لطالما عرف المستثمرون أن قراراتهم التجارية لها تأثير اجتماعي وبيئي، لكن لم يكن ثمة دليل كاف لقياس ذلك، بل إنه كان أشبه بميزة هامشية.
ومع زيادة الوعي ومزيد من الأدلة العملية وتحول تصورات العلامة التجارية والظهور الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي، فإن مزيدا من المستثمرين، سواء الكبار أو الصغار، يولون اهتماماً متزايداً للمخاطر البيئية والاجتماعية والحوكمة، ويستثمرون بقصد إحداث تأثير.
في آسيا، فإن التطورات المثيرة في سوق الاستثمار المؤثر تتيح فرصا هائلة للمستثمرين لاستثمار أموالهم في معتقداتهم، ما يساعد على مواجهة بعض أكبر التحديات في عصرنا.
في الوقت الحالي، تُدار ثلث الأصول العالمية تقريباً بما يتماشى مع مبادئ الأمم المتحدة للاستثمار المسئول، وهي الإطار الرائد للاستثمار البيئي والاجتماعي والحوكمة.
وتشير إلى أن الوباء وأزمة المناخ، مع تداعيات واسعة النطاق لآسيا، حفزوا الاهتمام بالاستثمار في مجال الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية، حيث ستستمر آسيا في رؤية مخاطر مناخية متزايدة مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية، فضلاً عن أنها تقترب من الإسراع في العمل المناخي.
تبحث المؤسسات المالية في آسيا، كما هو الحال في أي مكان آخر، في التأثيرات المناخية لمحافظها الاستثمارية، ليس فقط لتقليل تعرضها لمخاطر المناخ، بل أيضاً لوضع العالم على المسار الصحيح للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية.
على مدى العامين الماضيين، ارتفع عدد المستثمرين الآسيويين الذين يولون اهتماماً للممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة من 21% إلى 46%، لكن لا يزال لدينا طريق طويل لنقطعه.
مع ازدياد وتيرة الاستثمار في الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، من المهم التأكد من أننا لا نركز فقط على إدارة المخاطر التي قد تؤثر على العوائد المالية للمحفظة، بل أيضاً على تحقيق تأثير إيجابي.
تقدر مؤسسة التمويل الدولية أن هناك 2.3 تريليون دولار تُستثمر مع تفويض تحقيق تأثير إيجابي اعتباراً من عام 2020، وتأتي شرق وجنوب شرق آسيا ضمن المناطق الأسرع نمواً لمثل هذه الاستثمارات، حيث نمت بنسبة 23%.
من المتوقع أن يركز مزيد من المستثمرين على المنطقة خلال الأعوام الخمسة المقبلة، بحسب استطلاع للمستثمرين أجرته شبكة “جلوبال إمباكت إنفستنج”.
وأنشأت الهند وكوريا الجنوبية واليابان، على سبيل المثال، عدد متزايد من الصناديق المؤثرة أثناء إنشاء المجالس الاستشارية الوطنية للاستثمار المؤثر.
كما أعلنت مجموعة من المؤسسات المالية اليابانية الرائدة مؤخراً عن تشكيل مبادرة التمويل المدفوع بالتأثير، مما يشير إلى مسار واثق من الاستثمار المؤثر.
في عام 2021، شهدنا أيضاً إصدار شركة “سيمبكورب” لأول سند مرتبط بالاستدامة في سنغافورة، جنباً إلى جنب مع مؤسسة التمويل الدولية كمستثمر رئيسي.
رغم أن 2.3 تريليون دولار تعد رقما كبيرا، فإننا نقدر أن شهية المستثمرين المؤثرين على الصعيد العالمي أكبر بكثير، فهي تصل إلى 26 تريليون دولار، أو حوالي 10% من أسواق رأس المال العالمية، ويتركز معظم هذا الحماس على الاستثمارات التي تقدم عوائد مالية وتأثيرات إيجابية على حد سواء، ويمكن للاستثمارات على هذا النطاق المساهمة بشكل كبير في معالجة تغير المناخ وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
في الوقت نفسه، تعد صناديق المعاشات التقاعدية أحد مجموعات الأصول الأسرع نمواً في آسيا، فقد كانت تنمو في كوريا الجنوبية بمعدل 12.4% سنوياً، وفي الصين بمتوسط 17% سنوياً.
أما في الهند وهونج كونج وكوريا الجنوبية واليابان، تقدر أصول صناديق التقاعد بمبلغ 184 مليار دولار و199 مليار دولار و936 مليار دولار و3.6 تريليون دولار على التوالي.
تبحث هذه الصناديق بشكل متزايد عن فرص للاستثمار للتأثير دون التضحية بالعوائد المالية للمستفيدين منها، ويقدم المزيد من مديري الأصول الكبار صناديق استثمار مؤثرة على نطاق واسع، مما يمكنهم من فعل ذلك.
تتناسب الطبيعة طويلة الأجل لهذه الأدوات الاستثمارية بشكل جيد مع القطاعات والاستثمارات المستهدفة التي يمكن أن يكون لها تأثير أكبر.
بدأ عدد متزايد من المستثمرين أصحاب الثروات الكبيرة في آسيا، والذين يبلغ إجمالي ثروتهم الحالية 15.4 تريليون دولار، في إظهار الاهتمام بهذا التأثير.
كما أن المناطق الثلاث، آسيا باستثناء اليابان وأمريكا الشمالية وأوروبا الغربية، تعد مصادر الثروة المالية الرائدة وستشكل 87% من نمو الثروة المالية الجديدة حول العالم من الآن وحتى عام 2025، ويسعى العديد من هؤلاء المستثمرين، الذين يتمتعون بالأمان المالي، إلى فرص لاستخدام ثرواتهم لجعل العالم مكاناً أفضل.
حتى الآن ، تبنت 152 مؤسسة من 37 دولة تدير أكثر من 420 مليار دولار من الأصول المؤثرة مبادئ التأثير، وتمثل الأرقام أكثر من نصف الأصول المقدرة ذات التأثير الخاضع للإدارة حول العالم، مما يساهم في معالجة بعض أكبر التحديات مثل تغير المناخ والفقر وعدم المساواة والبطالة.
كما تضم الدول الموقعة عدة دول من جميع أنحاء آسيا بما في ذلك الهند واليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة.