قال الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، إن جميع المؤشرات بدأت تخفض توقعات النمو الاقتصادى على مستوى العالم، بعد أن سرى التفاؤل بين الأوساط الاقتصادية بعد انتهاء أزمة كورونا، وبدأت التوقعات بتخفيض معدلات النمو مرة ثانية، حيث أصبح المعدل المتوقع 3.6% للنمو العالمى، بعد أن كان 4.4%، بل إن هناك مؤسسات مالية ترى أن نسبة 3.6% ربما يكون صورة براقة للوضع الاقتصادى فى ظل الأزمة الراهنة وقد يتراجع المعدل عنه أيضا خلال الفترة المقبلة.
وأضاف مدبولى، خلال مؤتمر صحفى لإعلان خطة الدولة المصرية للتعامل مع الأزمة الاقتصادية العالمية، أن خسائر الاقتصاد العالمى التى قدرت بنحو 12 تريليون دولار تمثل 5 أضعاف الناتج المحلى لقارة أفريقيا بأسرها للعام الماضى، كما أن تلك الخسائر تعادل الناتج المحلى الإجمالى لأكبر أربع دول فى قارة أوروبا، وهى ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإنجلترا، كما تساوى هذه الخسائر الناتج المحلى الإجمالى لـ6 دول من النمو الآسيوية والمتقدمة فى قارة آسيا.
وأوضح أنه يمكن القول بأن هذه الأزمة لم يشهدها من يعيشون على كوكب الأرض حاليا، وأصبحت الآن الاستثمارات الأجنبية بالسالب وليس مجرد تباطؤ، وكان لكل ذلك تأثير مباشر على حركة التجارة وتبادل السلع؛ حيث ذكرت منظمة التجارة العالمية أن العالم كله سيشعر بكُلفة انخفاض التجارة العالمية والإنتاج بسبب هذه الأزمة والصراع، وأن ذلك سيظهر فى تضاعف أسعار الغذاء والطاقة، بالإضافة إلى توقف انتقال السلع، بل إنهم حددوا خسائر تراجع حجم التجارة العالمية فقط نتيجة الأزمة بنحو 300 مليار دولار.
وقال رئيس الوزراء إن حجم الدين العام على مستوى العالم شهد تفاقما واضحا بسبب الأزمة الراهنة، مشيرا إلى أن النقاشات التى دارت فى مصر حول الأزمة تناولت أيضا هذا الأمر وتساءلت عن حجم زيادة الدين العام المصرى، وهو ما يدعونى إلى توضيح أن الدين العام على مستوى العالم زاد بنسبة 351%، حتى وصل حجم المديونية على الحكومات على مستوى العالم إلى 303 تريليونات دولار، كما أصبحت دول فى حالة مديونية حرجة بالفعل.
وأشار إلى التقارير التى ذكرت أن 60% من بلدان العالم الأشد فقرا أصبحت فى حالة مديونية حرجة، كما أعلنت بعض الدول عدم قدرتها على سداد التزاماتها، فضلا عن أن 80% قيمة ما تمثله مديونية الأسواق الناشئة، وأصبحت تمثل قيمة كبيرة من حجم الدين العالمى.
وفيما يتعلق بمعدل التضخم غير المسبوق الذى نشهده حاليا على مستوى العالم فى الأسعار، أوضح رئيس الوزراء أن حجم التضخم العالمى وصل الآن إلى 9%، وهناك دول متقدمة تتمتع باقتصاد مستقر لم يكن التضخم بها يبلغ 1% أو 2%، لكن الآن نرى معدل التضخم يصل بها إلى 9%، مستعرضا خريطة توضح نسب التضخم فى مختلف دول العالم، والتى توضح أن مصر فى الفئة الواقعة ما بين 6 إلى 10%، كما أن هناك دولا تجاوزت نسبة التضخم بها 25%، بل وصل إلى 50% و60% فى دول أخرى.
وقال رئيس الوزراء: كل تلك المؤشرات نتج عنها ضغوط هائلة على مستوى الدول المتقدمة والنامية، وعلى النامية بصورة أكبر بالطبع، مستعرضا فى هذا الإطار مقارنة لتوضيح تلك الضغوط تتمثل فى مقارنة بين أسعار عدد من السلع الأساسية فى مايو 2021 ومايو 2022، مركزا على القمح والبترول فى هذه المقارنة؛ ففى مايو 2021 كان سعر القمح 270 دولارا للطن، ووصل فى مايو 2022 إلى 435 دولارا، وبالنسبة لدولة مثل مصر تستورد ما يقرب من 10 ملايين طن، فبدلا من أن مصر كانت تدفع مقابل هذه الكمية المستوردة 2.7 مليار دولار أصبحت تدفع 4.4 مليار دولار لنفس الكمية، أما بالنسبة للبترول الذى تستورد مصر منه 100 مليون برميل فكان سعر البرميل فى مايو 2021 يبلغ 67 دولارا، وكانت مصر تدفع مقابل ذلك 6.7 مليار دولار، وفى مايو 2022 أصبح سعر البرميل 112 دولارا، وبالتالى أصبحت مصر تدفع 11.2 مليار دولار لنفس الكمية.
وأضاف أن كل ما حدث من تداعيات سلبية أجبر دولا كثيرة إلى الاتجاه نحو التشديد النقدى، وقد تابعنا القرارات التى اتخذها البنك الفيدرالى الأمريكى غير المسبوقة منذ 20 عاما، من حيث رفع معدلات الفائدة، وهو ما جعل دولا أخرى عديدة تحذو حذوه فى رفع الفائدة لديها، وهذه الصورة توضح بشكل ملحوظ حجم الأزمة الاقتصادية التى يمر بها العالم صغيره وكبيره، ونستطيع القول بأنه لم يعد ممكنا لأى دولة أن تقول إنها ستغلق حدودها وتصبح فى معزل عن العالم؛ فأى تأثير لأى أزمة عالمية يؤثر بلا شك فى العالم أجمع، ولابد لنا جميعا أن نشعر بحجم التداعيات والتأثيرات الشديدة لهذه الأزمة، وبدأت كل مؤسسات التصنيف تخفيض تصنيف الدول، ولكن الحمد لله، برغم كل ذلك، ففى تقييم شهر ابريل الماضى، أبقت مؤسستا ستاندرد آند بورز، وفيتش، التصنيف الائتمانى لمصر، فبعد المراجعة والتفاوض والنقاش مع الزملاء فى المجموعة الاقتصادية، أصبح لديها اطمئنان بأن مصر مازالت قادرة على الصمود، وأنها ستعبر هذه الأزمة باذن الله.
وأكد رئيس الوزراء أن هذه الأزمة كان لها بلا شك تداعيات كبيرة، يجب أن يشعر بها المصريون جميعاً، حيث كنا نستورد 42% من احتياجاتنا من الحبوب من دولتي، روسيا وأوكرانيا، وكان 31% من عدد السياح الوافدين إلى مصر من هذين البلدين، وكل ذلك سيكون له تداعياته الكبيرة التى كان ينبغى أن تتسبب فى اضطراب شديد لنا، كحكومة ودولة، فى التعامل مع هذه التداعيات، ولكننا تحركنا على الفور وبدأنا فى توفير أسواق بديلة للقمح، وكذلك أسواق بديلة للسياحة، ولم نستسلم لتلك التداعيات التى فرضتها الأزمة، وسعينا خلال أسابيع لأن نعوض هذه التداعيات التى حدثت.
وشدد “مدبولى” على ضرورة أن ندرك كمصريين أن تداعيات الحرب فرضت علينا أعباء مالية ضخمة جداً، حيث أصبح هناك 130 مليار جنيه، تم رصدها كتأثير مباشر، نتيجة لزيادة أسعار السلع الاستراتيجية، مثل القمح والبترول، وكذا أسعار الفائدة التى زادت، وذلك إلى جانب 335 مليارا أخرى كتأثيرات غير مباشرة، وقد أخذنا إجراءات حماية اجتماعية حيث تم تبكير موعد صرف زيادات المرتبات والمعاشات، وإجراءات أخرى كانت ستبدأ من أول يوليو، بدأت أول أبريل، وهى اجراءات تتحملها الدولة، وذلك من أجل تخفيف وطأة هذه الأزمة على المواطن المصرى.
وأضاف رئيس الوزراء أنه كان لدينا بالطبع تحديات كبيرة جداً، حيث حدث نتيجة هذه الأزمة خروج لرؤوس الأموال الساخنة، واستثمارات كانت موجودة، ولكن الحمد لله نتيجة لجهد الدولة والقيادة السياسية، تحركنا لتعويض خروج هذه الأموال، موجهاً الشكر والتقدير فى هذا الصدد إلى الأشقاء فى الدول الخليجية التى وقفت بجانب مصر خلال الشهرين الماضيين، وضخت أرقاما معينة، بما مكننا من الحفاظ على الاستقرار النقدى للعملة الأجنبية فى مصر.
وأضاف: لكن طبعاً هذا أدى إلى تحديات أخرى، حيث إن القطاع الخاص المصرى، وكنتيجة لهذه الأزمة، لا يزال غير قادر على زيادة استثماراته، حيث أن ارتفاع فائدة الاقتراض قد فرضت علينا أعباء كبيرة جداً، إلى جانب مؤشرات الدين الخارجى التى شهدت زيادة نسبة قيمة من الدين الخارجي، كنتيجة لاضطرارنا من أجل الحفاظ على الاحتياطى الخاص بنا، ذلك فضلاً عن تراجع معدلات الاستثمارات الخارجية الأجنبية فى العالم كله وليس مصر فقط، حيث يحدث بالسالب فلا يعكس مجرد تباطؤ بل خروج من الدول.