبل.
وأضاف دونوفان: “بشكل عام، من المرجح أن يكون أوميكرون أقل تخريباً من موجات الوباء السابقة، فقد تعلم الناس التكيف وهذا يقلل الضرر كثيراً”.