يتعرض بعض أكبر شركات البترول وتجار السلع الأساسية في العالم لخطر تعطيل عملياتهم التجارية الواسعة في روسيا إذا فرض الغرب عقوبات “غير مسبوقة” ضد موسكو بسبب أي غزو لأوكرانيا.
وشددت الولايات المتحدة على الإجراءات التي من شأنها أن تستهدف القطاع المالي الروسي وأعضاء الدائرة المقربة من الرئيس فلاديمير بوتين، بدلاً من العقوبات التي من شأنها أن تعطل بشكل مباشر إمدادات البترول والغاز الروسي إلى أوروبا، وربما تدفع أسعار الطاقة المرتفعة بالفعل إلى الارتفاع بشكل أكبر.
مع ذلك، فإن تهديد مجموعة الدول السبع بفرض عقوبات مالية واقتصادية على “مجموعة واسعة من الأهداف القطاعية والفردية” يمكن أن يلحق الضرر بشركات البترول مثل “بريتش بتروليوم” و”شل” و”إكسون موبيل”، وتجار السلع مثل “جلينكور” و”فيتول” و”ترافيجورا”، وجميعهم لديهم علاقات عمل مهمة في البلاد.
قالت ليفيا باجي، رئيسة قسم المخاطر السياسية في شركة “جي.بي.دبليو” للاستشارات، إن “العقوبات المكثفة ستكون إشكالية حقاً بالنسبة لقطاع الطاقة، حتى لو لم تستهدف الصادرات بشكل مباشر”.
تمتلك شركة “بريتيش بتروليوم” نحو خُمس شركة “روسنفت”، أكبر منتج للبترول في روسيا، بينما تسيطر “شل” المنافسة المدرجة في المملكة المتحدة على 27.5% من مشروع الغاز البحري الضخم “سخالين-2” التابع لشركة “غازبروم” في أقصى شرق روسيا، وتعمل “إكسون” في روسيا منذ 25 عاماً وتنتج البترول والغاز في شرق روسيا منذ عام 2005 في شراكة تضم شركتين تابعتين لشركة “روسنفت”.
كذلك، تمتلك “ترافيجورا”و”فيتول” حصص في مشروع بترول القطب الشمالي المثير للجدل الذي تديره “روسنفت”، وهما من كبار تجار البترول الروسي، وترفع شركة “جانفور” ومقرها جنيف الخام الروسي، بينما تمتلك “جلينكور” 10.55% من “إي.إن+”، وهي مجموعة الطاقة الكهرومائية والمعادن كان يسيطر عليها في السابق الأوليغارشي الروسي أوليج ديريباسكا، بالإضافة إلى حصة صغيرة في “روسنفت”.
تشير صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية إلى أن منتج البترول المدعوم من الدولة يخضع لعقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منذ عام 2014، عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم من أوكرانيا.
لقد صُممت هذه التدابير لضمان استمرار قدرة “روسنفت” على تصدير البترول والغاز، لكن مع إعاقة نموها المستقبلي، وحدث ذلك من خلال منع وصول منتجي الطاقة إلى التمويل الغربي ذي أجل الاستحقاق الأطول من 90 يوماً، وحصوله على تكنولوجيا وموظفين لازمين لأنشطة استكشاف معينة، كذلك استهدف إيجور سيتشين، الرئيس التنفيذي لـ “روسنفت”، بعقوبات فردية تمنع المواطنين أو الكيانات الأمريكية من التعامل معه.
نتيجة لذلك، كانت شركة “بريتيش بتروليوم”، على سبيل المثال، لاتزال قادرة على جمع 2.4 مليار دولار من أرباح أسهم “روسنفت” خلال العام الماضي، كما استمر الرئيس التنفيذي برنارد لوني في التواجد ضمن أعضاء مجلس إدارة “روسنفت”.
قال بريان أوتول، الخبير السابق في العقوبات في مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية، إن توجه أي عقوبات جديدة متعلقة بالطاقة من المرجح أن يكون مماثلاً، بينما يعد “أي عقوبات كبيرة على غاز بروم وروسنفت من شأنها التأثير على الإمداد الحالي” أمراً غير مرجحاً.
وأوضح أنه بدلاً من ذلك، ربما تستهدف العقوبات البنية التحتية المتوسطة مثل خطوط الأنابيب أو الأعمال التجارية النهائية مثل المؤسسات التجارية الروسية، مضيفاً أن “أشياء من هذا القبيل قد تكون أكثر قبولاً وقد لا يكون لها تأثير على الإنتاج الحالي، لكنها سترسل رسالة مفادها أن قطاع الطاقة لا يمكن المساس به تماماً”.
وأشار الرئيس الأمريكي جو بايدن الأسبوع الماضي، إلى أن أشد العقوبات قد تستهدف أكبر المؤسسات المالية في روسيا، كما قال أوتول إن مثل هذه الإجراءات- مثل منع روسيا من التعامل مع شبكة المدفوعات الدولية “سويفت”- لن يمنع الشركات الغربية على الأرجح من أخذ أو سداد مدفوعات لإمدادات الطاقة، لكنها ستجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لمجموعات مثل “بريتيش بتروليوم” أو “شل”.
قالت هيليما كروفت، الرئيس العالمي لاستراتيجية السلع الأساسية في “أر.بي.سي كابيتال ماركتس”، إن إدارة بايدن واصلت التأكيد على أنها لن تستهدف صادرات الطاقة الروسية بشكل مباشر، لكن بعض الإجراءات قيد الدراسة قد تجعل الأمر صعباً بالنسبة لشركات البترول الدولية.
وأضافت في مذكرة: “من الواضح أن هذه الإجراءات ليست على رأس قائمة التنفيذ لكن يمكن إدراجها في الجولة الثانية أو الثالثة من العقوبات”، وامتنعت “بريتش بتروليوم” و”شل” و”إكسون” عن التعليق، كما رفضت شركات “ترافيجورا” و”فيتول” و”جلينكور” و”جونفور” التعليق أيضاً.
قال الرئيس التنفيذي لوني، في مقابلة مع “فاينانشيال تايمز” مؤخراً، إن “بريتش بتروليوم” لن تقلق بشأن العقوبات الجديدة إلا في حال حدوثها، مضيفاً “دعونا نرى ما سيحدث، هناك عقوبات اليوم، ونحن نمتثل للعقوبات وسنواصل القيام بذلك”.
في الوقت نفسه، حذر وزير المالية الألماني كريستيان ليندنر مؤخراً من أن الكرملين قد ينتقم من خلال تقليص أو حتى إيقاف تدفقات الغاز إلى أوروبا، حيث تحصل أوروبا على نحو 40% من غازها من روسيا، وجدير بالذكر أن روسيا ثالث أكبر منتج للبترول في العالم، بعد الولايات المتحدة والسعودية، إذ ضخت نحو 10 ملايين برميل يومياً العام الماضي، أي 10% تقريباً من الإنتاج العالمي.