يواجه مطورو العقارات الصينيين، خسائر تقدر بنحو 130 مليار دولار بسبب المخاوف المتزايدة من أن سوق الإسكان الصيني سيواجه أزمة طويلة الأمد ما لم تتدخل بكين بخطة إنقاذ ضخمة.
تُسعر ثلثا السندات الدولارية المستحقة المصدرة عن مطورين صينيين والتي يزيد عددها عن 500 سند، الآن بأقل من 70 سنتا عن الدولار، وهي عتبة شائعة بين الحالات المتعثرة، بحسب تحليل أجرته صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية لبيانات “بلومبرج”.
يأتي الضغط المتزايد على السوق بعد عام من بدء “إيفرجراند”، وهي أكبر شركات التطوير العقاري المديونة في العالم، بالانحدار نحو التخلف عن السداد، وهو ما أشعل اضطرابات في جميع أنحاء قطاع البناء المسؤول عن نحو 30% من الناتج الاقتصادي السنوي للبلاد.
سعت بكين إلى فرض تدابير إضافية، مثل خفض معدل إقراض الرهن العقاري مؤخراً، لكن المحللين قالوا إن رفض صُناع السياسة إطلاق خطة إنقاذ شاملة قد يزيد التكلفة النهائية لإنقاذ الصناعة، وقد يُفاقم التداعيات على الأسواق العالمية والتجارة مع تباطؤ النمو الصيني.
قال كبير محللي الائتمان في وكالة “موديز إنفستورز سيرفيس”، سيدريك لاي : “مع الرياح غير المواتية للصناعة والأخبار السلبية، من الواضح جداً أن أسعار سندات المطورين الخارجية المقومة بالدولار انخفضت بحدة منذ العام الماضي، وما زلنا نعتقد أن التعثر في السداد سيستمر خلال الفترة المتبقية من 2022، خاصة بالنسبة للمطورين ممن لديهم آجال استحقاق ديون كبيرة في الخارج ومبيعات ضعيفة”.
تُسعر الآن العديد من السندات الدولارية للمطورين عند مستوى ينطوي على مخاطر عالية جداً للتخلف عن السداد، فإحدى السندات المستحقة في 7 سبتمبر والصادرة عن مجموعة “كيسه”، وهي من أوائل السندات في القطاع التي لم تسدد بالدولار في نهاية العام الماضي، يبلغ سعرها 0.09 دولار للدولار، ما يعني خسارة بنحو 272 مليون دولار على أصل 300 مليون دولار.
هناك سندات أخرى من شركة “شيماو” ومقرها شنغهاي، والتي يحين موعد استحقاقها بعد أكثر من عام بقليل، سعرها أقل بقليل من 0.10 دولار على الدولار، ما يشير إلى احتمال خسارة 268 مليون دولار.
في المجمل، قدر المستثمرون خسائرهم بنحو 130 مليار دولار على أكثر من 200 مليار دولار من مدفوعات السندات الدولارية المستحقة على مجموعات العقارات الصينية، ما يعكس خصماً بنحو ثلثي القيمة المفترضة للسوق وذلك في حال سداد جميع المدفوعات بنجاح.
تخلفت المجموعات العقارية في الصين عن سداد مدفوعات لسندات بالدولار بقيمة قياسية قدرها 31.4 مليار دولار في 2022، وواجهت الشركات ضغوطاً استثنائية بسبب إجمالي الديون التي ستستحق، حيث يتوقع مطورون عديدون سداد أصل ديونهم أو المبلغ الأصلي المقترض دفعة واحدة.
وغالباً ما تسعى الشركات إلى تحويل قروضها لديون تُصدر مجدداً لتمديد آجال استحقاقها، لكن الاضطرابات في السوق جعلت هذا الأمر شبه مستحيل بالنسبة إلى معظم مصدري الديون.
يأتي التخلف عن السداد نتيجة ما وصفه أحد المصرفيين الاستثماريين المخضرمين في هونج كونج بأنه “عاصفة مثالية” للمطورين، الذين يتعين عليهم محاولة إعادة التمويل لدرء مزيد من المدفوعات الفائتة، بينما يكافحون من أجل تهدئة الشكوك المتزايدة بين مشتري المنازل الصينيين وكبار القادة في بكين.
كان المستثمرون في البداية يأملون أن تقتصر أسوأ الضغوط على أكثر المجموعات المثقلة بالديون، مثل “إيفرجراند”، التي أصبحت أكثر اعتماداً في الأعوام الأخيرة على البيع المسبق للمساكن غير المكتملة وذلك رداً منها على الإجراءات الصارمة على المديونية الزائدة في القطاع.
لكن البناء المتوقف في مشاريع “إيفرجراند” وبعض المطورين من ذوي المخاطر المرتفعة أثار مخاوف بين العامة من أن مجموعات أخرى من مطوري العقارات قد تنهار قبل انتهائها من بناء المنازل المباعة مسبقاً، وهذه المخاوف أثارت أزمة ثقة أدت إلى خنق إيرادات المبيعات وألقت بجزء كبير من الصناعة في أزمة سيولة.
وفيما يتعلق بالأزمة التي تلوح في أفق سوق إسكان الدولة، قال روبن شينج، كبير الخبراء الاقتصاديين في شؤون الصين لدى بنك “مورجان ستانلي”: “ربما تكون عملية الإنقاذ الأكثر مركزية هي الحل الضروري لهذه الأزمة”.
أوضح شينج أن عملية الإنقاذ التي تقودها بكين لمعالجة فجوة تمويلية تقدر بنحو تريليون رنمينبي “أي ما يعادل 146 مليار دولار” لمشاريع الإسكان غير المكتملة ستتطلب “رأس مال سياسي قوي للغاية”، وأن المشكلة ستزداد سوءاً كلما طال انتظار صُناع السياسة للتدخل.
وأفاد أن “هذه الفجوة قد تتسع خلال 6 أشهر بشكل كبير إذا لم يتم التصدي للدوامة الهبوطية”.
يذكر أن التوقف عن العمل في المنازل المباعة مسبقاً على نطاق واسع قاد مئات الآلاف من مشتري المنازل حول الصين للانضمام إلى مقاطعة وطنية لدفع أقساط الرهن العقاري، التي قال المحللون إنها قوضت الثقة في الصناعة.
قالت روزيليا ياو، محللة أسواق العقار في شركة الاستشارات “جرافيكال دراجونوميكس”، إن “الوضع برمته أصبح خارج نطاق السيطرة بشكل متزايد، فلم يكن أحد يتوقع ما نراه اليوم من مقاطعة للرهن العقاري وتعليق أعمال البناء في مثل هذا الوقت من العام الماضي، وقد نواجه وضعاً أسوأ بعد عام من الآن”.