أواخر نوفمبر، كان الشعور السائد وكأن العالم عاد إلى الأيام الأولى للوباء من جديد، إذ تراجعت أسواق الأسهم العالمية بنسبة 5% بعد تسرب أخبار بشأن ما عُرف باسم متحور “أوميكرون”، وخشي المستثمرون إما من جولة أخرى من القيود، أو أن الناس سيغلقون على أنفسهم طواعية.
وتعززت عملات الملاذ مثل الدولار والين. كما انخفض سعر البترول بنحو 10 دولارات للبرميل، وهو نوع من الانخفاض يرتبط غالباً بركود يلوح في الأفق.
بعد مرور شهرين، بدأ التركيز على تأثير “أوميكرون” ببطء، وحتى الآن يعتبر الوضع أفضل مما كان يُخشى إلى حد كبير.
في 18 يناير، اقترب سعر برميل خام برنت من 88 دولاراً، وهو أعلى مستوى في 7 أعوام.
ورغم موجة بيع أسواق الأسهم العالمية في الأيام الأخيرة بنفس المستوى التي كانت عليه أواخر نوفمبر، فإن هذا يعكس مخاوف بشأن ارتفاع أسعار الفائدة بدلاً من مخاوف بشأن كوفيد.
أنشأ بنك “جولدمان ساكس” مؤشر أسعار أسهم الشركات الأوروبية، مثل شركات الطيران والفنادق، والذي يزدهر عندما يكون الناس قادرين على التواجد في الأماكن العامة وراغبين في ذلك. وارتفع المؤشر الذي يعد دليل جيد للقلق بشأن التأثير الاقتصادي لـ”كوفيد”، مقارنة بأسواق الأسهم الأوسع نطاقاً في الأسابيع الأخيرة.
كذلك، تدعم البيانات الاقتصادية عالية التردد، التفاؤل الحذر، حسبما ذكرت مجلة “ذي إيكونوميست” البريطانية.
ويُصدر نيكولاس ولوشكو، من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وهي مؤسسة فكرية تابعة للدول الغنية، مؤشراً أسبوعياً للناتج المحلي الإجمالي الخاص بـ 46 اقتصادا متوسط وعالي الدخل، باستخدام بيانات من نشاط بحث “جوجل” حول كل شيء، بدءاً من الإسكان والوظائف وحتى عدم اليقين الاقتصادي.
وبتكييف مؤشره مع الأوضاع الراهنة- أثبت أنه مؤشر جيد للأرقام الرسمية- نقدر أن الناتج المحلي الإجمالي عبر هذه الدول يقل حالياً بنحو 2.5% عن نسبته السابقة للوباء، وهذا أسوأ قليلاً مما كان عليه في نوفمبر، عندما كان الناتج المحلي الإجمالي أقل من الاتجاه العام بنسبة 1.6%، لكنه لا يزال أفضل بكثير مما كان عليه قبل عام، عندما كان الناتج أقل منه بنحو 5%.
تفسر بعض العوامل سبب عدم حدوث أسوأ المخاوف بشأن الاقتصاد العالمي حتى الآن، إذ يتعلق عدم اليقين الكبير بشأن متحور “أوميكرون”، بما إذا كانت الأمور السيئة تفوق الجيدة، وبالتالي ما إذا كانت هناك زيادة ضارة في حالات الدخول إلى المستشفيات والوفيات.
وحتى الآن، رغم ذلك، يبدو أن عدداً قليلاً من الحكومات بخلاف الحكومات الصينية، المتمسكة باستراتيجية عدم انتشار الفيروس، تعتقد أن القيود الصارمة على تحركات الناس مطلوبة.
أصدرت مؤسسة “يو.بي.إس” مقياسا كميا يصنف القيود العالمية من صفر إلى 10 ، ويكتشف أن متوسط الدرجة العالمية قد ارتفع من 3 إلى 3.5 في الأسابيع الأخيرة.
ودخلت دولة غنية واحدة فقط، وهي هولندا، في حالة إغلاق مناسبة، رغم ارتفاع مستوى الإغلاق جزئياً في 14 يناير.
في بداية موجة أوميكرون، كان الاقتصاديون يخشون من أن تجدد عمليات الإغلاق في أماكن التصنيع الرئيسية مثل فيتنام وماليزيا ستؤدي إلى تفاقم مواطن الخلل في العرض، لكن حكومات البلدين أبقيتا القيود أكثر مرونة حتى الآن مما كانت عليه قبل بضعة أشهر.
في الوقت نفسه، تشير حالات الإصابة الراهنة إلى أن ما يتراوح بين 5% إلى 10% تقريباً من الأمريكيين مصابون بـ”كوفيد-19″، وهو ما خلق صعوبة جديدة لم تكن موجودة مع المتغيرات السابقة، حيث يتغيب الموظفين عن العمل بشكل كبير.
ويظهر مسح للأسر أجراه مكتب الإحصاء مطلع العام الحالي أن 8.8 مليون أمريكي كانوا عاطلين عن العمل لأنهم كانوا يعتنون بشخص مصاب بكوفيد-19، أو لأنهم أصيبوا بالوباء بأنفسهم.
يصعب قياس تأثير حالات الغياب هذه على الإنتاج، لكن من المرجح أن تكون محدودة وقصيرة الأجل، خصوصا أن هناك عدة عوامل قد تعوض عن تأثيرها. فعلى سبيل المثال يمكن أن يعمل بعض المصابين من المنزل.
ويشير بحث نشره “جي.بي مورجان تشيس” مؤخراً إلى أن غياب الموظفين ربما يخفض الناتج المحلي الإجمالي البريطاني في يناير بنسبة 0.4%.
علاوة على ذلك، مع انخفاض حالات الإصابة في بريطانيا وبعض مدن الولايات المتحدة، فمن المرجح أن تتلاشى تأثيرات أوميكرون الاقتصادية سريعاً.
وتشير الدراسات الاستقصائية إلى أن الشركات ليست قلقة للغاية، وثمة دلائل قليلة على تراجع الثقة في الأعمال التجارية.
ورغم الأداء العام الأفضل من المتوقع، لا يزال التعافي الاقتصادي العالمي من عمليات الإغلاق في عام 2020 متفاوتاً، إذ تعد الفجوة بين أفضل وأسوأ أداء واسعة كما كانت من قبل.
ومع السيطرة على موجة “أوميكرون” في جنوب أفريقيا، ارتفع الناتج المحلي الإجمالي ويتماشى الآن مع اتجاه ما قبل الأزمة، كما يبدو أن الاقتصاد البريطاني يتعافى بقوة أيضاً، بينما تكافح أماكن أخرى سواء كان ذلك بسبب بطء نشر الجرعات المعززة أو انخفاض مناعة السكان أو مجرد سوء الحظ.
وبحسب مقياس منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، لا يزال الاقتصاد الإسباني واليوناني أقل بنسبة 10% بشكل مذهل مقارنة باتجاهات ما قبل الوباء.
لم يكن تأثير متحور “أوميكرون” كبيراً عندما يتعلق الأمر بإخراج التعافي من مساره، لكن بعض الأماكن لا تزال تبدو وكأنها بعيدة عن وضعها الطبيعي.