على مدى 30 عاماً، التزم مالك خمسة متاجر فى منطقتى نيريما وسوجينامى بطوكيو، واسمه طوكيو أكيبا، بشعار «تزويد العملاء بطعام لذيذ وطازج بسعر منخفض»، لكن هذه الفلسفة تُختبر الآن فى ظل ارتفاع التكاليف؛ بسبب اضطرابات سلسلة الإمداد، وحرب أوكرانيا، والطلب المكبوت الناجم عن الوباء المستمر منذ عامين.
قال «أكيبا»: «ندفع الآن تكلفة إضافية قدرها مليون ين (8300 دولار) شهرياً»، أى ما يعادل زيادة بنسبة 2$، بينما تبلغ الإيرادات الشهرية حوالى 300 مليون ين.
يدفع الرجل، ذو الـ53 عاماً، مزيداً من المال مقابل البنزين لتشغيل شاحناته العشرين، وترتفع فواتير الكهرباء والغاز بحدة، وترتفع تكلفة العمالة مع انخفاض عدد السكان فى سن العمل فى اليابان، فضلاً عن أن كورونا يصعب الاستمرار فى العمل بشكل طبيعى، وتواصل أسعار المواد الغذائية بالجملة الارتفاع مع ارتفاع أسعار اللوجيستيات والتكاليف الأخرى، وبالتالى يستعد أكيبا لمواجهة تضخم فى جميع المجالات.
قال أكيبا إن «تكاليف الغذاء ترهق بالفعل ميزانيات الأسرة والمستهلكون حساسون للغاية للأسعار. لدينا تكلفة إضافية تبلغ 12 مليون ين سنوياً، لكن من ناحية أخرى لا يمكننا تمرير التكاليف للمستهلكين، ولا يمكننا خفض الأرباح لتغطية التكاليف المتزايدة، وبالتالى ليست هناك نهاية فى الأفق».
كانت التكاليف ترتفع بالفعل قبل الغزو الروسى لأوكرانيا، لكن الشركات والأسر فى آسيا تواجه الآن ضغوطا أكبر، وفقاً لمجلة «نيكاى آسيا ريفيو» اليابانية.
ففى ظل ضعف العملات الآسيوية مقابل الدولار الأمريكى ورفع البنوك المركزية لأسعار الفائدة، تواجه المنطقة- محرك نمو الاستهلاك العالمي- أزمة تكلفة المعيشة، وبينما يعانى الآسيويون لتغطية نفقاتهم، قد يواجه القادة المقرر إعادة انتخابهم العام المقبل غضب شعوبهم.
قال الأستاذ بكلية الاقتصاد بجامعة كانساى فى أوساكا، كينتا جوتو، إن «ارتفاع تكلفة المعيشة المتزامن مع ضعف العملات الآسيوية، بينما ترفع الولايات المتحدة أسعار الفائدة، يمكن أن يوقف نمو اقتصاد المنطقة. إذا ارتفع التضخم أكثر وانخفضت الدخول الحقيقية للأفراد، فستتضرر القوة الشرائية فى آسيا».
ورفعت بعض الشركات الأسعار بالفعل، فعلى سبيل المثال شركة «كومفورت ديلجرو»، أكبر شركة سيارات أجرة بسنغافورة، رفعت الأسعار فى مارس الماضى لأول مرة منذ عقد، بحجة ارتفاع أسعار الوقود بنسبة 10%.
فى تايلاند، قالت شركة «ثاى بريسدنت فودز»، إنها سترفع سعر التجزئة بنسبة 9% إلى 6.00 بات (0.18 دولار) لكل عبوة معكرونة سريعة التحضير سعتها 90 جرام.
وبالمثل، تمرر سلاسل القهوة التايوانية التكاليف للمستهلكين، فقد رفعت سلسلة «لويزا كوفي» أسعار 40 منتجا، بينما سيرفع «كاما كوفي» الأسعار لأول مرة منذ خمسة أعوام، كما أثر التضخم على المنتجات من ورق التواليت إلى الدجاج المقلى وشاى الفقاعات.
يمكن رؤية هذا بالفعل فى مؤشرات أسعار المستهلك، فقد قفز التضخم التايلاندى السنوى بنسبة 5.28% فى فبراير، وهو أعلى رقم فى 13 عاماً، بينما بلغ 2.36% فى تايوان فى فبراير، وبالتالى فإنه أعلى من 2% المستهدفة.
أشار حوالى 94% من اقتصادى القطاع الخاص بسنغافورة، المشاركين باستطلاع أجراه البنك المركزى فى فبراير، إلى التضخم باعتباره الخطر الأكبر على الاقتصاد، بارتفاع من 56% فى استطلاع ديسمبر.
وحذر وزير التجارة والصناعة جان كيم يونج من أن ارتفاع فواتير الكهرباء «ستؤثر بلا شك على السنغافوريين».آثارت الارتفاعات الحادة قلق بعض المواطنين، إذ أظهر استطلاع أجراه مكتب مجلس الوزراء اليابانى فى فبراير أن 92% من المستطلعين يتوقعون زيادة تكاليف المعيشة العام المقبل.
قال ريوتارو كونو، كبير الاقتصاديين فى بنك «بي.إن.بى باريبا» باليابان، إن الشركات اليابانية عادةً ما تضحى بالأرباح لامتصاص ارتفاع التكاليف، لكن إذا كان التضخم لا هوادة فيه، فقد يضطروا لفرض مزيد من الرسوم على المستهلكين.كان توقيت الغزو الروسى لأوكرانيا سيئاً، فقد جاء تماماً مع خروج الاقتصادات من الوباء.
تعد روسيا مُصدراً رئيسياً للأسمدة مثل نترات البوتاسيوم والأمونيوم، بينما تعد أوكرانيا مورداً رئيسياً للذرة والقمح، لكن بعد الغزو أصبحت هناك مخاوف بشأن إمدادات الغذاء على المدى الطويل وبشأن الأسعار أيضاً.
حذر أكيو شيباتا، رئيس معهد أبحاث الموارد الطبيعية باليابان، من أن تعطل إمدادات الأسمدة قد يهدد إنتاج الأرز ويثير الاضطرابات، مضيفاً أن «الغذاء عامل استقرار للمجتمع، ومن المهم بشكل خاص للحكومات فى الدول النامية أن يظل سعره ثابتاً.. ففى آسيا يعد الأرز عنصرا سياسيا، وقد يؤدى نقصه للإطاحة بالنظام».
تسعى بعض الحكومات الآسيوية جاهدة للحد من التضخم خوفاً من التداعيات السياسية.كذلك، يقول بعض الاقتصاديين إن آسيا لا تواجه أزمة بعد، لكنهم لا يستبعدون زيادة الضغوط التضخمية.
قال كينسوكى تاناكا، رئيس مكتب آسيا بمنظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، إن «الوضع قد يتغير، وقد يكون هناك مزيد من الضغوط. نحن نعيش فى حالة عدم اليقين كبيرة».
كما قال إرفان قريشي، الاقتصادى ببنك التنمية الآسيوي، إن التضخم المتزايد فى المنطقة لا يزال تحت السيطرة، لكن من المهم أن تراقب البنوك المركزية فى المنطقة وضع التضخم فيها عن كثب وألا تتخلف عن المنحنى، حيث يؤثر التضخم المرتفع والمطول على الفقراء بشكل أكبر، وقد يؤدى بالتالى إلى تفاقم عدم المساواة والتوترات الاجتماعية”.