مطالب بتسهيل عمليات الإقراض لجذب الاستثمارات فى القطاع الزراعى
تسعى الحكومة لتمكين القطاع الخاص فى عدد من الأنشطة الاقتصادية عبر إتاحة المزيد من المشروعات لينفذها فى القطاعات الإنتاجية والصناعية المختلفة، ومنها القطاع الزراعى.
وترصد «البورصة» فى هذا الملف رؤية الخبراء والمستثمرين المتخصصين حول تمكين القطاع الخاص من المجال الزراعى فى مصر وهو ما لاقى استحسانًا لدى بعض المستثمرين وأشاروا إلى إمكانية نقل تجربة «المطور» من القطاع الصناعى إلى الزراعى، لكن توجد مخاوف من تحول الهدف من الاستصلاح والتنمية إلى المتاجرة فى الأراضى.
ذكروا أن أغلب المساحات الزراعية فى مصر هى بالفعل تتبع القطاع الخاص، سواء المستثمرين أو المزارعين من الأفراد.
أوضحوا أن فكرة تمكين القطاع الخاص فى الزراعة مختلفة عن القطاعات الأخرى وتستلزم تسهيل عمليات الاستثمار والاقتراض والقوانين اللازمة لذلك، بما يُشجع المستثمرين الفعليين على زيادة حجم الأعمال السنوية، ويجذب مزيدًا من الاستثمارات الأجنبية بصورة تخدم القطاع وتنعكس على الاقتصاد الكلى فى النهاية».
المطور الزراعى مفهوم جديد كليًا
قال سمير النجار، رئيس شركة الوادى للتنمية الزراعية «دالتكس»، إن طرح فكرة تمكين القطاع الخاص من العملية الإنتاجية والصناعية خطوة تحسب للدولة فى الفترة الحالية، بما يُساعد على تعظيم الاستفادة من الاستثمارات وتنمية وخدمة الاقتصاد.
أوضح النجار، أن تمكين القطاع الخاص من الزراعة فى مصر، يأتى عبر طريقين، الأول، هو أن تستصلح الدولة الأراضى وتقدمها للمستثمرين جاهزة للزراعة مباشرًة، سواء بالبيع أو حق الإنتفاع لمدد طويلة، بحيث يتم ضخ الاستثمارات فى مشروع إنتاجى منذ البداية.
أضاف: أن الطريقة الثانية، أن يتم نقل تجربة المطور من القطاع الصناعى إلى القطاع الزراعى، ومن ثم استصلاح وتأهيل الأراضى من قبل مستثمرين بالقطاع الخاص وبيعها بعد ذلك إلى شركات استثمار زراعية أو حتى الأفراد».
تابع أن هذه العملية ستسهل التنمية الزراعة، وستتيح مساحات أكبر للإنتاج سواء بهدف توفير المنتجات للسوق المحلية أو التصدير».
أشار النجار، إلى تعدد أفكار التنمية بالقطاع، لكن الأهم هو العمل عليها بآليات سريعة ومنظمة بصورة تخدم القطاع والعاملين به من المستثمرين والأفراد، و بالتأكيد يحتاج القطاع الزراعى لمساحة أكبر من العمل.
ضوابط لمنع المتاجرة
انتقد بعض الخبراء فكرة اللجوء إلى المطور الزراعى لتنمية القطاع، إذ ربما تتحول إلى المتاجرة فى الأراضى.
قال جمال صيام، أستاذ الاقتصاد الزراعى بجامعة القاهرة، إن فكرة المطور قد تكون مهمة وإيجابية بالنسبة للقطاع الصناعى، لكن فى الزراعة ربما يصعب تطبيقها.
أضاف أن فكرة المطور الزراعى يمكن تطبيقها حال وضع آليات قوية تجبر المطورين على التنفيذ فى فترة زمنية محددة لا يمكن تجاوزها ، مع تقديم آليات تُساعدهم على التنفيذ، ووضع عقوبات حال المخالفة بالسحب مثلًا أو غيره بما يناسب الوضع».
وقال صيام، إن بعض المشروعات التى تنفذها الدولة فى القطاع الزراعى لا يتم نقل ملكيتها إلى القطاع الخاص من المستثمرين أو الأفراد، وبالتالى لا تزال الفرصة جيدة لحدوث ذلك، ومن ثم التفكير فى مشروعات أخرى بعدها لاستمرار عملية التنمية.
أضاف أن الدولة أيضًا نفذت مشروع استصلاح 1.5 مليون فدان تتبع شركة تنمية الريف المصرى الجديد، وتمت تجهيزات الأراضى من الآبار والطرق والبنية التحتية، بالتزامن مع بيع الأراضى للمستثمرين».
وفقًا لأخر أرقام رسمية معلنة عن المشروع، يونيو 2020، بلغت مساحة الأراضى المستصلحة فى 5 مناطق منه نحو 429.5 ألف فدان، بخلاف 480.7 ألف فدان قابلة للاستصلاح، بحسب تقرير حكومى.
بحلول يونيو 2020، تمت زراعة 34.67 ألف فدان فى غرب المنيا، و32.2 ألفًا بالمغرة، و9421 فدانًا بالطور جنوب سيناء، و475 فدانًا فى شرق سيوة، بما مجموعه 76.8 ألف فدان تقريبًا.
نشاط القطاع الخاص
أوضح أن المستثمر دائمًا يبحث عن الربح، وفى الوقت نفسه يفضل دائمًا الاستثمار الأمن، وقليلون هم من يخاطرون، وبالتالى يجب بحث سبب ضعف وتيرة المشروعات الزراعية، هل هو بسبب آليات التنفيذ أم الجدوى الاقتصادية لبعض المشروعات.
قال إن النظرة للقطاع الزراعى يجب أن تختلف، ويجب أن تعاد مراجعة كافة آليات العمل للمحافظة على موارد الدولة.
تسهيلات محسوبة
اشترط صيام لتوسيع نشاط القطاع الخاص فى النشاط الزراعى أن ينفذ ذلك عبر استراتيجية كاملة تضمن حقوق الدولة فى المشروعات، بحيث يتم تحديد العوائد على الاقتصاد بالكامل، وتتحقق مصلحة المستثمرين والدولة.
الوضع الحالى
قال هانى حسين، المدير التنفيذى للمجلس التصديرى للحاصلات الزراعية إن القطاع الزراعى معظمه مملوك للقطاع الخاص من المستثمرين والأفراد.
أوضح أنه حتى المشروعات التى تُنفذها الدولة، فالقطاع الخاص هو الذى يتولى عمليات التنفيذ ، ومنها مشروعات الدلتا الجديدة، ومستقبل مصر، وأيضًا الريف المصرى.
أضاف: «مشروع الصوب الزراعية فقط هو الذى تديره الدولة بشكل مباشر حاليًا، لكن سمحت مؤخرًًا للقطاع الخاص بالحصول على صوب بالإيجار للزراعة، وبالتالى فالمستفيد هو القطاع الخاص فى النهاية، سواء من خلال الحصول على أعمال تنفيذ المشروع، أو الإنتاج فى النهاية».
قال إن فكرة التمكين يمكن أن تنطبق أكثر على تنمية القطاع بشكل عام، ومنها إعادة النظر فى تكاليف الإنتاج الزراعى، خاصة بند الطاقة بكل عناصره، والتى تطبق حاليًا على المزارع، ويزيد تكلفة المنتجات المعدة للتصدير.
أوضح حسين، أن هامش الربح فى القطاع الزراعى ليس كبيرا، وباعتبار أن الزراعة استثمار طويل الأجل، فيجب أن تعامل معاملة خاصة بخلاف القطاعات الإنتاجية الأخرى.
القطاع الخاص صامد فى وجه الأزمات
قال على عيسى، رئيس جمعية رجال الأعمال، وأحد المستثمرين بالقطاع الزراعى، أنه رغم الأزمات والعقبات المتوالية على القطاع الزراعى، فالقطاع الخاص هو العمود الأقوى، إذ أضاف على مدار أكثر من 30 عام مضت المساحة الزراعية المنتجة حاليًا، والتى توفر احتياجات السوق المحلية والتصدير أيضًا.
أوضح عيسى، أن القطاع الخاص أضاف ما يزيد على 1.5 مليون فدان للمساحات القابلة للزراعة فى مصر، خلال العقدين الأخيرين تقريبًا، مع استخدام الأساليب الحديثة، ولولا وجود تلك المساحة لعانت مصر من نقص فى الإنتاج.
أضاف أن قصص النجاح التى قدمها القطاع الخاص فى المناطق الصحراوية كثيرة ويمكن النظر إليها ، وتوجد فرصة جيدة لتحقيق طفرة فى عمليات الاستصلاح فى الفترة المقبلة، لزيادة الرقعة الزراعية بهدف احتواء الزيادة السكانية المتواصلة.
اقتراحات لتيسير إتاحة التسهيلات الائتمانية
دائمًا ما تتحوط البنوك من تمويل النشاط الزراعى لارتفاع مخاطره بالمقارنة مع باقى النشاطات الأخرى، ومن أهمها التقلبات المناخية والبيئية، وفقًا لخبراء بالقطاع.
اعتبروا أن تدشين إدارات مختصة بالتعامل مع التمويلات الممنوحة للقطاع الزراعى بهدف دراسة البيئة المحيطة والحالة الائتمانية التى تعمل بذلك النشاط، واحدة من أهم خطوات التنميبة اللازم تنفيذها فى المرحلة الحالية.
قال على عيسى، رئيس جمعية رجال الأعمال، إن القطاع الزراعى الخاص يحتاج مزيدا من المساندة من القطاع المصرفى و الحكومة.
وفقًا للبيانات الرسمية الصادرة عن البنك المركزى المصرى، لا تتجاوز التسهيلات الائتمانية الممنوحة للقطاع الزراعى %2.2 من إجمالى التسهيلات الممنوحة لكافة القطاعات، بما يتقرب من 51 مليار جنيه فى العام المالى الأخير، وليست أغلبها قطاع خاص.
تابع عيسى أن القطاع المصرفى قد يكون على حق فى طلب الضمانات اللازمة لحماية حقوقه لدى المقترضين، لكن القطاع الزراعى له وضع خاص، ويجب التعامل معه على هذا الأساس.
أضاف أن المستثمر الزراعى لا يمكنه تقديم كافة الضمانات التى تطلبها البنوك، إذ لا توجد ضمانات عينية لذلك، فالاستصلاح دائمًا ما يكون قبل عملية التمليك من الدولة، بهدف ضمان الجدية فى الاستثمار، لكن ما الذى يمكن أن يقدمه المستثمر من ضمانات مع هذا الوضع، فالأرض غير المملوكة لا تعتد بها البنوك كضمانة».
أشار إلى أهمية أن بحث آليات حقيقية لتحفيز القطاع الزراعى على زيادة نشاطه وتسهيل الاقتراض.
تقنين التكاليف
أوضح عيسى أن تكاليف القطاع الزراعى التصديرى تزيد بوتيرة غير مسبوقة فى الفترة الحالية، وكثير منها يجب أن تتحول لخدمات ».
أضاف أن الإجراءات الحكومية لحماية الصادرات من التراجع وتثبيت المنتجات المصرية فى الأسواق الدولية لها أهميتها، لكنها مكلفة ومرهق للتنافسية».
قال عماد مهدى، رئيس مزارع الفيروز للتنمية الزراعية، إن التكاليف تتزايد بصورة شبه مستمرة على القطاع الزراعى طوال السنوات الماضية، والتوجهات العالمية لسلاسل الإمداد تنذر بارتفاعات جديدة فى المستقبل.
أوضح أن التغيرات العالمية على المستوى الزراعى كبيرة، ويجب الالتفات إليها جميعًا قبل تزايد الضغوط على المستثمرين من الشركات والأفراد محليًا، وبالتالى تأمين الاحتياجات المستقبلية من الغذاء فى وقت مبكر».
أضاف أن تسريع وتيرة التنمية، يمكن أن يخلق فرصًا أفضل فى التصدير، وهذا لن يحدث بدون تعديل تكاليف الإنتاج الزراعى بأسرع وقت».
التصنيع الزراعى يقلل الفاقد
التمكين فى القطاع الزراعى قد يعنى الاهتمام باستثمارات عناصر القيمة المضافة لمنتجات مثل الفاكهة والخضروات التى تُصدر فى شكلها الطازج، وبالتالى ستكون الفائدة أعم، وسترتفع العائدات الدولارية من القطاع الزراعى الصناعى، بخلاف فرص العمل الجديدة التى ستتاح بالسوق.
اعتبر الكثيرون من خبراء القطاع الزراعى أن تنشيط استثمارات التصنيع أحد أبرز وسائل تمكين القطاع الخاص من الزراعة فى مصر، لإحداث تنمية حقيقة على عمليات الإنتاج.
وتخسر المحاصيل الزراعية ما يزيد على 50 مليار جنيه من قيمتها السنوية بسبب الفاقد الذى يتم هدره فى 6 مراحل تبدأ بالإنتاج والحصاد حتى تصل إلى المستهلك النهائى، وفقًا لورقة بحثية صادرة عن مركز البحوث الزراعية المصرى.
وفقًا للدراسة، يأتى محصول القمح فى مقدمة المحاصيل التى تخسر على مستوى الكميات والقيمة بإجمالى 1.5 مليون طن سنويًا، تتجاوز قيمتها مليار جنيه.
وعزا خبراء الاقتصاد الزراعى الخسارة الاقتصادية على مستوى الفاقد بسبب عدم الاهتمام بعد بتطبيق المواصفات ومعايير الجودة الخاصة بالمحاصيل، بخلاف عدم استخدام التكنولوجيا الحديثة لتقليل نسبة الفاقد فى أبرز المحاصيل وهى القمح والأرز مثلًا.
وفقًا لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، قفزت نسبة الفاقد فى محاصيل الحبوب المصرية بنحو %50 خلال الفترة بين 2014 و2018، لتصعد إلى 6.611 مليون طن مقابل 4.338 مليونًا فى 2014.
قال محمود بسيونى، مدير عام غرفة الصناعات الغذائية، إن عمليات تصنيع المحاصيل الزراعية فى مصر بشكل عام لا تتجاوز %10 من حجمها الكامل، وهى نسبة ضعيفة جدًا مقابل إمكانات مصر الزراعية والتصنيعية.
أوضح: «الفاقد حال المحافظة عليه، يمكن أن يُستخدم فى عمليات التصنيع الزراعى، ما يدر عوائد اقتصادية بدلًا من تصدير المنتجات فى شكلها الخام».
يفيد التصنيع الزراعى كذلك فى تقليل الفاقد من المنتجات ويسمح بتفعيل إيجابى لمنظومة التعاقدات الزراعية، ما يدعم ارتفاع عائدات الفلاحين، وبالتالى اهتمام أكثر بالعملية الإنتاجية، وأيضًا تشجيع الاستثمار الزراعى واستصلاح أراض جديدة توفر فرص عمل وترفع من حجم الصادرات.
قال أشرف الغنام، خبير زراعى، إن عمليات التصنيع الزراعى تمثل نشاطًا مُكملًا للزراعة، وتنميته تحتاج للتنسيق والتكامل بين سياسات الإنتاج والتصنيع والتصدير ووضع آليات لخلق علاقات بين منشآت التصنيع الزراعى والمستثمرين الزراعيين.
أوضح أن التكامل يسمح بتحقيق فوائد اقتصادية عدة، أبرزها تدوير المخلفات الزراعية مثل قش الأرز ومخلفات المحاصيل والحيوانات فى صناعات الأعلاف والأسمدة وتصنيع الورق والخشب».
كما يسمح بإيجاد صناعة حقيقية فى القطاع، ويسهم التصنيع الزراعى فى إدخال الصناعات العشوائية العاملة فى مجال الصناعات الغذائية بمنظومة الاقتصاد الرسمى حيث يساعدها على تطوير نفسها.
أضاف أن ضعف عمليات التصنيع الزراعى يفوت فرصًا كثيرة على الاقتصاد، خاصة فى محاصيل مثل القطن التى يتم تصدير أكثر من %90 سنويًا منها فى صورتها الخام، والتى يمكن أن تدخل فى 3 صناعات مختلفة هى الزيوت والملابس والأعلاف».