لعبت مصانع عدة دوراً في دفع بنجلاديش، التي كانت في السابق واحدة من أفقر دول العالم، لتصبح ثالث أكبر مُصدر للملابس بعد الصين وفيتنام- بحسب بيانات منظمة التجارة العالمية- محققة مكاسب كبيرة في الدخل والتعليم والصحة.
في جنوب آسيا، وهي منطقة تعداد سكانها يبلغ نحو 2 مليار شخص تمتد عبر الهند وباكستان وسريلانكا، تميزت بنجلادش بتطورها ونجاحها في تعزيز قطاع تصدير سلع منافس عالمياً.
لكن بنجلاديش تواجه الآن، بجانب معظم جيرانها في جنوب آسيا، اضطرابات نظراً لارتفاع أسعار الطاقة والغذاء عقب وباء كورونا والغزو الروسي لأوكرانيا، وهو ما أدى إلى نقص الطاقة وارتفاع فواتير الاستيراد التي أدت في بعض الحالات إلى إجهاد قدرتها في مواكبة مدفوعات الديون.
تسببت الأزمة الاقتصادية الإقليمية في جنوب آسيا في خسائر كبيرة، إذ أثرت بشدة على الدول التي اتبعت حكوماتها سياسات إنفاق متهورة، مثل سريلانكا، بجانب اقتصادات التنمية النموذجية، كما أنها تهدد الآن بعكس المكاسب المحققة بشق الأنفس في منطقة الأسواق الناشئة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في العالم، والتي تقع عند التقاطع الجيوسياسي حيث تلتقي المصالح الهندية والصينية.
وتأتي بكين ضمن الدائنين الرئيسين لكل من سريلانكا وباكستان والهند، التي تشعر بالقلق من تأثير الصين على جيرانها الأصغر. كما أنها تراقب المؤشرات التي توضح أن الأزمة قد تسمح لها بتعزيز موقفها، بحسب صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
قال مارك مالوك براون، المسؤول السابق في الأمم المتحدة والبنك الدولي، الذي يرأس الآن مؤسسات المجتمع المفتوح التي يدعمها جورج سوروس، إن “الأزمة تعاقب الدول بمجموعة من العروض والنماذج الاقتصادية المختلفة. فمثلاً بنجلاديش، وهي اقتصاد ذو توجه دولي للغاية ومعروف بقطاع الملابس، تعاني بسبب الظروف الاقتصادية في أماكن أخرى من العالم”.
أصبحت سريلانكا في مايو أول دولة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ تتخلف عن سداد ديونها منذ عقدين، حيث اندلعت احتجاجات حاشدة في شوارع كولومبو بسبب سوء الإدارة الاقتصادية للرئيس جوتابايا راجاباكسا.
ويبدو أن باكستان تدخل أيضاً فترة من التقلبات السياسية المتنامية، في وقت تسعى فيه لأخذ تمويل من صندوق النقد الدولي والدائنين الثنائيين، ما يسمح لها بتجنب التخلف عن السداد.
كذلك، تعد نيبال الصغيرة وجزر المالديف عرضة لتداعيات التضخم العالمي.
في الوقت نفسه، كانت بنجلاديش حتى وقت قريب معزولة بشكل أفضل عن الصدمات الاقتصادية الأخيرة، ويرجع ذلك جزئياً إلى قطاع التصدير الناجح فيها، لكن حكومة رئيسة الوزراء، الشيخة حسينة طلبت في يوليو من صندوق النقد الدولي قرضاً لتعزيز احتياطياتها من العملات الأجنبية ومساعدة البلاد في بناء قدرتها على الصمود في مواجهة تغير المناخ.
وتسعى بنجلاديش للحصول على نحو 4.5 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، وما يصل إلى 4 مليارات دولار أخرى من مقرضين آخرين، مثل البنك الدولي وبنك التنمية الآسيوي.
بالإضافة إلى رفع أسعار الوقود الذي أثار الاحتجاجات، خفضت الحكومة البنجلاديشية ساعات الدراسة والعمل المكتبي للحفاظ على الطاقة وفرضت قيوداً على استيراد السلع الكمالية لحماية احتياطياتها الأجنبية.
تشترك دول جنوب آسيا في قواسم مشتركة كثيرة مع الأسواق الناشئة الأخرى من غانا وإثيوبيا إلى تشيلي، إذ وصلت المشكلات المزمنة إلى ذروتها في عام أزمات الديون السيادية الأكثر حدة منذ الثمانينيات.
أوضح صندوق النقد الدولي أن بنجلاديش “ليست في حالة أزمة” في ظل نسبة الدين البالغة 39% إلى الناتج المحلي الإجمالي، وهذه النسبة أقل من جيرانها، لكنه حذر من أن البلاد معرضة لحالة “عدم يقين كبير يحيط بالتطورات الاقتصادية العالمية”.