تشهد الاقتصادات الآسيوية ديناميكية قوية من شأنها تعزيز نمو إنتاجيتها ووضعها في مركز يؤهلها للتفوق على مناطق العالم الأخرى، وهو اتجاه قلل من شأنه المستثمرون المتشككون.
ومن المتوقع أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي الآسيوي خلال العامين المقبلين بشكل أسرع منه في الأمريكيتين وأوروبا، مما يعزز مكانتها كأكبر كتلة اقتصادية وأسرعها نمواً.
ويتوقع أيضاً أن يتوسع الناتج المحلي الإجمالي الآسيوي بالقيمة الاسمية من 33 تريليون دولار في 2021 إلى 39 تريليون دولار في 2023، متجاوزاً 34 تريليون دولار للأمريكيتين و26 تريليون دولار لأوروبا، وذلك بزيادة مقدارها 5.4 تريليون دولار لآسيا، مقارنة بـ 4.8 تريليون دولار للأمريكيتين و2.9 تريليون دولار لأوروبا.
هذه الديناميكية تعد نتاج تفاعل النمو في الصادرات والنفقات الرأسمالية والإنتاجية، حسبما ذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
عكس الاقتصادات الأخرى التي اعتمدت بشكل كبير على التحفيز، فإن تعافي آسيا من صدمة كوفيد-19 مدفوعاً بارتفاع حاد في الصادرات، وربما يميل المستثمرون إلى شطب هذا باعتباره انعكاساً لانتعاش النمو العالمي، لكن يمكن القول إن ما سيحدث بعد ذلك سيكون أكثر إثارة للاهتمام.
في ظل عودة أكبر منتج في العالم إلى العمل، سيتم استيعاب السعة غير المستخدمة وسترتفع ثقة الشركات، وبالتالي تعزيز الطلب على المعدات الرأسمالية.
ويجب أن يؤدي ارتفاع النفقات الرأسمالية إلى جذب المزيد من العمال إلى القوى العاملة، مما يضع الأساس لدورة الاكتفاء الذاتي.
في الواقع، تعد إنتاجية آسيا- أو الناتج المحلي الإجمالي المتزايد الناتج عن الديون الجديدة- مهيأة لتحقيق أفضل أداء منذ دورة 2003-2007. كما نما حجم التجارة العالمية بعد عام 2008 بمتوسط 1.2% فقط مقارنة بـ 6% في عقد 2000.
ودون دعم الطلب الخارجي، كان من الضروري أن يعتمد صناع السياسة الآسيويين على رفع مالي أعلى لتحفيز الطلب الكلي، وهو ما آثار حتماً مخاوف بشأن الاستقرار الكلي.
الآن، وبدعم من التجارة العالمية القوية، سيكون نمو آسيا أقل اعتماداً على التحفيز والرفع المالي، بينما ستظل الضغوط التضخمية ومخاوف الاستقرار الكلي الأخرى بعيداً.
مع ذلك، حالت ظروف فريدة دون تنفيذ ديناميكية الإنتاجية بشكل كامل.
وعادةً ما يترجم الارتفاع الحاد في الصادرات والنفقات الرأسمالية إلى نمو أقوى في الدخل والاستهلاك.
هذه المرة توقفت آلية النقل بسبب موجات الوباء المتتالية والقيود المفروضة على الاستهلاك، لكن الاقتصادات الآسيوية خارج الصين تتكيف مع الحياة مع الوباء وتتبع طريقاً لوضع الوباء وراءها.
في الصين، يمكن لمتحور أوميكرون الأكثر قابلية للانتقال أن يضع سياسة صفر كوفيد قيد الاختبار كما أنه ما زال يقيد تعافي الاستهلاك.
مع ذلك، إذا ظلت متحورات كوفيد معتدلة، يمكن لصناع السياسة الابتعاد عن التنفيذ الصارم لاستراتيجية “صفر كوفيد” بعد دورة الألعاب الأولمبية الشتوية.
رغم أن الوباء قيد نمو اقتصاد الصين، فإن العامل الأكبر في هذا الأمر كان دورة سياستها، ففي عام 2021، شددت البلاد السياسات الكلية وكثفت الإجراءات التنظيمية في مجموعة واسعة من القطاعات، كما خُفض معدل الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 10% ليصل إلى 283%، وهو أكبر انخفاض في الصين منذ عام 2003.
من الواضح أن دورة السياسة تحولت من الإفراط في التضييق إلى التيسير، بالتالي يجب على الاقتصاد الانتقال من حالة الانكماش إلى الانتعاش.
في أواخر ديسمبر، أقر كبار صناع السياسة بأن “التنمية الاقتصادية في الصين تواجه ثلاثة ضغوط، وهي انكماش الطلب وصدمة العرض وتراجع التوقعات”، مما يشير إلى أنهم سيستمرون في التراجع على جميع الجبهات.
الخطوة الأولى ستتعلق بالدفع الائتماني- وهو مقياس لنمو الائتمان بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي- فهو سيعود إلى الوضع الطبيعي المتجه نحو المنطقة المحايدة، مما يزيل الرياح المعاكسة للنمو.
أما الثانية فهي أن صناع السياسات يتخذون الآن نهجاً أكثر تنظيماً ومؤسسية على صعيد التشديد التنظيمي، وستكون التغييرات تدريجية على الأرجح من الآن فصاعداً.
في حين أن الحكومات تسعى لمعالجة عدم المساواة في الدخل، من المتوقع ألا يغيب عن بالها الحاجة إلى مواصلة الإصلاحات لتشجيع التحول نحو أنشطة ذات قيمة مضافة أعلى لاستكمال الانتقال إلى مجتمع مرتفع الدخل، لكن لن يكون هذا التحول ممكناً دون مشاركة القطاع الخاص.
ثالثاً، ستكون الإجراءات المتعلقة بإزالة الكربون والممتلكات أقل صرامة، ما يسمح بوتيرة تعديل تدريجي، وهو أمراً يجب أن يخفف من المخاوف بشأن المزيد من الإجراءات التي تلقي بثقلها على معنويات الشركات الخاصة.
وبما أن هذه التحولات تحدث في الاقتصاد الحقيقي، فمن المتوقع حدوث قفزة في النمو من الربع الثاني من 2022 فصاعداً.
في جميع أنحاء آسيا، ثمة حلقة استجابة حميدة على وشك أن تتكشف بداية من الطلب الخارجي القوي والآثار غير المباشرة الإيجابية على النفقات الرأسمالية والاستهلاك.
هذه الدورة ستشبه بشكل كبير دورة 2003-2007، إذ تلعب الإنتاجية دوراً أكبر في قصة النمو الآسيوي، مما يؤدي إلى تفوقها في الأداء.
يكمن الخطر في أن التضخم المستمر في الولايات المتحدة أدى إلى تحول حاد في مسار تشديد الاحتياطي الفيدرالي، ما يهدد استمرارية دورة العمل هذه.