تستورد مصر نحو 97% من احتياجاتها السنوية من الزيوت النباتية التى تقترب من 2.6 مليون طن، إما عن طريق زيوت خام تُكرر محليًا، أو عبر بذور زيتية تُعصر ثم تُكرر محليًا أيضًا، ومؤخرًا، أعلنت الحكومة عن رغبتها فى زيادة نسبة الاكتفاء الذاتى من المحاصيل الزيتية عند 10%، بحلول العام 2025، مقابل 2 ـ 3% حاليًا، لكن محدودية المساحة بالأساس تنبئ عن مجموعة من العراقيل التى تواجه زراعتها محليًا، لذا تُحاول الدولة تقديم حلول جدية لتحقيق أهدافها.
لم تظهر بعد، ملامح الخطة الحكومية اللازم توافرها لتحقيق طموحات تنمية التوسع فى زراعات المحاصيل الزيتية، والتى ستدعم الوصول بالاكتفاء الذاتى إلى %10 من الاحتياجات السنوية، لكن المتخصصين فى المجال من القطاع الخاص حددوا طلباتهم والعقبات اللازم تسهيلها لتحقيق ذلك.
بداية، يأتى الحديث عن الخطة بشكل عام، التى تلخصت فى أهمية تنظيم عمليات الزراعات التعاقدية، وإدخال منتجات جديدة من المحاصيل الزيتية مثل الكانولا.
أبوالفتوح: تبنى نظام الزراعات التعاقدية ووضع استراتيجية للتوسع
قال جمال أبوالفتوح، وكيل لجنة الزراعة والرى بمجلس الشيوخ، إن التركيز على التوسع فى المحاصيل الزيتية من خلال نظام الزراعات التعاقدية، مع تبنى استراتيجية جديدة وواضحة للتوسع بهدف تخفيض فاتورة الاستيراد وتخفيف الضغط على العملة الصعبة.
أوضح أن الزراعات التعاقدية ستشجع الفلاحين على زراعة مزيدًا من المساحات، خاصة وأنها ستضمن عائد أفضل للمزارعين.
بالفعل، صدر قانون الزراعات التعاقدية فى سنة 2015، لكنه لم يُفَعَل بعد، كما أن لائحته لم تصدر بعد، لذا لا يمكن العمل من خلاله حاليًا بصورة كاملة تخدم عمليات التوسع فى أى محصول ترغب الدولة فى تحقيق نسبة أعلى من الاكتفاء الذاتى منه.
الجبلى: إنشاء قاعدة بيانات حول المحاصيل الزيتية وحجم الاستهلاك والإنتاج
وطالب عبد السلام الجبلى، رئيس اللجنة، بأهمية عمل قاعدة بيانات صحيحة حول المحاصيل الزيتية وحجم الاستهلاك وحجم الإنتاج وعرض خطة الحكومة بشأن تغطية الاحتياجات، بهدف إعداد خطة قابلة للتنفيذ لتحقيق الاكتفاء الذاتى من الزيوت على المدى البعيد.
صيام: ضم المحاصيل الحديثة لخطة الاستزراع ومنها الكانولا
قال جمال صيام، استاذ الاقتصاد الزراعى بجامعة القاهرة، إن الخطة يجب أن تضم المحاصيل الحديثة لاستخراج الزيوت النباتية، ومنها الكانولا على سبيل المثال، لتنويع المحاصيل والأصناف المنتجة.
واصل: تحديد أسعار عادلة وفقًا لتكاليف الإنتاج الفعلية
تحدث فريد واصل، نقيب الفلاحين والمنتجين الزراعيين، عن الزراعات التعاقدية، وأهميتها فى تحقيق المستهدف، لكنه شدد على أهمية تحديد اسعار عادلة للفلاحين لتحقيق ذلك.
قال واصل، إن وزارة الزراعة أعلنت عن تحديد مستوى أدنى لزراعات الذرة الصفراء فى الموسم الجارى عند 6000 جنيه للطن، فى حين أن أسعار البيع فى السوق المحلية حاليًا تتخطى 8000 جنيه، واعتبر أن الفارق الكبير لن يسمح بالتوسع بالدرجة الكافية.
اعتبر واصل، أن تحديد أسعار عادلة وفقًا لتكاليف الإنتاج الفعلية سيكون أحد المحفزات الرئيسة للتوسع فى المحاصيل الزيتية، ويمكن بالتوازى وضع آليات لتخفيض تكاليف الزراعة نفسها، بما ينعكس على تكاليف عمليات التصنيع وبالتالى اسعار البيع للمستهلكين.
وفقًا للبيانات الرسمية فى حوزة «البورصة»، تم تنفيذ الزراعة التعاقدية للمرة الأولى العام الماضى على بعض المحاصيل الزيتية مثل فول الصويا ودوار الشمس، وتم إعداد القواعد الخاصة بتنظيم العمل بمركز الزراعات التعاقدية، وبلغ إجمالى التعاقدات نحو 35 ألف فدان فقط، بواقع 25 ألف فدان فول صويا، و10 آلاف فدان دوار شمس».
على مستوى العقبات، استصعب محمود العنانى، رئيس اتحاد منتجى الدواجن، إمكانية التوسع فى المحاصيل الزيتية، وقال: «الدول التى تشتهر بزراعة الحبوب بشكل عام هى دول مطيرة بعكس مصر».
وتابع: «أوكرانيا وروسيا والبرازيل والأرجنتين وأمريكا، جميعها مناطق تشهد هطول كميات كبيرة من الأمطار سنوياً، ما يرفع مساحات الأراضى القابلة للاستزراع، وبالتالى تزرع بهدف توفير احتياجاتها وبيع فائض الإنتاج فى السوق العالمى».
أضاف أن المساحات الواسعة من الأراضى توفر ميزة تنافسية فى زراعة مثل هذه المحاصيل، إذ تدخل الميكنة الحديثة فى الزراعة والحصاد، وبالتالى توفير تكلفة اقتصادية قوية، مقارنة بالزراعة التقليدية كما الحال فى مصر.
قال واصل إن محدودية الأراضى فى مصر تحدد خيارات بعينها فى الزراعة، وكيف يمكن المفاضلة بين منتجات زراعية مهمة وأخرى أكثر أهمية؟
العبد: التوسع فى استصلاح الأراضى واستخدام تكنولوجيا رى حديثة
ردًا على ذلك، قال أنور العبد، رئيس شركة الأهرام للدواجن، ومالك لمصنع تكرير زيوت نباتية، إن التوسع قد يأتى من خلال التوسع فى استصلاح الأراضى الجديدة فى الصحراء، والتى ستسمح باستخدام تكنولوجيا أحدث من التقليدية التى تعتمد عليها اراضى الدلتا.
أوضح العبد، أنه يمكن استخدام الميكنة الحديثة فى الرى، وإن كانت بتكلفة مرتفعة فى البداية، لكنها على المدى الطويل ستكون ذا فائدة اقتصادية مرتفعة، وستوفر علينا الكثير من الضغوطات الاقتصادية العالمية كما يحدث حاليًا جراء الغزو الروسى فى أوكرانيا.
درويش: زراعة الحبوب تحتاج لتأهيل البنية التحتية
واشترط نبيل درويش، الرئيس السابق لاتحاد منتجى الدواجن، الاهتمام بالبنية التحتية الصناعية لتحقيق المستهدف من زراعات المحاصيل الزيتية.
قال: «زراعة محاصيل الحبوب فى مصر بشكل عام التى تدخل فى التصنيع تحتاج لتأهيل البنية التحتية خاصة فى مرحلة ما بعد الحصاد، إذ إن الحبوب خاصة الذرة تحتاج لمجففات لتقليل نسبة الرطوبة بها».
وتابع درويش: «مصر لا تملك هذه النوعية من المجففات، وبالفعل لا نرفض أصناف الذرة المزروعة حالياً، بل على العكس، فنسبة البروتين فيها أعلى من المستوردة الصفراء، لكن الأزمة دائمًا فى التخزين الذى يحتاج لآساليب معينة للحفاظ على الحبوب من التلف».
وفقاً لبيانات وزارة الزراعة، تبلغ مساحات زراعة الذرة فى مصر 2.7 مليون فدان سنوياً، توزعت فى العام الماضى بين 970 ألف فدان ذرة صفراء، و1.8 مليون فدان ذرة بيضاء.
وفقًا للبيانات المتاحة من وزارة الزراعة الأمريكية، استوردت مصر نحو 3.83 مليون طن من حبوب الفول الصويا الأمريكية خلال العام المالى قبل الماضى، ارتفعت إلى 4.4 مليون طن العام المالى الماضى، وسط توقعات بارتفاعها بنحو 200 ألف طن فى العام المالى الجارى إلى 4.6 مليون طن.
تتوقع الوزارة الأمريكية، أن يرتفع استهلاك مصر من فول الصويا ودوار الشمس وزيت النخيل المستخدم للغذاء والاستخدام الصناعى فى العام المالى الجارى.
قالت الوزارة، إنه خلال السنوات المالية الأربع بين 2016/17 و2019/20، كان الموردون الرئيسيون لمصر هم الولايات المتحدة بواقع 9.97 مليون طن، وأوكرانيا 1.59 مليون طن، والأرجنتين 1.46 مليون طن، وأوروغواى 264 ألف طن، والبرازيل 248 ألف طن.
توقعت الوزارة أن يبقى إنتاج فول الصويا المنزرعة محليًا فى مصر عند 25 ألف طن من خلال استزراع 22.2 ألف فدان فقط تمت زراعتها بأربعة أصناف هى (جيزة 21، وجيزة 22، وجيزة 25، وجيزة 111).
تهيمن شركتان فى مصر على عمليات سحق فول الصويا بنسبة تزيد على %80 طاقات الإنتاج بالسوق، وهما (SOYVEN، وAlex Seeds Company)، وباستثناء ذلك، تعمل غالبية المصانع الأخرى بنحو %55 من طاقتها التشغيلية.
أما على مستوى محصول دوار الشمس، فتنتج مصر نحو 47 ألف طن فقط، فى حين تصل كميات الاستهلاك السنوية إلى 150 ألف طن، بزيادة 5000 طن فى العام المالى الجارى عن العام السابق له، وفقًا لتقديرات «الزراعة الأمريكية».
وتوقعت الوزارة ارتفاع الواردات بنحو 10 آلاف طن فى العام المالى الجارى إلى 100 الف طن مقابل، مدفوعة بتفضيل بعض مربى الماشية إدراج وجبة بذور دوار الشمس فى حصصهم الغذائية لتقليل التكاليف، ولاتزال بذور دوار الشمس تأتى بشكل مباشر من أسواق روسيا وأوكرانيا.
بشكل عام، توقعت الوزارة الأمريكية أن يرتفع استهلاك مصر من الزيوت فى العام المالى الحالى بنحو %2.33 وصولا إلى 2.63 مليون طن، تمثل زيوت النخيل منها نحو %47.7 بينما زيت فول الصويا %38.1، وزيت دوار الشمس %14.1.
تعد الهيئة العامة للسلع التموينية هى المستورد الأكبر للزيوت النباتية فى مصر، ووفقًا لأخر بيانات رسمية متاحة، اشترت الهيئة نحو 390 ألف طن من زيت فول الصويا و233 الف طن من زيوت دوار الشمس، و199 ألف طن من زيوت فول الصويا المحلية، وذلك فى العام المالى السابق.