لأول مرة منذ عقد على الأقل، أصبح التضخم أحد الاعتبارات العاجلة قصيرة الأجل لجميع الشركات تقريبًا فى جميع أنحاء العالم.
ويقول موقع “هارفارد بزنس ريفيو”، إنه لا أحد يعرف إلى متى ستستمر موجة التضخم الحالية، لكن استطلاعًا لخبراء الاقتصاد فى صيف عام 2021 ألمح إلى أن الاتجاه الحالى قد يستمر لسنوات. فى الآونة الأخيرة، أشار الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى إلى أن الموجة الحالية من التضخم قد لا تكون «عابرة» كما كان متوقعًا فى الأصل.
إذن، كيف يجب على المديرين أن يستجيبوا؟
يقول الموقع إن الاستجابة الكلاسيكية للتضخم هى اختيار واحد من ثلاثة خيارات غير جذابة. يمكن للمديرين أن يزعجوا عملاءهم عن طريق رفع الأسعار، أو إزعاج المستثمرين عن طريق خفض هوامش الربح، أو إزعاج الجميع عمليا عن طريق تقليص الزوايا من أجل خفض التكاليف.
فى مواجهة هذه المعضلة الثلاثية، يلجأ معظم المديرين فى النهاية إلى رفع أسعارهم، ثم يبحثون عن طرق ذكية للتخفيف من حدة المأساة اللاحقة.
ويضيف أن ما يتجاهلونه هو أن هذه الخيارات الثلاثة هى بقايا تكتيكية قصيرة النظر من عصور سابقة. فى السبعينيات، عندما سيطر «التضخم المصحوب بالركود» على الاقتصادات الكبرى، كان المديرون يفتقرون إلى التكنولوجيا والبيانات، وفى كثير من الحالات فكرة القيام بأى شيء أكثر جرأة أو أكثر استراتيجية، وعندما ضرب التضخم أثناء الركود العظيم فى 2008-2009، كان المديرون لا يزالون يرون أنفسهم مقيدين داخل نفس ثلاثية قديمة.
ما الجديد فى التضخم فى 2022 إذاً؟
يقول الموقع إن المديرين الآن يتمتعون بمستوى من الرؤية فى السوق وخفة الحركة لم يكن من الممكن أن يتخيله أسلافهم حتى قبل جيل واحد. فهم يمتلكون بيانات أفضل بكثير وأدوات أكثر تطورًا لتحليل هذه البيانات وتحويلها إلى معلومات مفيدة لدعم القرارات.
إنه وقت مثالى بالنسبة لهم للتعامل مع التضخم كفرصة استراتيجية وليس تحديًا تكتيكيًا، وللاختيار من بين مجموعة أفضل من الخيارات، بدلاً من القلق بشأن مقدار التكلفة الإضافية التى يجب أن تفرضها على عملائهم، يجب أن يخصصوا مواردهم لمعرفة كيف ولماذا يجب عليهم فرض رسوم عليهم.
ويجب على المديرين النظر فى هذه الخيارات الإستراتيجية الثلاثة، خاصة إذا استمر التضخم: إعادة ضبط وتنظيف محفظة المنتج، أو تغيير مكانة العلامة التجارية، أو استبدال نموذج السعر. هذه الخيارات ليست متعارضة، لذلك يمكن للمديرين أيضًا متابعة مجموعة منها.
ويضيف أن معظم الشركات أجرت بالفعل مناقشات داخلية حول متابعة أحد هذه الخيارات على الأقل، لأنها تجلب منافع لا علاقة لها بالتضخم. قد يكون لدى بعض الشركات خطط أولية جاهزة. يجب على هذه الشركات، على وجه الخصوص، أن تنظر إلى التضخم على أنه فرصة مثيرة لاغتنامها بدلاً من اعتبارها مشكلة غير مريحة لحلها.
ما الخيارات إذا؟
1 -إعادة تعديل المحفظة المالية وتنظيفها:
تعتمد الشركات على طرق عدة لتنفيذ هذا الخيار، ويمكنها أن تقوم بتنويع المنتجات الموجودة فعلياً، إما لخلق عروض قيمية جديدة أو تعريض العملاء لنقاط أسعار أقل للسلع والخدمات المصنفة التى يرغبون فى شرائها.
كما يمكن لمديرى الشركات أن يستفيدوا من نظريات الاقتصاد السلوكى فى تغيير فجوات الأسعار من أجل توجيه العملاء نحو عروض أكثر ربحية. ويمكن للشركات، حسب ما لديها من موارد فى مجال البحث والتطوير أو مدى مرونة طاقتها الإنتاجية، أن تقدم بدائل أقل تكلفة أو أن تقدم منتجات أعلى جودة تجعل خط الإنتاج الحالى يبدو أقل تكلفة.
وفى حال كان العملاء أكثر حساسية تجاه السعر من الكمية، فسوف يتغاضون عن تقليل الكمية بدلا من زيادة السعر. وتم الاستعانة بهذه الاستراتيجية من قبل شركات السلع الاستهلاكية المعبأة مع تزايد ضغوط التضخم فى فترات الركود الاقتصادى.
وهناك الحساسية المتعلقة بالجودة، بالنظر إلى المميزات التى يمكن أن يتنازل عنها العملاء أو يقبلونها على مستوى أقل. وفى حالة احتواء المنتج أو الخدمة على العديد من هذه الميزات، يمكن للمديرين النظر فى ما إذا كان إلغاؤها أو تعديلها يتيح فرصا لإصدارات جديدة مع ميزات أقل وبسعر أقل، والعكس صحيح. ويمكن للتغيرات الطفيفة فى الجودة أن تتيح فرصاً أوسع للدفع دون زيادة كبيرة فى التكاليف، مما يسمح للشركة بإنشاء عروض جديدة فى السوق.
2 – إعادة تقديم العلامة التجارية:
يقول الموقع إن معظم العروض السعرية فى غالب الوقت إما أن تكون مبالغا فى سعرها أو أقل من سعرها مقارنة بالقيمة التى تقدمها. وتتيح موجة الارتفاع فى معدلات التضخم الحالية لمديرى الشركات الفرصة لتصحيح هذا التفاوت وتحديد وضع منتجاتهم.
ويضيف: لنبدأ بالمنتجات المبالغ فى سعرها، فعندما تستثمر شركة ما مبالغ ضخمة فى التسويق للحفاظ على أو دعم قيمة مقترحة تراجعت بشكل كبير، فإن خفض السعر قد يكون أمرا منطقيا. ويمكن أن يحدث ذلك عندما يفقد العرض ميزته التنافسية أو عندما يكون سعره مرتفعًا جدًا منذ البداية.
وتبقى معدلات التضخم المرتفعة هذا الموقف أشد خطورة، ويمكن للشركة حل هذا الأمر من خلال تقليل نفقات التسويق وخفض السعر فى نفس الوقت لدعم الوضع الأكثر واقعية. واعتمادا على حجم هذه التغييرات، يمكن أن تؤدى مثل هذه الخطوات إلى زيادة الأرباح.
لكن الحالة الأكثر شيوعًا هى أن يكون المنتج أقل سعرًا مقارنة بالقيمة التى يستمدها العملاء، وفى هذه الحالة فإن حالة الضبابية التى تحيط التضخم، إلى جانب توقعات العملاء بأنهم قد يحتاجون إلى دفع المزيد، يوفر الفرصة لتغيير الاتصال ووضع المنتج فى مستوى أعلى من السعر. وتعتبر هذه الفرصة جيدة لاسيما عندما تعتمد الشركة على الأسعار المنخفضة كمصدر للميزة التنافسية.
3 – استبدال نموذج السعر:
تقول هارفارد بزنس ريفيو إن العديد من الشركات، المهتمة بنجاح الاشتراكات ونماذج «تقديم منتجى كخدمة»، تدرس بالفعل تبنى نماذج أسعار جديدة. والواقع أن الحاجة إلى الاستجابة السريعة مع معدلات التضخم المتزايدة تدفعها لتنفيذ هذه الخطط فى الوقت الحالى.
وأثبتت شركات فى مجموعة واسعة من الصناعات، من البرمجيات إلى التعليم إلى الرعاية الصحية والإنتاج الصناعى، خلال العقد الماضى، أن تغيير الوسيلة التى تفرض بها الشركات الرسوم على عملائها يوفر مزايا عديدة فعندما تستبدل أسعارك بدلاً من رفعها، يمكنك لفت نظر العملاء إلى نقطة سعر أقل، وعادة ما يكون السعر فى الشهر، أو الميل، أو أى وحدة استهلاك أخرى أقل كثيرا، وأكثر شفافية، ويسهل إدارته بالنسبة للعملاء من السعر الفورى للشراء. وتتماشى هذه الأسعار بشكل أفضل مع الكيفية التى ينشئ بها العملاء القيمة ويستمدونها، حيث إنهم يدفعون أموالهم حين يستهلكون أو يبتكرون شيئاً جديدا، وليس حين شراء منتجاتهم أو تخزينها.
تجنب خسارة العملاء:
من بين المساوئ التى قد تعيب مواجهة معدلات التضخم المرتفعة تحت شعار «ارفعوا أسعاركم» هو خسارة العملاء غير القادرين على تحمل التكاليف المرتفعة. ولكن هل يستحق الأمر خسارة أى عميل ما دام هذا العميل جيدا، أم أنه يستحق أن يقع ضحية لنموذج تعاملى قديم يقيد قدرته على محاولة استخدام منتجك؟
وتسمح كل من إمكانية الوصول، والاستهلاك، ونماذج الأسعار القائمة على النتائج للمزيد من العملاء بشراء واستخدام ما يحتاجون إليه منك وقت احتياجهم، بدلاً من ربط أموالهم فى أصول باهظة التكاليف أو التخلى عن مصادر الدخل التى يحتاجون إليها لتطوير منتجات أفضل.
إرضاء المستثمرين:
وغالبا ما تضحى نماذج التسعير الجديدة بأثر العائد المسبق لمبيعات التذاكر المرتفعة، ولكنها تعوض ذلك مع ارتفاع الإيرادات المتكررة على مدى عمر العميل. ويرى المستثمرون أن مثل هذه المصادر للإيرادات تعتبر أكثر جاذبية لأنها يمكن التنبؤ بها ولأنها توزع المخاطر على مستوى أوسع من العملاء.
وهذه النقطة الأخيرة هى ما يجعل من نماذج الأسعار الجديدة قراراً استراتيجياً وليس استجابة تكتيكية لمعدلات التضخم المرتفعة