إن الدلائل على أن الاقتصاد الصينى، ثانى أكبر اقتصاد فى العالم، قد يغازل الركود فى الربع الثانى من العام الجارى مقلقة بالنسبة للنمو العالمى، لكنهم يوفرون لبكين فرصة، ويمكن أن تستخدم هذه المؤشرات الواقعية لإعادة النظر ليس فقط فى جوانب سياسة «صفر كوفيد» ولكن أيضًا فى معاملتها للمستثمرين الأجانب المباشرين، ما هو جيد بالنسبة لهم هو جيد لاقتصاد الصين.
وضخ المستثمرون الأجانب مئات المليارات من الدولارات الأمريكية فى الاقتصاد الصينى منذ منتصف الثمانينيات، ما ساعد على تعزيز طفرة اقتصادية تحولية انتشلت 850 مليون شخص من الفقر، ونقلت الشركات الأجنبية أيضًا التكنولوجيا إلى نظيراتها الصينية، ودربت الموظفين على أدوار حاسمة وساعدت فى فتح الأسواق الخارجية أمام السلع الصينية الصنع.
وفشلت بعض الشركات فى أكبر الأسواق من حيث الإمكانات فى العالم، لكن العديد من الشركات متعددة الجنسيات حققت أرباحًا كبيرة، وأصبحت أقوى جماعات ضغط لصالح الصين فى بلدانهم الأصلية، والآن، تظهر استطلاعات الرأى خيبة أمل متزايدة بين المستثمرين الأجانب، الذين يخطط العديد منهم لتحويل الاستثمار خارج الصين.
ومثل هذه المشاعر لا تنبع فقط من سياسات الصين القوية لعدم انتشار فيروس كورونا، رغم أن الرحلات الجوية الملغاة، وتعقيدات التأشيرات، والحجر الصحى المطول قد ساهمت فى إحباط المديرين التنفيذيين الأجانب، وتكمن الجذور العميقة للاستياء فى الشعور بأن ممارسة الأعمال التجارية فى الصين أصبحت أكثر صعوبة مع اشتداد التنافس بين بكين والغرب.
وبينما تدقق الولايات المتحدة على بعض الاستثمارات المختارة من خلال لجنة الاستثمار الأجنبى فى الولايات المتحدة «Cfius»، يواجه المستثمرون فى الصين متاهة، ويجب عليهم التحقق من أن النشاط التجارى الذى يرغبون فى بدئه ليس مدرجًا فى أى من قائمتين سلبيتين ثم طلب الموافقة التنظيمية إذا كان يندرج فى واحدة من أكثر من 550 فئة مختلفة.
وبمجرد إنشاء شركة أجنبية وتشغيلها، قد تتعرض لضغوط لنقل التكنولوجيا إلى نظرائها الصينيين، أحياناً كجزء من استراتيجية «صنع فى الصين 2025»، التى تحرص على تعزيز الحصة السوقية للمنافسين المحليين بمرور الوقت، وبموجب قانون الاستثمار الأجنبى لعام 2020، قد تكون مراجعة الأمن القومى مطلوبة لمشروع «يؤثر أو قد يؤثر على الأمن القومى».
وأضافت قوانين أخرى حديثة إلى التعقيدات مثل قانون أمن البيانات وقانون حماية المعلومات الشخصية اللذان تم إقرارهما العام الماضى، ويقيدان بشدة معالجة بيانات العملاء ونقلها إلى الخارج.
أضف إلى ذلك الركود الحالى فى النمو وسط سياسات كوفيد الصارمة، وحذر مايكل هارت، رئيس غرفة التجارة الأمريكية فى الصين، من احتمال حدوث «انخفاض هائل» فى الاستثمار «بعد عامين أو ثلاثة أو أربعة أعوام من الآن»، وقال يورج ووتكى، رئيس غرفة التجارة الأوروبية فى بكين، إن عدم القدرة على التنبؤ يدفع مجتمع الأعمال الأوروبى إلى تعليق الاستثمارات فى الصين.
ومن المفهوم أن رفاهية المستثمرين الأجانب قد لا تحتل أولوية فى أذهان قادة بكين، وفى أبريل، تراجعت مبيعات التجزئة بنسبة %11.1 على أساس سنوى، وانخفض الإنتاج الصناعى بنسبة %3.2، وارتفعت البطالة، وتباطأت الصادرات بشكل كبير، وتراجع الائتمان الممنوح من البنوك مرة أخرى.
وإعادة فتح شنغهاى المحدود بعد شهرين من الإغلاق هى إشارة مرحب بها على أن الصين ربما تخفف سياستها الخاصة بـ»صفر كوفيد»، وهناك دلائل على أن النشاط قد يتحرك استجابة لذلك، لكن يجب على بكين أيضًا أن تتخذ خطوات لإثبات أن المستثمرين الأجانب يظلون جزءًا مهمًا من الاقتصاد، والبيانات الرسمية لهذه الغاية من شأنها أن تضفى نبرة إيجابية، لكن التركيز الحقيقى على الحد من الروتين وضمان معاملة متساوية مع المنافسين المحليين من شأنه أن يخفف من بعض الكآبة التى حلت على مجتمع الأعمال الأجنبى فى الصين.
افتتاحية صحيفة «فاينانشيال تايمز»