وصف الرئيس الأمريكي جو بايدن الشهر الماضي قانون “الرقائق الإلكترونية والعلوم” البالغ قيمته 280 مليار دولار باعتباره مفتاحاً لإعادة تصنيع أشباه الموصلات “إلى الوطن” في مواجهة الجهود الصينية “للمضي قدماً”.
مع ذلك، وفي الوقت الذي سيوفر فيه هذا القانون على الأرجح دفعة لإنتاج أشباه الموصلات المحلية في الولايات المتحدة، فإن الجهود الموازية لتقييد وصول الصين إلى تقنيات صناعة الرقائق الأمريكية ستأتي على الأرجح بنتائج عكسية.
حتى الآن، كان لدى حلفاء الولايات المتحدة المشاركين في تكنولوجيا أشباه الموصلات- وهم بشكل أساسي اليابان وهولندا وتايوان وكوريا الجنوبية- سبب وجيه للاستثمار في إنشاء مصانع لتصنيع أشباه الموصلات أو برامج أتمتة التصميم الإلكتروني الخالية من التكنولوجيا الأمريكية.
كانت الضوابط المستهدفة على الصادرات الأمريكية تعني أن هؤلاء الحلفاء لم يضطروا للاختيار بين خدمة السوق التجارية الصينية وتهدئة المطالب الأمنية الأمريكية.
ويعد فقدان قلة من العملاء المحددين، مثل “هواوي تكنولوجيز”، مجرد أمر عابر بالنظر إلى أن سوق إنتاج أشباه الموصلات العالمي، بما فيها الصين، مازال في وضع قوي.
في الوقت نفسه، كانت شركات التكنولوجيا الصينية الخاصة الأخرى، مثل “على بابا جروب هولدينجز” و “بايدو”، التي حاولت تصميم رقائقها الخاصة، راضية عن استخدام المنتجات المصنوعة في الخارج أو مسابك الرقائق المملوكة لأجانب في الصين.
كما أنهم لم يكن لديهم دافع كبير للتخلي عن الموردين الخارجيين، مثل شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات، نظراً لأن بناء المعادلات المحلية بدا أمراً شاقاً.
لقد أنشأت إدارة بايدن، أو ربما تعثرت، في استراتيجية ميكافيلية إلى حد ما تتمثل في إبقاء الحلفاء والمتواطئين الضمنيين في الصين للعمل من أجل استمرار اعتماد التكنولوجيا على الولايات المتحدة والديمقراطيات التقنية الأخرى، وذلك من خلال عدم توسيع ضوابط التصدير بشكل جذري خلال الـ18 شهر الأولى في واشنطن.
لكن إعلان وزارة التجارة الأمريكية عن ضوابط التصدير المقترحة على أدوات برامج أتمتة التصميم الإلكتروني بعد ثلاثة أيام فقط من توقيع بايدن على قانون الرقائق يهدد بتفكيك الجبهة الموحدة الفعلية التي ساعدت في الحفاظ على الريادة التكنولوجية للحلفاء على الصين، تماماً مثل احتمالية توجه صناعة الرقائق نفسها إلى انكماش دوري وسط تباطؤ النشاط الاقتصادي العالمي.
إذا تم الانتهاء من وضع اللمسات الأخيرة رغم معارضة الصناعة، فإن الضوابط الجديدة ستقيد تصدير أدوات برامج أتمتة التصميم الإلكتروني إلى الصين لتقنية جديدة تُعرف باسم الترانزستورات ذات التأثير الميداني الشامل، التي تُقدم لإنتاج أحدث الأجيال من الرقائق الدقيقة.
ويقال أيضاً إن إدارة بايدن تبحث في تقييد شحنات المعدات الرأسمالية لإنتاج أجيال أقدم من الرقائق.
يذكر أن قاعدة الترانزستورات ذات التأثير الميداني الشامل ستستهدف جميع الشركات الصينية الهادفة إلى تصميم شرائح تتصدر صناعة أشباه الموصلات، ومبرر هذا الإجراء الشامل هو أن استراتيجية الصين لدمج تطبيقات التكنولوجيا العسكرية والمدنية تُصعب التأكد مما إذا كانت الرقائق المتقدمة ستستخدم لصالح جيش التحرير الشعبي.
من المرجح أن يكون هذا النوع من التدابير الواسعة فعالاً على المدى القصير، لكنه سيخلق تحالف محلي مطلوب لشركات التكنولوجيا ومصالح الدولة التي تحتاجها الصين لخلق بدائل لدراية الديمقراطيات التقنية على المدى الطويل.
يصف مسؤولو وزارة التجارة الضوابط المخطط لها في مصانع تصنيع الرقائق بأنها متعددة الأطراف على أساس اتفاق تم التوصل إليه في ديسمبر الماضي بين 42 دولة تشكل جزءاً من تحالف التكنولوجيا الديمقراطية المعروف باسم “ترتيب فاسينار”.
ومع ذلك، من غير الواضح مدى قوة الإجماع حول هذه المسألة، خاصة وأن أعضاء فاسينار لم ينسقوا بعد ضوابط التصدير الفردية الخاصة بهم.
علاوة على ذلك، تجادل الشركات المعنية بأنه سيصعب تحديد برنامج تصنيع الرقائق الذي سيخضع للضوابط الجديدة.
اكتسب الضغط لتقييد وصول الصين إلى الأجيال القديمة من معدات صناعة الرقائق زخماً بسبب التقارير الإخبارية التي صدرت في يوليو وأفادت أن شركة تصنيع أشباه الموصلات الدولية، ومقرها شنغهاي، بدأت في إنتاج الرقائق بناءً على ما يُعرف باسم تقنية 7 نانومتر ورغم ضوابط التصدير الأمريكية.
في الوقت نفسه، يمكن لشركات مسبك الرقائق الرائدة، مثل “تايوان لصناعة أشباه الموصلات” و”سامسونج إلكترونيكس”، أن تجد فجأة أنه من المفيد إنشاء مصانع لأشباه الموصلات المتطورة الخالية من التقنيات الأمريكية لخدمة السوق الصينية في حال مضي واشنطن قدماً في فرض مزيداً من الضوابط.
ويمكن للمرء أن يتخيل عملاء صينيين كبار ومسابك رائدة وصُناع معدات رأسمالية غير أمريكية يعملون سوياً لإنشاء مصانع لأشباه الموصلات متطورة.
مع ذلك، هناك بعض بصيص الأمل في أن الحكومة الأمريكية لن تقوض تحالفها الفعلي عبر ضوابط تصنيع واسعة للغاية.
وتقول بعض الشخصيات العاملة في الصناعة في كوريا الجنوبية إنهم علموا بأن واشنطن ستواصل السماح لهم بمواصلة شراء المعدات الأمريكية من أجل مصانع تصنيع أشباه الموصلات في الصين.
ربما تكون إدارة بايدن محظوظة كفاية للحفاظ على استراتيجيتها الذكية رغم الجهود السيئة التي بذلها بعض أعضاء الحكومة، وذلك بسبب تصادم المصالح المحلية والدولية.
بقلم: دوجلاس فولر، الأستاذ المشارك في الاقتصاد الدولي والحكومة والأعمال في كلية كوبنهاجن للأعمال
المصدر: مجلة “نيكاي آسيان ريفيو”