ربما يكون الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة هو الشئ المطلوب لإفساح المجال لانخفاض موثوق في أسعار الفائدة الحقيقية في الولايات المتحدة وإضعاف الدولار بشكل جيد.
من المؤكد أن تخفيف الشروط النقدية للولايات المتحدة سيكون مفيداً بالنسبة للاقتصادات الناشئة الآن، فقد كانت عملية التشديد في الآونة الأخيرة بعض العواقب الوخيمة عليهم.
هذا التشديد أدى إلى تراجع إمكانية وصول الاقتصادات الناشئة إلى أسواق رأس المال الدولية، وزيادة مخاطر التخلف عن سداد الديون، خاصة بالنسبة للدول منخفضة الدخل، فضلاً عن أنها زعزعت استقرار عملاتها ودفعت استقرار الأسعار إلى مستوى أبعد من المتناول حتى بالنسبة لأكثر البنوك المركزية مهارة.
ذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية أن هناك تاريخ من الدعم يقف خلف فكرة أن تدفقات رأس المال ستعود إلى الأسواق الناشئة في أعقاب الركود في الولايات المتحدة.
ثمة حلقتان تستحقان النظر بشكل خاص، واللتاين تأتيان في أوائل التسعينيات وخلال تداعيات الأزمة المالية العالمية في عام 2008.
لقد شهدت الولايات المتحدة ركوداً بدءاً من عام 1990 ومن عام 2007 واستمر ثمانية أشهر و 18 شهراً على التوالي.
وقد سمحت هاتان الحلقتان بتخفيف حقيقي للظروف النقدية للولايات المتحدة .. الأمر الذي ساعد على تحفيز تدفقات رأس المال إلى الاقتصادات الناشئة بعد فترة من النفور من المخاطرة التي لم تكن مختلفة عما مررنا به مؤخراً.
بحلول عام 1992، على سبيل المثال، قدمت أسواق رأس المال الدولية صافي إقراض للاقتصادات الناشئة بما يصل إلى حوالي 1% من الناتج المحلي الإجمالي بعد نحو 10 أعوام من أخذ الأموال منها.
أما بحلول عام 2010، ارتفع هذا التدفق إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي بعد عامين قاحلين عندما اندلعت أزمة بنك ليمان وتداعياتها.
يجب القول إن هاتين الحالتين انتهى المطاف بهما بشكل سيء، إذفقد توقف الارتفاع في تدفقات رأس المال أوائل التسعينيات بشكل مفاجئ مع أزمة تيكيلا المكسيكية في أواخر عام 1994.
كذلك، انتهت الطفرة التي أعقبت الأزمة المالية في تدفقات رأس المال إلى الداخل بسلسلة من الصدمات، حيث ظهرت عمليات بيع مكثفة في الأصول مع اقتراب نهاية عام 2011، و “نوبة غضب مستدقة” بدأت في ربيع 2013 عندما أثار الاحتياطي الفيدرالي اضطرابات السوق من خلال تشديد السياسة النقدية.
يذكر أيضاً أن هاتين “الفترتين اللتين تتمتعان بازدهار” في تدفقات رأس المال إلى الدول النامية لم تأتيا نتيجة تخفيف الأوضاع المالية للولايات المتحدة، إذ كانت هناك عوامل أخرى تلعب دورها.
يُفهم مثل هذا التخفيف على أنه عامل “جذب” لتدفقات رأس المال، حيث يرغب المستثمرون في السعي وراء عوائد أعلى من الدول النامية عندما تكون أسعار الفائدة الأمريكية منخفضة وعندما تنخفض قيمة الدولار.
لكن عوامل “الجذب” ذات صلة أيضاً، حيث يمكن التفكير فيها باعتبارها إمكانات نمو للاقتصادات الناشئة، والجهود التي يبذلها صُناع السياسات في تشجيع التدفقات الداخلية لرأس المال الاستثماري طويل الأجل والثقة العامة بأن المشاركين في السوق لديهم “أن الأمور تبدو على ما يرام” بالنسبة للعالم النامي.
تجدر الإشارة إلى أنه في هاتين الحلقتين التاريخيتين، اللتين سبق ذكرهما، كانت عوامل “الجذب” قوية جداً.
في أوائل التسعينيات، استفادت الأسواق الناشئة من إثارة المستثمرين الجدل حول الفوائد المقترحة للعولمة والجهود التي تبذلها الدول، مثل المكسيك وتركيا وتايلاند وغيرها، لتقليل الحواجز التجارية والاندماج في الاقتصاد العالمي وخفض عجز الميزانية والحد من معدلات التضخم المرتفعة.
بالإضافة إلى ذلك، منذ أوائل التسعينيات، استفاد عدد من الدول من تخفيض الديون بموجب مبادرة برادي، لذلك كان يُنظر إلى الميزانيات العمومية للأسواق الناشئة على أنها جيدة بشكل أكثر مما كانت عليه في فترة أزمة الثمانينيات.
بالمثل، شهدت بيئة ما بعد الأزمة المالية عامل “جذب” كبير للأسواق الناشئة.
لم تتأثر الاقتصادات الناشئة نسبياً بالأزمة، بينما كانت توقعات النمو مدعومة بقرار الصين في أواخر عام 2008 بإطلاق برنامج ضخم للتحفيز، الأمر الذي أنعش أسعار السلع الأساسية العالمية ونمو التجارة العالمية.
من الصعب الإشارة إلى عوامل “الجذب” القوية في الأسواق الناشئة هذه الأيام، خصوصا أن نمو التجارة العالمية ضعيف، مما يضر بالدول النامية بشكل غير متناسب.
كذلك، يتصاعد مستوى الحمائية، في حين أن التوترات الجيوسياسية تهدد العولمة.
وهناك القليل من الأدلة على الإصلاحات الاقتصادية المحلية التي تعزز النمو، في ظل استثناءات مثل إندونيسيا أو فيتنام.
لذلك من المحتمل أن تكون عوامل “الدفع” مهمة في تحديد تدفقات رأس المال إلى الأسواق الناشئة، وستكون الحيلة هي التأكد من أن أي طفرة ما بعد الركود في الولايات المتحدة في مثل هذه التدفقات لن تنهار، كما في الماضي.