في أعقاب الأزمة المالية العالمية 2007-2009، كانت جهود التحفيز الصينية، التي ضخت ما يقرب من 4 تريليونات يوان (أي ما يعادل 575 مليار دولار أمريكي) في الاقتصاد، سبباً في إغداق المراقبين للبلاد بالمديح والثناء.
وأعرب روبرت زوليك، رئيس البنك الدولي آنذاك، عن سعادته بالتوسع المالي، بينما نسب صندوق النقد الدولي الفضل إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم في قيادة الانتعاش العالمي.
وخلال العام الحالي، أثناء فترة جديدة من الاضطراب الاقتصادي، تساعد الصين مرة أخرى على إعادة العرض والطلب معاً، وإن كان ذلك بطريقة مختلفة تماماً.
في ظل ارتفاع أسعار الوقود، كان انهيار مشتريات الصين من الغاز الطبيعي وأشكال الطاقة الأخرى نعمة غير متوقعة بالنسبة للدول في جميع أنحاء العالم.
أفادت مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية أن الغاز الطبيعي المسال المنقول بحراً انخفض بشكل ملحوظ.
ولا تزال الصين أكبر مستورد للغاز الطبيعي المسال في العالم، لكن واردات البلاد انخفضت بمقدار الخُمس بين شهري يناير وأغسطس مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
هذا النقص، الذي يبلغ حوالي 14 مليار متر مكعب، يعادل تقريباً إجمالي واردات بريطانيا من الغاز الطبيعي المسال سنوياً.
وتوقع خبراء الصناعة أن تنمو الواردات على مدار العام، إن لم يكن بالسرعة التي كانت عليها في السابق، لكن عمليات الإغلاق، التي تفرضها الصين بشكل لا نهاية له من أجل التصدي لتفشي وباء كوفيد-19، تسببت في انخفاض حاد في إنفاق الأسر، فضلاً عن أن الانهيار في سوق العقارات السكنية أدى إلى إعاقة صناعة البناء.
وفي الوقت نفسه، ارتفعت الكميات المستوردة عبر خط أنابيب “قوة سيبيريا”، الذي يضخ الغاز الروسي الرخيص إلى الصين، بنحو 60%، وهذا يمثل أقل من نصف الانخفاض في الواردات المنقولة بحراً.
وأوضحت المجلة أن واردات الغاز الطبيعي المسال، التي تُستخدم عادة للتدفئة والطاقة الصناعية وتوليد الكهرباء، لم تكن الوحيدة التي تراجعت، بل إن عمليات الإغلاق تعني أيضاً معدلات سفر أقل بكثير.
بين شهري يناير ويوليو، انخفضت حركة المرور على الطرق السريعة بأكثر من الثلث مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.. الأمر الذي أسهم في خفض الطلب على البنزين، كما انخفضت واردات الصين من البترول الخام في أغسطس بنسبة 9% مقارنة بالعام الماضي.
وتتوقع وكالة الطاقة الدولية، وهي مؤسسة فكرية، أيضاً تسجيل أول انخفاض سنوي في الطلب على البترول منذ عام 1990.
كذلك، انخفضت واردات الفحم بنسبة 15%.
لا شك أن الخطوات التالية ستكون أمرا بالغ الأهمية، إذ يعد سلوك مستورد كبير مثل الصين محركاً للأسعار، بشكل خاص في سوق تقع تحت ضغط شديد.
تقول المجلة البريطانية إن وضع حد لسياسات “صفر كوفيد” في البلاد يبدو وكأنه أمر غير مرجح في أي وقت قريب، لكن الطلب الصيني على الطاقة ضعيف حتى عند المقارنة مع العام الماضي عندما كان النهج سارياً بالفعل .. الأمر الذي يعني أن الطلب قد يرتفع قليلاً.
كذلك، يحدث الطقس فرقاً أيضاً، فإذا كان الجو “بارداً بشكل استثنائي”، فقد تعود الصين إلى السوق الفورية، وتسحب إمدادات الغاز الطبيعي المسال التي تشتد الحاجة إليها بعيداً عن أوروبا، حسبما تشير لورا بيج، من شركة البيانات “كبلر”.
في الوقت نفسه، ستكافح الدول المجاورة للصين في مواجهة مزيد من الضغوط، ويُجبر مشترو الغاز الطبيعي المسال في الاقتصادات النامية في آسيا، الذين يتأثرون بالأسعار، على الخروج من السوق بالفعل.
وفقاً لمعهد اقتصاديات الطاقة والتحليل المالي، فإن البنية التحتية، التي تبلغ قيمتها 97 مليار دولار، لواردات الغاز الطبيعي المسال في بنجلاديش وباكستان والفلبين وفيتنام تخاطر بعدم الاستغلال أو التوقف إذا ظلت الأسعار مرتفعة بشكل لا يمكن تحمله.
لسبب وجيه، فإن السياسات الصينية التي أسهمت في خفض واردات الطاقة خلال العام الحالي لن تحظى بالاستحسان الذي حظي به التحفيز الذي قدمته البلاد خلال الأزمة المالية العالمية، لكن المشترين الأوروبيين للغاز الذي يتم تداوله عالمياً، والذين يتدافعون بالفعل بشكل يائس من أجل الواردات اللازمة لاستمراره خلال الشتاء، سيفتقدون البلاد إذا اختفى دورها.