عاد رانيل ويكرمسينج، الذي أنقذ اقتصاد سريلانكا من الركود عندما كان رئيساً للوزراء في عام 2002، عاد الآن ليشغل منصب الرئيس الوقت للبلاد، لكنه يواجه تحدي أكبر هذه المرة.
تولى ويكرمسينج منصبه في ظل ندرة إمدادات الوقود والكهرباء بسبب نقص النقد الأجنبي في البلاد وفي ظل ارتفاع التضخم بنسبة 75%، وانخفاض الروبية السريلانكية من 203 مقابل الدولار الأمريكي في بداية العام إلى حوالي 360 روبية.
في مايو، تخلفت الحكومة السريلانكية عن سداد ديونها الدولية، ويتوقع بنك التنمية الآسيوي أن ينكمش الاقتصاد بنسبة 7.2% خلال العام الحالي.
يشعر بعض المتظاهرين الذين أطاحوا بجوتابايا راجاباكسا من الرئاسة الشهر الماضي بمقدار القلق نفسه تجاه الحليف القديم ويكرمسينج، الذي تعرض منزله الخاص للهجوم والحرق الشهر الماضي عندما كان رئيساً للوزراء، لكن الآن وبعد أن أصبح رئيساً، يطالب بعض المحتجين باستقالته.
علاوة على أسوأ وضع محلي منذ حصول سريلانكا على استقلالها عام 1948، تسعى الحكومة لتجنب الإفلاس في وقت تتدهور فيه البيئة الاقتصادية العالمية.
كما أن كولومبو، ستواجه تحدي لجذب انتباه العالم إلى محنتها، في ظل الحرب الناشبة في أوكرانيا والوضع المتردي بشكل متزايد في باكستان وبنجلاديش، وهي دول جنوب آسيا الأكبر، بحسب ما ذكرته مجلة “نيكاي آسيان ريفيو” اليابانية.
من المتوقع أن يعلن ويكرمسينج عن استراتيجيته الاقتصادية قريباً، إذ يقال إن المحادثات بشأن حزمة الدعم من صندوق النقد الدولي تسير بشكل جيد وتهدف الحكومة إلى تقديم خطة لإعادة هيكلة ديونها في نهاية أغسطس الحالي على أمل الحصول على موافقة من دائنيها.
مع ذلك، ثمة بوادر على الأمل، وارتفعت أسعار السندات السيادية الدولية في سريلانكا بنحو 24% خلال الفترة الأخيرة من شهر يوليو الماضي بعد تعيين ويكرمسينج كرئيس مؤقت للبلاد.
وفي ظل الدفعة الضعيفة التي تمتعت بها الروبية السريلانكية، أعلنت البلاد في يونيو عن أول فائض تجاري شهري لها منذ 20 عاماً، إذ ارتفعت عائدات الصادرات بنسبة 24% عن العام السابق.
من بين المخاطر الرئيسية، التي لاحظها اقتصاديا الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، جاهيونج كو وشيري كيزر، في دراستهم لتعافي كوريا الجنوبية من الأزمة المالية الآسيوية، أن أزمة العملة يمكن أن تتحول أيضاً إلى أزمة مصرفية.
يجب على الحكومة أن تعمل على الحد من حالات عدم الاستقرار في ظل مع تعرض البنوك السريلانكية لضغوط من تأجيل الديون والخسائر في مراكز الصرف الأجنبي.
تمتلك العديد من البنوك المحلية حيازات كبيرة من السندات الحكومية المقومة بالروبية والدولار، لكن السلطات بحاجة للنظر في تمديد مدة جميع سنداتها الخارجية المستحقة حتى عام 2025 بمقدار عقد زمني وتأجيل مدفوعات الكوبون لثلاثة أعوام بدلاً من فرض تخفيض في أصل الدين المستحق السداد، وذلك لتوفير الحماية اللازمة أثناء إعادة هيكلة الديون الحكومية.
ثمة إجراء آخر من شأنه أن يساعد في خفض ضرائب البنوك، حيث يمكن للحكومة أن تعرض حصص استراتيجية في بنك سيلان المملوك للدولة والبنك الشعبي لشركات تمويل التنمية الدولية مثل مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي، بالإضافة إلى إدراج الأسهم في سوق الأسهم المحلية.
يجب على الحكومة أيضاً النظر في بيع أسهم الشركات الحكومية المربحة مثل “سريلانكا للتأمين” و”هيئة موانئ سريلانكا” في بورصة كولومبو للأوراق المالية لجذب رأس المال الأجنبي، كما يجب أن تمثل إعادة خصخصة الخطوط الجوية السريلانكية أولوية.
وحتى تتمكن من معالجة أزمة الطاقة، يجب على المسؤولين تحرير تجارة الوقود بالتجزئة وتوزيع غاز البترول المسال وتزويد وقود الطائرات، كما يجب السماح بدخول الشركات الأجنبية التي يمكنها توفير الإمدادات في الخارج، فهذا الأمر من شأنه تخفيف النقص المحلي.
يجب أيضاً التدقيق في منظمات الدولة الأخرى، إذ يمكن إعادة هيكلة مجلس الكهرباء السيلاني لفصل نقل وتوزيع الطاقة عن توليد الطاقة، وبالتالي يمكن للاستثمار الأجنبي بعد ذلك توفير بعض رأس المال اللازم لتوسيع توليد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في البلاد.
كذلك، يجب على السلطات النظر في خفض الإعانات وتقليل العمالة الزائدة عن طريق إعادة هيكلة العمليات وموائمة الأسعار بشكل أفضل مع طلب السوق.
يجب على المسئولين الحكوميين البحث أكثر في كيفية تمكن دول شرق آسيا من التعافي بهذه السرعة من الأزمة المالية لعام 1997-1998.
وأظهرت أحد الدراسات التي أجراها لي جونج واه وبارك يونج تشول، وكلاهما من جامعة كوريا، أن الدول الأكثر تضرراً تمكنت من العودة إلى مستويات الإنتاج الاقتصادي السابقة للأزمة في غضون عامين إلى ثلاثة أعوام فقط، مع التعافي بشكل أسرع بالنسبة لأولئك الذين يتلقون مساعدة صندوق النقد الدولي.
وكتب كل من لي وبارك: “وجدنا أن الانتعاش السريع في شرق آسيا كان مدفوعاً بشكل كبير بسياسات الاقتصاد الكلي الملائمة والبيئات الخارجية المواتية والهيكل الأكثر توجهاً نحو التصدير”.
وبينما تفتقر سريلانكا للقدرة على الاعتماد على بيئة خارجية مواتية، يمكنها تحسين سياساتها الاقتصادية والاعتماد على قطاع التصدير.
كما يُتوقع أن تبدأ السياحة، التي كانت مصدراً رئيسيًا للنقد الأجنبي قبل الوباء وحرب أوكرانيا، في المساهمة في نمو الاقتصاد مرة أخرى بحلول نهاية العام مع استقرار الظروف.