قبل شهر فقط، تفاخر بوريس جونسون بأن بريطانيا لديها “أسرع الاقتصادات نموا في مجموعة السبع”، وجاء انتعاش ما بعد الوباء لبريطانيا في وقت أبكر من أغلب الدول، لكن يبدو أن هذا الأداء المليء بالحيوية قد ترك رئيس الوزراء المحتفل في صداع سيء: يتوقع صندوق النقد الدولي الآن أنه في عام 2023، سيكون لدى المملكة المتحدة أبطأ معدل نمو في مجموعة السبع.
وسيصل نمو الناتج هذا العام إلى 3.7%، أما في العام المقبل، فيتوقع الصندوق انخفاضاً إلى 1.2%، هذا يقرب من نصف المعدل الذي يتوقعه صندوق النقد الدولي لاقتصاد متقدم، ويرى صندوق النقد الدولي أن “الاستهلاك من المتوقع أن يكون أضعف مما كان متوقعاً لأن التضخم يؤدي إلى تآكل الدخل الحقيقي المتاح”.
والتضخم مرتفع في كل مكان نتيجة لإنهاء القيود المفروضة على الوباء، بالإضافة إلى الحرب في أوكرانيا، ولكن وفقًا لصندوق النقد الدولي، فإن ارتفاع الأسعار سيكون مشكلة رئيسية لفترة أطول في بريطانيا أكثر من أي مكان آخر، ومن المتوقع أن تؤدي أسعار الفائدة المرتفعة، التي تم رفعها استجابة لتلك الأسعار المرتفعة، إلى “تقليص الاستثمار”.
ليس من الحكمة أن تتنبأ بعمق في تفاصيل الموقف الحالي: فالخروج من جائحة عالمية وبدء حرب في قارتها هما ظرفان فريدان، لكن من الصعب تجاهل حقيقة دائمة أخرى: بريطانيا لديها مشكلة خطيرة طويلة الأمد مع النمو الاقتصادي إذ لم تحل الدولة ما يسمى بـ “لغز الإنتاجية”.
منذ الأزمة المالية، فشل اقتصاد الدولة في النهوض مجددا، وبلغ متوسط معدل النمو السنوي من 1948 إلى 2008 2.7%، ومنذ ذلك الحين، كان أقل بقليل من 1%، والنمو الضعيف أمر بالغ الأهمية لفهم سياسة الدولة. كانت الفترة الطويلة من التقشف المالي في المملكة المتحدة بعد عام 2010 بمثابة نتيجة على امتلاكها لقاعدة ضريبية أصغر مما كانت تخطط له، وتفاقم البؤس وطال أمده بسبب عدم قدرة الاقتصاد على النمو بقوة.
سعى السياسيون المعارضون، على مدى عقد من الزمان، إلى الاستفادة من الانزعاج من نمو الأجور الهزيل، ولم يعد متوسط الأجور في البلاد إلى مستويات عام 2008 حتى عام 2019. ويعاني الشباب، على وجه الخصوص، رواتب هزيلة وتكاليف سكن عالية، مرة أخرى، هذه قصة ما يحدث عند توقف الإنتاج.
ومع ذلك، لم يركز قادة البلاد على استعادة النمو، على العكس من ذلك، إذ ترقى جونسون إلى منصب رئيس الوزراء بسبب دعمه لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهو القرار الذي أعاق الإنتاج أكثر. يقدر مركز الإصلاح الأوروبي، وهو مؤسسة فكرية، أن تجارة المملكة المتحدة في السلع انخفضت بنحو 15% بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
أحد المخاوف التي تدعم توقعات صندوق النقد الدولي هو أن الزيادات الضريبية المخطط لها في المملكة المتحدة قد تقيد نمو الدولة في عام 2023 إذ من المقرر أن ترتفع ضريبة الشركات من 19% إلى 25%، وفي الوقت نفسه، ستسحب الحكومة البريطانية ما يسمى بـ “الخصم الفائق” – وهو إعفاء سخي متعلق بالوباء للإنفاق الرأسمالي.
تتشاور وزارة الخزانة بالفعل بشأن إجراء بديل لتشجيع الشركات على الاستمرار في الاستثمار: أحد أسباب ضعف النمو في المملكة المتحدة هو الافتقار إلى الاستثمار من قبل الشركات، ومن المهم ، مهما حدث بعد ذلك، أن يكون هناك دعم كافٍ للاستثمار التجاري – وهو ضعف مترسخ منذ أمد طويل في المملكة المتحدة، حتى قبل الانهيار.
يجب أن يكون الإجراء الضريبي القوي المؤيد للاستثمار مكسبا سهلاً نسبيًا لوزارة الخزانة – فهي تمتلك الأدوات ولا يوجد لوبي يقف في طريقها، لكن ذلك سيكون حدثا نادرا: فالعديد من مشكلات النمو الأخرى في المملكة المتحدة، سواء انفصالها عن السوق الأوروبية الموحدة أو قوانين التخطيط التقييدية في البلاد، سوف تتطلب رأس مال سياسي جاد لإصلاحها، لكن إذا ظل السياسيين في المملكة المتحدة غير مبالين بمشاكل النمو، فلن يتم حلها.
افتتاحية صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية