يعاني الاقتصاد العالمي من التضخم ويكافح من أجل النمو، لكن ربما يكون أفضل تلخيص للوضع هو نقطة بيانات واحدة: عدد وتنوع التغييرات في السياسة التي أعلنتها البنوك المركزية حول العالم الأسبوع الماضي.
اتخذ الفيدرالي الخطوة الأكثر قوة، ويتوقع مسؤولوه الآن أن يستقر التضخم الأساسي – وهو إجراء يستبعد البنود الأكثر تقلبا – عند 4.3% العام الحالي، وهذا جزء أساسي من سبب رفع الفائدة بنسبة 0.75% يوم الأربعاء الماضي، وهي الزيادة الأكبر منذ 30 عامًا تقريبًا، وفي الوقت نفسه، بدأ الاحتياطي تقليص حيازاته من الأصول – وهو شكل آخر من أشكال التشديد، ويريد الفيدرالي أن يرى الناس أنه لا يزال لديه باول فولكر.
وضع رئيس الفيدرالي في الثمانينيات الاقتصاد الأمريكي في نزاع مع سياسة نقدية متشددة للغاية لإنهاء الإرث التضخمي في السبعينيات، وقدم الرئيس الحالي جاي باول وزملاؤه الأسبوع الجاري توقعات تظهر أنهم على استعداد لإبطاء الاقتصاد وزيادة البطالة، وكانت نبرته غير مبشرة بشأن احتمال حدوث “هبوط ناعم”.
ورغم كل التخفيضات في مستوى التوقعات، فمن المهم إبقاء مصير بنك الاحتياطي الفيدرالي في سياقه، ولا يزال واضعو أسعار الفائدة يتوقعون سيناريو حميد إلى حد معقول، وهم يعتقدون أن النمو سيستمر وأكثر التوقعات تشاؤما هي أن تبلغ نسبة البطالة 4.5%.
سيفعل بنك إنجلترا أي شيء لتحقيق مثل هذه النتيجة السعيدة، ورفع المركزي البريطاني أسعار الفائدة الأسبوع الماضي بمقدار 0.25% فقط، رغم أنه من المتوقع أن يصل التضخم إلى 11%. لكن بنك إنجلترا يتوقع ركودًا اقتصاديًا على أي حال، لذلك لا داعي للضغط على المكابح بقوة مثل الاحتياطي الفيدرالي.
في غضون ذلك، يعيد البنك المركزي الأوروبي إحياء فصول من كتب تاريخ أزمة منطقة اليورو، ويشعر المستثمرون بالقلق من حكومات منطقة اليورو ذات الديون المرتفعة، مما أدى إلى مواجهة بعض الدول في الاتحاد النقدي فجأةً لتكاليف اقتراض أعلى، ودعا البنك المركزي الأوروبي إلى اجتماع طارئ للإعلان عن تدابير للتعامل مع هذا “الانقسام”، والحفاظ على تماسك النظام المالي لقافلة الدول التابعة له.
ويصعب على المستثمرين متابعة كل ذلك، وانخفضت الأسهم العالمية بشكل عام وسط مخاوف من ارتفاع تكاليف الاقتراض والركود، ورغم وجود بعض الومضات. أدى قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي في الواقع إلى ارتفاع أسعار الأسهم، حيث ارتفع مؤشر “ستاندرد آند بورز” بنسبة 1.5 في المائة يوم الأربعاء، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن باول قال إن الاحتياطي الفيدرالي قد يقوم بزيادات أقل في المستقبل، ولكنه انخفض بنسبة ضعف تلك يوم الخميس بفضل رفع غير متوقع لسعر الفائدة من قبل البنك المركزي السويسري.
الصورة الكبيرة التي تمر عبر هذه القرارات هي أن الركود يبدو أكثر ترجيحًا مما كان عليه الأسبوع الماضي. كان الأسبوع الماضي مليئا بالتحركات المفاجئة من قبل محافظي البنوك المركزية – وبعد فترة طويلة كانوا يخضعون فيها لانتقادات لكونهم بطيئين للغاية، ومع ذلك، ينبغي الترحيب بالتغييرات الأسبوع الماضي.
هذا، أساساً، وقت صعب للقيام بهذه المهمة إذ تستمر الحرب في أوكرانيا في دفع التضخم بينما تلقي بثقلها على النمو. وقد تستمر عمليات الإغلاق المرتبطة بكوفيد في الصين في التأثير على سلاسل التوريد، ويواجه الاقتصاد العالمي ضغوط عرض سريعة الحركة، ومحافظو البنوك المركزية عالقون في صندوق أدوات جانب الطلب بطيء الحركة. علاوة على ذلك ، فإن عدم اليقين مرتفع بشكل غير عادي. لا أحد لديه السيطرة على مدى قوة هذه الضغوط التضخمية الفريدة، ولا التأثير على النمو والتجارة والوظائف والدخل.
جاءت التحركات المفاجئة من قبل البنوك المركزية الأسبوع الحالي ردًا على معلومات اقتصادية جديدة حقيقية: أسعار المستهلكين أعلى من المتوقع، وبعض عائدات السندات في منطقة اليورو ترتفع سريعا، وتوقعات التضخم في الولايات المتحدة تقفز بقوة.
يجب أن تكون استراتيجيات صانعي السياسات الاقتصادية معتمدة على البيانات وليست عقائدية، وهذا يعني أنه في الوقت الذي تستمر فيه البيانات في التحرك، فإن سياساتهم كذلك، لذا توقعوا اضطرابات في المستقبل.
افتتاحية صحيفة “فاينانشيال تايمز”.