ارتفاع التضخم فى الولايات المتحدة لن يكون مؤقتًا وقد يشكل تهديدًا كبيرًا لسوق العمل والاقتصاد
أسعار المواد الغذائية ارتفعت 8.8% خلال الـ 12 شهرًا الماضية
يبقى التساؤل الجوهرى الذى يطرح نفسه فى الفترة الأخيرة، ما الذى دفع معدلات التضخم فى الولايات المتحدة الأمريكية لهذه المستويات القياسية
وقال موقع “فوربس” فى تقرير له، إن الأسعار ارتفعت بنسبة 8.5% فى مارس 2022 مقارنة بالعام السابق، وفقًا لأحدث تقرير لمؤشر أسعار المستهلك. ويعتبر هذا الارتفاع هو أكبر زيادة على أساس سنوى فى مؤشر تضخم أسعار المستهلكين منذ ديسمبر 1981.
أضافت أن المشهد لا يزال قاتماً، حتى عند النظر إلى الرقم الأساسى لأسعار المستهلك، التى تستبعد الأسعار المتقلبة للمواد الغذائية والطاقة.
وارتفع مؤشر أسعار المستهلكين الأساسى بنسبة 6.5% خلال 12 شهرًا الماضية، وهو أكبر ارتفاع منذ أغسطس 1982.
وقال مات بيرون، مدير الأبحاث لدى شركة “جانوس هندرسون إنفيستورز”: “ليس هناك الكثير مما يعجبك فى أرقام مؤشر أسعار المستهلك. والتساؤل الجوهرى حالياً هو ما إذا كان التضخم قد بلغ أعلى مستوياته، وفى حال كان الأمر كذلك، فبأى وتيرة سينخفض.”
وتعتبر السيطرة على معدلات التضخم فى الولايات المتحدة هى إحدى المهام الرئيسية للاحتياطى الفيدرالي.
وتعد بيانات التضخم فى مؤشر أسعار المستهلكين لشهر مارس الماضى دليلاً آخر على سبب قيام بنك الاحتياطى الفيدرالى برفع أسعار الفائدة وبدء تشديد الجوانب الأخرى للسياسة النقدية.
وقالت فوربس إن معدلات التضخم المرتفعة جاءت مدفوعة بتعطل سلسلة التوريد وطلب المستهلك المكبوت على السلع مع تلاشى جائحة كورونا.
ويظل الأمل هو أنه فى حالة حل هذه المشكلات، فلن يكون لدى الاحتياطى الفيدرالى الكثير من المهام للقيام بها للتصدى لمعدلات التضخم،
ولكن من المتوقع تستمر معدلات التضخم فى الولايات المتحدة فى الارتفاع بوتيرة كبيرة لفترة أطول مما هو مرغوب فيه.
وقالت “فوربس”، إنه وفقًا لمكتب إحصاءات العمل، يأتى ارتفاع معدل التضخم فى مارس الماضي، مدفوعًا بالزيادات الكبيرة فى قطاعات الغذاء والبنزين والإسكان، مما زاد من الضغط على الحد الأدنى لصافى أرباح الأمريكيين العاديين.
وارتفعت أسعار الطاقة مرة أخرى، حيث قفز إجمالى الأسعار بنسبة 11% مقارنة بشهر فبراير 2022، فى حين أن مكاسب 12 شهرًا ارتفعت بنسبة 32%.
وارتفعت أسعار البنزين بنسبة 18%، وهى أعلى بنحو 48% عما كانت عليه قبل عام، بينما ارتفعت أسعار زيت الوقود بنسبة 22%.
ويعانى الأمريكيون العاملون فى ظل هذه الأوضاع المتوترة. كما أدى الغزو الروسى لأوكرانيا إلى ارتفاع أسعار النفط، وهو أحد أكبر العوامل التى دفعت البنزين إلى الارتفاع لأعلى مستوى له على الإطلاق.
وأظهر استطلاع حديث أجراه “إى موني” التابع لـمؤسسة “فيديليتي” للاستشارات المالية، أن التكلفة المرتفعة لأسعار الغاز كانت مصدر القلق الأول للأمريكيين، تليها القدرة على دفع الفواتير وارتفاع معدلات التضخم بشكل عام.
وقالت سيليست ريفيلي، مديرة التخطيط المالى لدى “إى مونى أدفيسور”: “هناك بالتأكيد الكثير من القلق المالي. لكن يظل من الصعب معرفة إلى متى ستستمر هذه الأزمة التضخمية”.
وساهمت عناصر أخرى بقوة فى هذه الزيادات التاريخية. كما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل عام بنسبة 8.8% خلال الاثنى عشر شهرًا الماضية، مع ارتفاع أسعار البقالة بنسبة 10%. وارتفعت تكاليف الإسكان بنسبة 5% خلال نفس الفترة.
ومن بين الأمور الإيجابية التى ذكرها التقرير هو أن السيارات المستعملة، التى كانت لفترة طويلة محرك لمعدلات التضخم المرتفع، انخفضت بنسبة 3.8% فى مارس الماضي، لكنها لا تزال أعلى بنسبة 35% عن العام السابق.
وتقول “فوربس” إن الصورة بعد استبعاد الأسعار المتقلبة للمواد الغذائية والطاقة، رغم أنها تبدو أكثر إشراقًا إلى حد ما، لكنها لا تزال تظهر زيادات فى الأسعار لم نشهدها منذ ما يتجاوز 40 عامًا، ويتماشى هذا الرقم مع مقياس التضخم المفضل لدى بنك الاحتياطى الفيدرالي، وهو مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصى الأساسي، والذى ارتفع بنسبة 5.4% فى فبراير 2022 مقارنة بالعام السابق. كما تأتى كلا النتيجتين أعلى بكثير من هدف الاحتياطى الفيدرالى البالغ 2%.
لن يكون مؤقتًا
وقال موقع “فوربس”، إن الاحتياطى الفيدرالى يقوم بوظيفتين، تتمثلان فى الإبقاء على معدلات التضخم فى الولايات المتحدة تحت السيطرة، والسعى لزيادة فرص العمل.
واستغرق مسؤولو الاحتياطى الفيدرالى وقتهم فى الاعتراف بأن ارتفاع معدلات التضخم المتواصل، سيتطلب استجابة سياسية نقدية مستدامة، لكن خلال الأشهر الأخيرة، أدركوا أن ارتفاع الأسعار لن يكون “مؤقتًا” ويمكن أن يشكل تهديدًا كبيرًا لسوق العمل وبقية الاقتصاد.
وقررت اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة تأجيل تاريخ انتهاء مشترياتها من سندات التيسير الكمى إلى مارس 2022 وأبلغت الأسواق بأنها ستبدأ فى بيع الأصول من ميزانيتها العمومية الهائلة فى وقت لاحق فى عام 2022، فى إطار التدابير المتخذة من قبل اللجنة للتصدى للارتفاع الهائل فى معدل التضخم فى الولايات المتحدة بشكل أكثر قوة.
ووفقًا لأداة “فيدواتش”، يعتزم بنك الاحتياطى الفيدرالى مواصلة رفع أسعار الفائدة على الأموال الفيدرالية طوال عام 2022. ومن المتوقع أن يرفع أسعار الفائدة لتتجاوز 2% بنهاية العام الجارى.
وقال الاحتياطى الفيدرالى فى بيان له بعد اجتماع مارس الماضي: “قررت اللجنة رفع النطاق المستهدف لسعر الفائدة على الأموال الفيدرالية إلى 0.25% إلى 0.50% ونتوقع أن تكون الزيادات المتواصلة فى النطاق المستهدف مناسبة. كما تتوقع اللجنة أن تبدأ فى تقليص حيازاتها من سندات الخزينة وديون الوكالات و السندات المدعومة بالرهن العقارى فى اجتماعاتها المقبلة.”
ويعتبر هذا التحرك تغيير كبير فى سياسة بنك الاحتياطى الفيدرالي، الذى وصفه مسئولوه طوال عام 2021، التضخم بأنه “مؤقت” وأكدوا أنه سينتهى من تلقاء نفسه مع تلاشى اختناقات سلسلة التوريد الوبائية والمشكلات الأخرى المرتبطة بعمليات إعادة الفتح.
أوقات صعبة للمستهلكين
ذكر موقع “فوربس” أنه فى حين أن تقرير التضخم أظهر أن المواطنين الأمريكيين، وخاصة الأمريكيين ذوى الدخل المنخفض، يتعين عليهم دفع الكثير مقابل السلع الأساسية والسكن والطعام والبنزين، تشير جوانب أخرى من التقرير إلى بعض المؤشرات التى تبعث التفاؤل بأن التضخم فى الولايات المتحدة قد يكون بلغ أعلى مستوياته.
والجدير بالذكر أن هناك تأثيرات أساسية، وهذا يعنى أن قراءات مؤشر أسعار المستهلك لبقية عام 2022 ستُقارن حالياً بالتقارير الأعلى التى صدرت العام الماضي. فعلى سبيل المثال، ارتفعت الأسعار بنسب تتراوح بين 0.6% و 0.9% شهريًا من أبريل إلى يونيو، مع الانفتاح الجزئى الكبير للاقتصاد.
كما شهدت الأسواق حالة من الارتياح بشأن أنواع السلع الاستهلاكية التى ارتفعت قيمتها بعد أن أرسلت الحكومة مدفوعات مباشرة للأمريكيين طوال فترة الوباء. ومع تراجع هذه الشيكات التحفيزية، وتزايد أسعار الفائدة، انخفض الطلب على سلع مثل السيارات المستعملة.
وقال موقع “فوربس”، إن العامة من المواطنين يشعرون بالضيق، حيث ظل مؤشر ثقة المستهلك منخفض فى أحدث استطلاع أجرته “فوربس أدفيسور إبسوس”، حيث توقع 66,6% من المستهلكين ارتفاع معدل التضخم فى الولايات المتحدة، فى حين انخفض مقياس ثقة المستهلك فى جامعة ميشيجان إلى أدنى مستوى له بعد حقبة الوباء.
ورغم مواصلة ارتفاع معدلات الأجور، لكنها لاتزال تنمو بمعدل أقل من الأسعار بشكل عام. كما انخفضت الأرباح المعدلة حسب التضخم بنسبة 2.7% مقارنة بنفس التوقيت من العام الماضي. هذا يعنى أن العامل العادى حالياً لديه قوة شرائية أقل مما كان عليه قبل عام.
وأشار بعض الاقتصاديين إلى أن حقيقة مؤشرات التضخم على المدى البعيد، مثل معدل التعادل لمدة 10 سنوات، تظهر أن الأسعار ستعود إلى مستويات طبيعية بسبب رفع الاحتياطى الفيدرالى لمعدلات الفائدة للسيطرة على الأسعار بشكل كبير. ولكن لسوء الحظ، هذا الأجراء لا يقدم الكثير لمساعدة الأمريكيين المتعثرين.
وقالت ميليسا براون، المدير العالمى للأبحاث التطبيقية فى شركة الاستشارات المالية كونتيجو: ” فى حال كانت معدلات التضخم فى الولايات المتحدة ستنخفض بعد عام من وقتنا الحالي، فلن يكون ذلك مفيدًا، لا سيما للمستهلكين العاديين”.
ويبقى هناك سبب أخر للتفاؤل يتمثل فى التوقعات بعد مبالغة بنك الاحتياطى الفيدرالى فى سياسته المتبعة حتى لا يعرض الانتعاش الاقتصادى للخطر.
وقال كبير مسؤولى الاستثمار فى ريموند جيمس لارى آدم: “الاحتياطى الفيدرالى هو مؤسسة شفافة قضت شهورًا فى الحديث عن برامج الخفض التدريجي. وفكرة أنهم سيأخذون فجأة منعطفاً ماليًا صعبًا هى فكرة لا تعبر عن سياستهم، حيث سيكون البنك أكثر واقعية”.
وقد يستمر المستهلكون فى تحويل إنفاقهم من السلع إلى الخدمات، مثل المطاعم وغيرها، مع تراجع حالات الإصابة بفيروس كورونا.
وفى حال انتهت الحرب فى أوكرانيا على المدى القريب، فقد تنخفض أسعار البنزين والمواد الغذائية، وقد يضع بنك الاحتياطى الفيدرالى فى الحسبان، حالة الضبابية فى مناطق مثل الصين، التى أعادت فرض عمليات إغلاق صارمة، فى محاولة لتخفيف الارتفاع فى حالات الاصابة بفيروس كورونا، ما يدفع البنك لعدم فرض سياسة نقدية أكثر تشدداً.