يمر اقتصاد آسيا بتحول، إذ تحل الخدمات محل التصنيع كمحرك رئيسي للنمو الاقتصادي، وهذا التغير المدفوع بظهور التقنيات الجديدة والازدهار المتزايد أدى إلى إنشاء جيل جديد من الشركات، والذي بات يُعرف باسم العمالقة الناشئة في الاقتصاد الآسيوي الجديد.
تشير أرقام البنك الدولي إلى أن الخدمات تمثل الآن 59% من الناتج المحلي الإجمالي الإقليمي، أي أكثر من ضعف حصة التصنيع البالغة 25%.
وحتى وقت قريب، كان قطاع الخدمات في المنطقة عبارة عن مجموعة من الشركات الصغيرة وغير الفعالة نسبياً الموجهة نحو المستهلك مع مجال محدود للنمو.
تتيح مجموعة من الفرص الجديدة، التي ظهرت مع انتشار التكنولوجيا وزيادة الدخل المتاح الناتج عن النمو الإقليمي لتصنيع سلسلة الإمداد العالمية، للشركات الجديدة تحقيق نطاق ووصول غير مسبوقين.
وتشير دراسة مشتركة، أجراها “إتش.إس.بي.سي” و “كيه.إم.بي.جي” على 6472 شركة ناشئة آسيوية تركز على التكنولوجيا مع تقييمات أقل من 500 مليون دولار، إلى أن الشركات الناجحة تميل إلى التجمع حول عدد من الصناعات الرئيسية، والعديد منها يجمع بين الربح المحتمل والقيمة الاجتماعية، بما فيها التكنولوجيا المالية والبيئة والصحة.
ذكرت مجلة “نيكاي آسيان ريفيو” اليابانية أن النظام البيئي الرائد في مجال التكنولوجيا المالية في آسيا مزدهر.
يذكر أيضاً، أن واحدة تقريباً من كل 10 شركات شملها الاستطلاع كانت منخرطة في التمويل اللامركزي بطريقة أو بأخرى.
لا شك أن التأثير الذي يحدثونه عميق، فقد أدى الوصول الأسهل والأرخص للخدمات المالية ـ إلى جذب مئات الملايين من الأشخاص إلى الاقتصاد الرسمي.
قدر تقرير حديث للبنك الدولي أن 71% من البالغين في الاقتصادات النامية يمتلكون الآن حساباً لدى أحد البنوك أو مزود خدمة الأموال عبر الهاتف المحمول، ارتفاعًا من 63% في عام 2017 و 42% في عام 2011.
تعمل حلول التكنولوجيا المالية الجديدة على خفض تكلفة الخدمات المالية المتطورة نسبياً، مما يسمح لمن هم في أسفل سلم الدخل، ببناء رأس المال من خلال المدخرات الصغيرة ثم إدارة هذه الثروة أو إنفاقها.
في الصين، تعد تطبيقات الدفع بالفعل الطريقة الرئيسية التي يدفع بها حوالي 90% من سكان الحضر مقابل المشتريات اليومية.
أما في إندونيسيا، استخدم 90% من مستخدمي الإنترنت خدمات الدفع الرقمية لشراء سلع أو خدمات عبر الإنترنت.
ثمة أيضاً اهتمام كبير بالفرص البيئية، بما في ذلك شبكات شحن السيارات الكهربائية، والتعبئة والتغليف والأزياء المستدامة والصحة، بما في ذلك التقنيات المساعد ، واكتشاف العقاقير العاملة بالذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيا الصحة العقلية.
من بعض النواحي، تنشأ الشركات الناشئة الاقتصادية الجديدة في آسيا أنماط سلوك مختلفة عن نظيراتها السابقة، فهناك عدد أقل من العلامات التجارية العالمية أو حتى الإقليمية الناشئة.
حتى في ظل ضغط أزمة التمويل الأخيرة، هناك أدلة قليلة على نوع الاندماج عبر استحواذ أوجد عمالقة مثل “ألفابت” و “ميتا” في الغرب أو أقرانهم الصينيين.
يبدو أن هناك تركيزًا أكبر على تحقيق الحجم والتوسع عبر الحدود من خلال إنشاء تحالفات تعاونية بدلاً من عمليات الدمج والاستحواذ، وقد أدى ذلك إلى خلق فضاء اقتصادي جديد أكثر ديناميكية وتنوعاً، خاصة في الأسواق الآسيوية النامية.
في الوقت نفسه، يتجه مؤسسو الشركات الناشئة إلى مناطق جديدة مثل الرموز غير القابلة للاستبدال وإيجاد النجاح في مزيد من مجالات المضاربة مثل السفر المدعوم بالذكاء الاصطناعي والمتاجر الصغيرة غير المزودة بالموظفين ومجموعة هائلة من منتجات التكنولوجيا المالية المختلفة.
وأصبحت منطقة آسيا والمحيط الهادئ بشكل متزايد منطقة عالمية لتجارب الاقتصاد الجديد المبتكرة، وقد كان الدافع وراء ذلك ظهور مزيد ومزيد من خيارات التمويل المحلية، وقاعدة مستهلكين شباب على استعداد لتجربة تطبيقات جديدة والفرص الجديدة التي لا يعيقها الولاء للعلامة التجارية وهو أمر مهم جداً بالنسبة لبعض النظم البيئية الأكبر في الأسواق الأكثر تطوراً.
كذلك، تلعب الشراكات ونماذج الأعمال المحلية دوراً في جميع أنحاء المنطقة، حيث يعد التعاون هو الأمر الفائز.
تتعرض الشركات الناشئة للسوق والعملاء، بينما تحصل الشركات على حلول تقنية محلية مبتكرة تعمل على تحسين العمليات التجارية أو منح الوصول إلى أسواق جديدة.
كانت أعواماً صعبة، إذ تضررت الاقتصادات بشدة من الوباء.
ومع ذلك، فإننا نشهد حفنة من الأعمال الاقتصادية الجديدة التي تزدهر في ظل الفوضى، وهؤلاء العمالقة الناشئين آخذون في النمو، وسيتطور البعض ليصبح شركات “اليونيكورن” القادمة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، حتى مع اصطفاف موجة جديدة من الشركات لتأخذ دورها.
لذلك، إذا أغمضت عينيك، فقد يفوتك الأمر فقط.