مصنعون ومستوردون وتجار يفضلون المنتج المحلى.. و«الصناعة» تبلغ «التجارة العالمية» بمد رسوم الإغراق «إجرائيًا»
«الصناعة» تدرس فى فترة المد إمكانية تجديد الحماية على واردات الحديد 5 سنوات إضافية أو إلغائها نهائيًا
بمرور الوقت، تتزايد تنافسية صناعة حديد التسليح المحلية أمام المنتجات المستوردة من مختلف المناشئ، بدعم من تقارب الأسعار إلى حد بعيد بين الحديد المستورد والمحلى، ويدل ذلك على توجه صناعة الصلب فى مصر، نحو المسار الصحيح للتنمية.
تستمر الحكومة المصرية فى حماية منتجات الحديد والصلب فى مصر من خلال رسوم إغراق أعلى 3 مناشئ اعتادت التصدير إلى مصر، وهى (تركيا، الصين، أوكرانيا) بنسبة تصل إلى 25% من سعر طن الحديد المستورد المستورد، بالإضافة إلى 10% رسوم تنمية موارد الدولة.
وتبقى تناقسية المنتجات المحلية قائمة أمام المنتجات المستوردة حتى وإن ألغت الحكومة رسوم الإغراق والتنمية، لأن الكثيرين يفضلون المنتج المحلى وطالبوا بمزيد من آليات الدعم لخفض تكاليف الإنتاج بهدف إضافة تنافسية فى التصدير الذى لا يلقى الشكل المقبول بعد أمام قوة الصناعة وطاقاتها الإنتاجية المتاحة.
وتعانى الصناعة التى تقترب استثماراتها الكلية من 200 مليار جنيه بشكل مستمر، إذ انها تملك قدرات إنتاجية تتخطى 15 مليون طن من كافة الأصناف «تسليح ومسطحات» لكن الإنتاج الفعلى منها يظل عند 10 ملايين طن تقريبًا، 8 ملايين منها منتجات تسليح.
وظهرت مطالبات بإفراد برنامج خاص لدعم تصدير حديد التسليح، ما يسمح بتشغيل طاقات إنتاجية أعلى بالمصانع وتوفير عوائد استثمارية من الطاقات المتعطلة التى تتخطى 40% من قوة الصناعة، إذ تنتنج نحو 8 ملايين طن فقط فى المتوسط سنويًا، فى حين تقترب القدرات الفعلية من 14 مليون طن.. هذا بالإضافة إلى العائد الدولارى الجيد من التصدير.
البعض الآخر، طالب بنقل تجربة تركيا فى زيادة صادراتها من الحديد، إذ بخلاف الدعم الذى تقدمه للصادرات، توسع المقاولون التركيون فى المشروعات الدولية خارج «أنقرة»، وبالتالى سمح لهم ذلك شراء كميات كبيرة من الحديد التركى المحلى وتصديره إلى الدول التى يعملون بها، ويمكن نقلها فى مصر مع تقديم حوافز للمقاولين المصريين بشرط أن يردوا العائدات الدولارية للبنك المركزى.
رحب صناع حديد التسليح بقرار وزارة الصناعة، الذى مدت من خلاله العمل برسوم الإغراق النهائية على الواردات من صنف حديد التسليح «أسياخ ولفائف وقضبان وعيدان»، ذات المنشأ أو المُصدرة من الصين أو تركيا أو أوكرانيا، لمدة عام إضافى.
قال محمد عليوة، العضو المنتدب لشركة مصر ستيل للصلب، إن مد العمل بالقرار يحمى الصناعة المحلية مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية التى أثرت سلبا على واردات البيليت وأسعار الخامات.
المصانع الاستثمارية تقدم أسعاراً تنافسية مع الحديد المستورد.. أقل من 16 ألف جنيه للطن
أضاف لـ«البورصة»، أن العديد من الدول تلجأ إلى تقليل وارداتها والاعتماد على مصانعها فى توفير احتياجاتها، والمصانع حاليًا لا تواجه أزمة فى طاقاتها الإنتاجية من حديد التسليح، بل تعانى فوائض فى الطاقات.
ألغت وزارة الصناعة والتجارة فى نوفمبر العام الماضى قرارها بفرض رسوم الحماية المتناقصة على واردات حديد التسليح من جميع دول العالم، والتى سبق أن فرضتها فى 2019 بواقع 25%.
لكن الوزارة استثنت من هذا الإلغاء القرار الصادر فى 2017 خلال تولى المهندس طارق قابيل، حقيبة وزارة الصناعة، والذى فرض رسوم نهائية لمكافحة الإغراق على واردات حديد التسليح المُصدرة من أو ذات المنشأ الصينى والتركى والأوكرانى لمدة 5 سنوات.
مؤخرًا، مدت الوزارة القرار عامًا إضافيًا بهدف حماية الصناعة المحلية بعد أن انتهت السنوات الخمسة الأولى مطلع يوليو الجارى.
طالبت مصادر فى قطاع الصلب، باستمرار فرض الرسوم بنسبة 25% خلال عامين إضافيين لحين استقرار الأسواق وتعافيها من تداعيات الأزمات الاقتصادية العالمية التى خلفتها أزمة فيروس كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية، وأزمة الشحن العالمية.
أضافت: «لدينا عدد من المشروعات القومية التى تدخل فيها الدولة، ويعد خام الحديد مصدر أساسى فى قطاع العقارات بشكل عام، وهو ما يستوجب من الدولة أن تولى مزيدًا من الاهتمام والدعم لصناعة الصلب».
وقال محمد حنفى، المدير التنفيذى لغرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات، إن مد رسوم الإغراق على الحديد المستورد لمدة عام هو قرار إجرائى».
قال: «المد لحين انتهاء التحقيقات التى من الممكن أن تنتهى بمده مرة أخرى لمدة 5 سنوات إضافية أو وقف العمل به، بحسب ما ستصل إليه التحقيقات الجديدة لجهاز مكافحة الدعم والإغراق بوزارة الصناعة».
أوضح أن القرار كان من المفترض أن يوقف العمل به فى يوليو الجارى، وبالتالى عند مطالبة وزارة التجارة والصناعة بإعادة العمل به كان سيحتاج الأمر وقتاً طويلا لإجراء تحقيقات من جديد وإجراء دراسة للسوق، ومن هنا كان مد العمل بالقرار خطوة إيجابية.
قالت مصادر حكومية لـ«البورصة»، إن وزارة الصناعة أبلغت منظمة التجارة العالمية رسميًا بقرار المد قبل إصداره رسميًا، وبالتالى فالقانون يسمح بالمد طالما لم تنته المدة الأولى والرسمية.
سعر الحديد المستورد بدون أى رسوم إغراق أو تنمية لن يقل عن 15.5 ألف جنيه للطن
أوضحت المصادر، أن رسوم الإغراق هى إجراء تتخذه الحكومات، الأعضاء بمنظمة التجارة العالمية ومصر واحدة منها، لضبط موازين السوق وتحقيق أسعار عادلة للصناعات المحلية وفقًا لتكاليف الإنتاج، خاصة وقت الارتفاعات المطردة فى الأسعار المحلية مقارنة بالمنتجات المستوردة.
أضافت أن مد العمل بالرسوم لا يتعارض مع ضوابط منظمة التجارة العالمية والتى تسمح للدول الأعضاء ببعض الأدوات مثل رسوم الحماية والإغراق لحماية صناعتها من الواردات الأجنبية».
والإغراق، ظاهرة معروفة فى الأسواق العالمية، تتضمن بيع سلعة فى دولة أجنبية بسعر يقل عن تكاليف إنتاجها، ومن ثم تعوض الأرباح الاحتكارية المحققة فى السوق المحلى الخسارة الناتجة عن البيع بأقل من سعر التكلفة فى السوق العالمى.
على مستوى تسعير حديد التسليح خلال العام الجارى محليًا، وعالميًا، فقد شهد تذبذبا كبيرا مدفوعة بعوامل عدة، أهمها ارتفاع أسعار الخامات عالميًا نتيجة الأزمة الروسية الأوكرانية، وأزمة الشحن، واستمرار التأثير السلبى من تداعيات جائحة كورونا.
ووصلت اسعار حديد التسليح فى مصر إلى أعلى مستوياتها خلال شهر أبريل الماضى، إذ اقترب الطن من 21 ألف جنيه للمرة الأولى، لكنها أخذت فى التراجع تدريجيًا إلى نحو 17.6 ألف جنيه للطن من منتجات مصانع الدورة المتكاملة، ونحو 16 ألف جنيه لدى المصانع الاستثمارية الصغيرة العاملة بنظام الدرفلة.
وتوقع محمد حنفى، المدير التنفيذى لغرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات، مزيدًا من التراجعات خلال الفترة المقبلة، والتى قد تبدأ بنحو 1000 جنيه فى الطن، خاصة فى المنتجات لدى مصانع الدورة المتكاملة، مع أوائل يوليو الجارى، ليتراوح سعر الطن ما بين 16.8 ألف جنيه للطن، و17.1 ألف جنيه.
وعزا حنفى، توقعاته بانخفاض الأسعار إلى تراجع أسعار خامات تصنيع الحديد عالميًا، إلى جانب الغموض بشأن سعر بيع الدولار خلال الفترة المقبلة.
المعدنية: توقعات بتراجع يصل إلى 1000 جنيه يوليو الجارى وتخفيضات أخرى محتملة
أوضح أن بعض التجار يتوقعون أيضاً استمرار تراجع الأسعار خلال يوليو الجارى، لذا فهم بالفعل قد خفضوا سعر البيع الفعلى إلى 16.5 و17.5 ألف جنيه للطن، بهدف تصريف المخزون قبل إجازة عيد الأضحى، والتى تبدأ مطلع يوليو الجارى.
وتهاوت أسعار خامات الحديد من البليت خلال الفترة الماضية، وانخفضت فى الأسبوع الأول من يونيو الجارى إلى 500 و530 دولارًا للطن من البليت الروسى، و550 دولارًا هو متوسط سعر البليت التركى، وذلك مقابل نحو أكثر من 900 دولار للطن فى أبريل الماضى، وفقًا للبيانات الرسمية لبورصة لندن للمعادن.
وتراجعت أسعار حديد التسليح كمنتج نهائى إلى 660 دولارًا للطن فى المتوسط، من مستويات كانت قد قاربت حدود الـ1000 دولار للطن فى أبريل الماضى.
وقال خالد الرفاعى، رئيس شركة رويال ستيل لاستيراد حديد التسليح، إن الحديد المستورد أصبح لا قيمة فعلية لدخوله، ولن يفيد الاقتصاد المصرى حال دخوله، حتى لو لم تفرض رسوم إغراق.
أضاف: «أعمل فى قطاع الحديد والصلب منذ سنوات طويلة، وكانت مبيعات الشركة بشكل رئيسى من الاستيراد بجانب التجارة فى بعض الكميات المحلية، لكن حاليًا الحديد المستورد والمحلى أصبحا متقاربين إلى حد بعيد فى الأسعار، بالإضافة إلى الجودة المتميزة التى يتمتع بها الحديد المصرى».
وذكر أن مصانع درفلة الحديد تبيع بأسعار أقل من 16 الف جنيه للطن، وعند حساب أسعار الحديد المستورد بعد إضافة كافة التكاليف بدون رسوم الإغراق ورسوم التنمية سيصل إلى 15.5 ألف جنيه للطن، وبالتالى فالأسعار تقريبًا واحدة».
قال وائل سعيد، رئيس شركة الفجر ستيل لتجارة الحديد: «أتوقع أن تُخفض مصانع الدورة المتكاملة أسعارها فى الفترة المقبلة بنسبة كبيرة بدعم من تراجع الأسعار العالمية لخامات التصنيع إلى مستوى 630 دولارًا للطن فى المتوسط».
أضاف: «تفسيرى لعدم تعديل الأسعار بعد هو أن المصانع اشترت كميات كبيرة من الخامات بالأسعار المرتفعة فى حدود 900 دولار للطن، ومن الطبيعى أن تبدأ التخفيض مع قرب انتهاء تلك المخزونات وبدء العمل بالمخزونات الجديدة بالأسعار الأقل».
الأسعار الفعلية للبيع بالأسواق تهبط لمستويات أقل من سعر المصانع لتصريف المخزون
طالبت مصادر فى قطاع حديد التسليح بإفراد برنامج مخصص لدعم الصادرات مع التوجيه برقابة حكومية عليها، فمثلًا: «إذا استقبل أحد المصانع طلبًا لتصدير كميات من حديد التسليح يُرسَل الطلب إلى وزارة الصناعة، ومن ثم الحصول على دعم مالى مخصص لتصدير تلك الكميات».
قالت المصادر: «المصانع مجتمعة لديها قدرات تشغيلية تقترب من 14 مليون طن، لكنها فى أحسن الأحوال تنتج 8 ملايين طن، ما يعنى وجود فائض يصل إلى 6 ملايين طن تم ضخ استثمارات كبيرة فيها تحتاج لتحقيق عائد استثمارى».
أضافت: «بعض المصانع تُصدر كميات ضئيلة إلى الأسواق العربية، وأغلبها لفائف وليست أطوال، والأخيرة هى المطلوب تصديرها، إذ أن اللفائف لم تعد مطلوبة بقوة فى السوق المحلية».
قال محمد السويفى، مدير عام مجموعة العلا للصلب، إن القدرة على النفاذ إلى الأسواق الخارجية سيدر عائدا ماديا قويا من العملة الصعبة التى تُساعد الاقتصاد على النمو وخفض قيمة الدولار أمام الجنيه.
أوضح: «بالتأكيد لدينا فرص واعدة فى الأسواق العربية والأفريقية، لكن لا يمكن تنفيذ عقود تصديرية بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج وضعف المنافسة مع أسواق أخرى».
قال وليد جمال الدين، رئيس المجلس التصديرى لمواد البناء، إن مصر تُصدر بالفعل حديد تسليح، لكنها نسبة ضعيفة جدًا إلى صادرات الصلب بشكل عام، فأغلب الصادرات تكون من مصنعات الزوايا والكمر والمبانى المعدنية من الجمالونات وغيرها، وذلك بسبب ارتفاع التكلفة أمام المنافسين الدوليين.
استبعد جمال الدين، إمكانية إفراد برنامج تصديرى لمنتجات حديد التسليح فى الفترة الحالية، وقال إن البرامج الحالية التى تعمل من خلالها الحكومة تواجه صعوبات فى صرف المستحقات، فى ظل عدم قدرة الحكومة على زيادة موازنة صندوق دعم الصادرات، وقد يحدث فى المستقبل مع تحقيق مزيدًا من النمو للاقتصاد المصرى».
أوضح أنه قبل 8 سنوات تقريبًا طلب هذا الطلب، لكن الرد جاء بأن صناعة الصلب ضخمة وقوية، وتستطيع وحدها تلبية احتياجاتها بدون مساعدة، فتستطيع خلق تنافسية لنفسها وترويج مناسب يساعدها على التصدير».
أضاف: «توجد حلول جيدة بطريقة غير مباشرة، وفى التجربة التركية مثال قوى لمساعدة صادرات حديد التسليح من منتجات الأطوال واللفائف، ويمكن لشركات المقاولات المصرية أن تنشط بصورة أقوى فى المشروعات الدولية خارج مصر، وسيسمح لها ذلك بجذب مبيعات دولية لشركات الحديد المصرية».
قال جمال الدين، إن شركات المقاولات التركية تحصل على منتجات الحديد لمشروعاتها الدولية من مصانع تركيا، مع تقديم معونات وتسهيلات من الحكومة لمساعدتها على التوسع وتصريف كميات كبيرة من إنتاج الصلب.
أضاف: «إذا قدم المقاولين المصريين العاملين فى مشروعات دولية عوائدهم الدولارية عن طريق البنوك والبنك المركزى، فيمكن أن ينتقل الحديث إلى حصولهم على معونة عبر المشروعات التى يعملون عليها فى مصر».
مثل: «إذا كانت الشركة تعمل فى مصر على مشروع حكومى بتكلفة 100 مليون جنيه، يمكن أن يحصل على 10% إضافية مقابل ما يقدمونه من خدمات للاقتصاد ولصناعة الصلب، كما يحدث في تركيا مثلًا، لكن الأهم أن لا تكون من ميزانية صندوق دعم الصادرات».
أشار إلى تحقيق ميزة إيجابية من ذلك، وهى أن شركات المقاولات ستحصل على أموالها فى المشروعات الدولية بالعملة الصعبة، لكنها ستشترى الحديد من مصر بالجنيه، بدلًا من شراءها المنتج نفسه من شركات دولية بالعملة الصعبة أثناء التنفيذ.
أوضح أنه فى التصدير لن يوجد فارق أمام مصنع الحديد المصرى إذا ما باع منتجه بالدولار أو بالجنيه، فالمكسب الأساسى له هو بيع مزيد من المنتجات، سواء محليًا أو خارجيًا، وتشغيل مزيدًا من الطاقات المعطلة.